القاهرة | «من أين تؤتى الدبابة؟». عبارة قد يعتقد المرء أنّها من خطاب سياسي أو جملة متداولة على السوشال ميديا، عقب كلمة للمتحدث الرسمي باسم «كتائب القسام»، أبو عبيدة. لكنّها جزء من أغنية «تلك قضية» (كلمات مصطفى إبراهيم) التي طرحتها أخيراً «كايروكي». أغنية أدّاها المغنّي الأساسي في فرقة الروك المصرية الشهيرة، أمير عيد، وتُرجمت أيضاً إلى اللغة الإنكليزية، فيما حصدت حتى كتابة هذه السطور قرابة 1.2 مليون استماع على يوتيوب.
(أمينة زاهر)

تسخر الأغنية في أحد مقاطعها من الشعارات الغربية عن الحرية والديموقراطية فيما يمارس الغرب ازدواجية المعايير عندما يتعلّق الأمر بمصالحه الاستعمارية: «كيف تكون ملاكاً أبيض؟. يبقى ضميرك نصّ ضمير. تنصف حركات الحرية. وتنسف حركات التحرير. وتوزّع عطفك وحنانك على المقتول حسب الجنسية. وتلك قضية وتلك قضية». تمثّل الأغنية مرحلة جديدة من الأغاني التي تحمل بصمة أمير عيد وتعبّر عن قضايا تشغل الناس وتشغله هو شخصياً قبل أي شيء. يوجّه العمل كذلك أصابع اللوم إلى نجم كرة القدم المصري ولاعب نادي «ليفربول» الإنكليزي محمد صلاح، ومن وضعوا أنفسهم في صفّه، حين ساوى بين القاتل والضحية في محرقة غزّة بعبارة «ويساوي المقتول بالقاتل بشرف ونزاهة وحيادية». وفي انتصار للقضية وما تقوم به المقاومة الفلسطينية، تختتم الأغنية بما يشبه المانشيت الصحافي وتلخّص الموضوع بأنّ «تلك قضية... وهذا كفاح».
جاء طرح الأغنية الشهر الماضي بعدما شارك عيد في أوبريت «راجعين» الذي خُصّصت أرباحه لمساعدة وإغاثة الفلسطينيين في قطاع غزة، إلى جانب مجموعة من مغني الراب والمستقلين العرب، وفيها غنّى: «كل الدنيا بلادي وأرضي. كل الدنيا بلادي من قديم الزمان. الفروق بينا حدود كلام على الورق. المكتوب أصبح قيود تمنعنا نشوف».
هكذا، يكون عيد قد طرح أغنيتين في وقت قصير جداً عن القضية المركزية والقهر الفلسطيني المستمرّ منذ 75 عاماً، ليثبت العدوان الصهيوني أنّه يمكن لوجه معروف أن يكون شجاعاً وجريئاً ويقول الحقّ مهما كانت مغريات السكوت والترهيب الممارس عليه. يتوافق ما يفعله أمير عيد مع أغنية سابقة له بعنوان «أنا نجم» قدّمها في مسلسل «ريفو» (تأليف محمد ناير، وإخراج يحيى إسماعيل)، والتي يقول في أحد مقاطعها: «صوت يدلّ وصوت يضلّ، صوت يحرّر وصوت يشلّ»، في إشارة إلى أهمية تصريحات النجوم والمشاهير في الأوقات التي لا يتمكّن فيها الشخص العادي من إيصال صوته.
شارك الفنان المصري في أوبريت «راجعين» الشهر الماضي


تتسابق أغنية «تلك قضية» مع أفكار أمير عيد التي يثيرها عبر منصة X، باعتبارها المتنفَّس الذي يعبّر فيه عن أفكاره حول القضية الفلسطينية والعدوان على غزة المستمرّ منذ أكثر من 80 يوماً. يحظى حسابه بحوالي مليوني ونصف مليون متابع، ويخوض أمير عبره سجالات مع ناشطين، منتصراً للقضية وللمقاومة. ويؤكّد المغني المصري على أهمية ودور الفنّ في قول الكلمة وإيصالها والتأثير في الناس. وقد غرّد أخيراً قائلاً: «ما المعقّد في إدانة قتل الأطفال والأبرياء؟ الأمر واضح تماماً، دولة محتلة، وشعب مقهور، وجودهم هو ذنبهم الوحيد».
بالعودة قليلاً إلى الوراء، يغنّي أمير عيد مع فرقة «كاريوكي» التي تأسست عام 2003، ويتطرّق بأسلوب ساخر إلى قضايا عامّة في مصر ومحاولات الحكّام الدائمة إسكات الناس، مع التأكيد الدائم على أنّ كلامهم «مالوش لازمة». في عام 2011، غنّى أمير «مطلوب زعيم» التي شكّلت عنوان ألبوم «كاريوكي» الأوّل. كما تواءمت أغانيه مع الحالة الثورية التي عاشتها مصر في تلك المدة، وتحديداً أغنية «صوت الحرية» التي طرحها عيد في أواخر عام 2011. وكجزء من تطوّر الغناء والموسيقى بعد «ثورة يناير»، صدر كتاب «أيامي مع كاريوكي» عن تاريخ الفرقة التي يعدّ أمير عيد ضلعها الأساسي، إذ إنّه يغنّي ويعزف في صفوفها منذ أن أبصرت النور.
وفي شهر رمضان الماضي، تعرّض عيد لانتقادات كثيرة بسبب أغنية «حياة كريمة» (أغنية دعائية لمشروع تنموي حول تطوير قرى الريف المصري) وهي مبادرة من رئاسة الجمهورية في مصر، وقيل إنه أُرغم على المشاركة في المشروع الفني. يومها، ردّ الفنان البالغ 40 عاماً قائلاً «كل اللي بيزايدوا وبيحكموا بتوع كلام ميعرفوش الحقايق والنوايا، ومفيش حدّ يعرف يجبرني على شيء ولا يشتريني، ولا أنا بنهزم». ولفت عيد إلى أنّه غنّى من دون أجر، وأنّه سعى للإعلان ولم تُطلب منه المشاركة فيه، مضيفاً أنه قصد منه «فعل الخير»، على حد تعبيره.
إذا وضعنا أغنيات أمير عيد على خطّ مستقيم وصولاً إلى «تلك قضية»، سنجد أنّ أفكار الأغنية عن غزة وفلسطين، هي جزء لا يتجزّأ من مشروع المغني المنتصر دائماً للحرية والحق في الحياة.