ضمن حلقة جديدة من مسلسل «صيد الساحرات» الهزلي والوقح الذي تنفّذه الدوائر السياسية الغربية المؤيدة لإسرائيل وعدوانها المستمر على غزة وفلسطين، جاء الدور هذه المرة على الكاتبة اليهودية الألمانية-الأميركية ماريون إنغرام (87 عاماً) الناجية من الهولوكست. منذ أشهر، تحتجّ الكاتبة أمام البيت الأبيض في واشنطن للدعوة إلى وقف النار الفوريّ في غزة. طالت آلة البطش والمنع الأنشطة التي كانت إنغرام تزمع عقدها في ألمانيا، من أمسيات أدبية في مدينة هامبورغ التي اعتُقلت فيها أثناء المحرقة النازية، إضافة إلى جولات على مدارس في أكثر من مدينة ألمانية: في مقابلة مع تلفزيون محليّ في مدينة نيويورك، وصفت إنغرام سياسة الولايات المتحدة وألمانيا المؤيدة لإسرائيل بأنها «مزعجة» و«مخيفة». كناجية من الهولوكوست، تقول إنغرام: «قضيت طفولتي في السنوات العشر الأولى بالطريقة نفسها التي يعيش بها أطفال غزة. أعرف بالضبط ما يمرّون به. أعرف بالضبط كيف يشعرون». ولدت ماريون إنغرام في هامبورغ في الثلاثينيات من القرن العشرين، وسيقت إلى المعتقل مع عائلتها في ألمانيا النازية، ثم هاجرت بعد الحرب في عمر السابعة عشرة نحو «العالم الجديد»، لتكتشف عندما وصلت إلى الولايات المتحدة أنّ العنصرية كانت سائدة في الجنوب الأميركي تماماً كما كان العداء للغرباء في أوروبا. انتقلت المؤلّفة التي ذاع صيت كُتبها ومنها «أيادي الحرب»، و«قصّة الصبر والأمل من ناجية من المحرقة»، و«أيادي السلام»، إلى نيويورك ثم إلى العاصمة السياسية واشنطن. هناك، انضمت إلى حركة حقوق الإنسان المتنامية، محتجّةً على التمييز في الإسكان والتوظيف والتعليم، والحرمان من حق التصويت لفئات مهمّشة عديدة في المجتمع الأميركي، كما كانت متطوّعة في مسيرة واشنطن الشهيرة، حيث قدم مارتن لوثر كينغ خطابه الأيقوني «لديّ حلم». كمناضلة من أجل حقوق الإنسان، لم تتزحزح قناعاتها الأساسية يوماً في المساواة بين البشر قاطبة. من وحي هذه القناعات، تستغرب إنغرام موقف الدوائر الثقافية الألمانية وحججها الواهية لتبرير انحيازها إلى الصهيونية: «إلغاء مشاركاتي كان غاية في الغموض... التفسير الوحيد الواضح الذي حصلت عليه من أحد المسؤولين كان أنني، كناجية من الهولوكوست، قد تستعمل تصريحاتي من مجموعة نيونازية وبشكل أساسي معادية للسامية. لكنني لا أستطيع حتى أن أفهم نوع البروباغندا التي ستُستخدم».
المناضلة التي نزحت عام 1964 جنوباً إلى مسيسيبي بناءً على دعوة زعيمة حقوق الإنسان فاني لوهامر، ذات باع طويل في مواجهة عنصرية «الرجل الأبيض» وغطرسته. عملت في لجنة التنسيق الطلابية المناهضة للعنف وقامت بتدريس الشباب الأفرو-أميركيين مبادئ النضال والكفاح السلمي، وتلقّت لجرأتها التهديدات من العنصريين البيض. هدّدوها مرات عديدة وتركوا صليباً مشتعلاً أمام مدرستها، وها هي اليوم تضع نضالها في سبيل نصرة فلسطين في السياق التحرري ذاته: «لقد كنت أتحدث إلى الطلاب لسنوات، وقال لي معلّمون كثيرون إنّ وجودي الآن والتحدث مع الطلاب أمر ذو أهمية قصوى، لأن المدارس في هامبورغ متنوعة للغاية، وثمة العديد من الطلاب القادمين من بلدان تعاني من الحرب والقمع والفقر. أفهم حساسية ألمانيا بسبب تاريخها المروع. لكن ألمانيا أيضاً كانت البلد الوحيد، ربما إضافة إلى روندا، الذي اعترف بتاريخه المروع، وقد قامت بتدريس هذا التاريخ لئلا يتكرر كرّة أخرى. يجب علينا مواجهة تاريخنا لكي نتعلم منه. لذلك صعقت حين شعرت أنّ ألمانيا قررت إخماد صوتي». وتتابع إنغرام: «أعتقد أنّ أسوأ جزء في ذلك أنّهم يخمدون أصوات الشبان الذين يشعرون بالقلق إزاء ما يحدث في حرب الشرق الأوسط والذبح المروع للأبرياء.».
تضع الكاتبة نضالها اليوم في سبيل نصرة فلسطين ضمن السياق التحرري ذاته الذي اختارته


