اعتدنا عند قراءة كتّاب بلاط الغرب الإمبريالي على استشراقهم وعنصريتهم الفجّة في نظرتهم الاستكبارية والاستعلائية إلى شعوب عالمنا العربيّ، كما الشعوبِ الأخرى في «دول الجنوب». ومن كبار هؤلاء في واشنطن «الطشت» المسمّى توماس فريدمان الذي يثابر على الادّعاء بأنّه خبير المنطقة الأوّل في صحف الاستعمار الناطقة باللغة الإنكليزية. وقد لا يكون مخطئاً فريمان في تشخيصه، فـ«الطشت» عند العرب إناء الغسيل حيث ترقد رواسب القَذر في مياهه ولا يصلح للطهي أو الأكل أو الشراب، وما من «طشتٍ» استخدم لغسيل وسخ أميركا ووكيلتها «إسرائيل» في منطقتنا أكثر من فريدمان والصحيفة حيث يعمل منذ عقود، الـ«نيويورك تايمز». في المناسبة قد يكون الـ«طشت» هذا الكاتب الوحيد من خارج النشرة الحزبية لـ«التقدمي الاشتراكي» الذي امتدح وليد جنبلاط في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، إضافة إلى العقود التي مرّت من الألفية الحالية، وقد يكون مقاله الأخير الذي نُشر مساء الجمعة الفائت مستوحى من أحد خطابات «البيك» الشهيرة حين كان ثائراً أرزيّاً. عنوان مقال توماس فريدمان هو «فهم الشرق الأوسط من خلال مملكة (عالم) الحيوان». ترد في المقال عبارة: «أحياناً أتأمّل الشرق الأوسط عبر شبكة سي إن إن، وأحياناً أخرى أفضّل قناة كوكب الحيوان». وفي هذه العبارة إدانة كبيرة لنفسه إن كان يعتبر أن «سي إن إن» جديرة بالتأمّل لفهم أحداث منطقتنا إذ هي لا تختلف عن قنوات الرسوم المتحركة أو عالم الحيوان الأميركية في الفهم… بالمطلق. لن ندخل في تفاصيل وصف فريدمان للحرب التي أطلقت العدّ العكسي الفعلي لنهاية «مملكة إسرائيل» بمقارنة كل من يشارك فيها بفصيل من الحيوان أو الحشرات، فهو ليس بابن المقفّع لا بالبلاغة ولا بالتشبيه. لكنّ خلاصة الرجل الأبيض هي أنه لا يمكن التخلّص من عش دبابير المقاومة إلا بحرق الغابة بأكملها. الأسد الأميركي هو ملك الغاب الذي نسكنه بنظر فريدمان.
فريدمان يدعو إلى إبادة الغابة بكل حيواناتها، ولم يعد مستغرباً هذا الكلام الذي يتكرّر يومياً في الإعلام الغربي بكل لغاته، بعد أن صدر غير مستهجن عن قادة «إسرائيل» في بداية حرب الإبادة على غزة. لا يمكن أخذ كتابات فريدمان الولدانية على محمل الجدّ، غير أنها تعكس ما كان مبطّناً لمدة وصار علنيّاً اليوم. بنظر المستعمرين، هم ملوكٌ ونحن حشرات