دقّت إنغرام ناقوس الخطر، حين اعتبرت دعم أميركا وألمانيا لسياسات إسرائيل مقلق للغاية، ولا بد من صوت صادح في البرية لوقف هذه المذبحة المستمرة: «إخماد صوت آخر ناجٍ من أحداث رهيبة وقعت في هامبورغ مثل العاصفة النازية، وأعنف قصف جوي من الحلفاء عام 1943، والهولوكوست، حيث منعنا كيهود من الاختباء في الملاجئ وفقدت معظم أفراد عائلتي أمر يشير إلى شيء غاية في الرعب، لأنني أعتقد أنّه عندما تقرر الحكومات إخماد الأصوات المعارضة للموقف الذي تتخذه، فيجب علينا أن نسأل بجدية عميقة عن الأسباب الكامنة خلف ذلك. يجب أن تكون هناك إدانة تامة لجميع الحكومات عندما يُقال لك إنّ أكثر من عشرة آلاف طفل يُقتلون. لا عذر لذلك على الإطلاق».



الرفيقة جوديث تقاطع أيضاً!


انضمّت المنظّرة اليهودية الأميركية جوديث بتلر (1956/ الصورة) إلى مبادرة «سترايك جيرماني» الرامية إلى مقاطعة المؤسّسات الثقافية الألمانية الداعمة للاحتلال الإسرائيلي التي تقمع حرية التعبير وتراقب سياسات الفنانين وتشترط دعم الكيان الصهيوني في تمويلها للفنّ. وانطلقت أخيراً الدعوات إلى مقاطعة «مهرجان برلين السينمائي الدولي» الذي سيُقام الشهر المقبل احتجاجاً على تواطؤ ألمانيا مع المحرقة الجارية بحق الفلسطينيين وتدمير الثقافة الفلسطينية وقتل الصحافيين الفلسطينيين. وكان مئات المثقفين والفنّانين حول العالم، من بينهم الكاتبة الفرنسية الفائزة بجائزة «نوبل للآداب» آني إرنو، قد وقّعوا عريضةً تدعو إلى مقاطعة المؤسّسات الثقافية الألمانية بسبب قمعها صوت الفلسطينيين في سياق العدوان الإسرائيلي على غزّة ضمن مبادرة «قاطعوا ألمانيا» (Strike Germany) التي تعرّف عن نفسها على موقعها الإلكتروني بأنّها تهدف إلى «مقاطعة العنصرية المناهضة للفلسطينيّين والرقابة بأشكالها الرسمية الأكثر تقدّماً» (الأخبار 18/1/2024). علماً أنّ ألمانيا الرسمية كانت الأكثر استشراساً في ملاحقة الأصوات المناصرة للقضية الفلسطينية وقمعها تحت شمّاعة «معاداة السامية» مثل إلغاء تكريم الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي في «معرض فرانكفورت للكتاب» (الأخبار 17/10/2023) وغيرها من الحوادث القمعية.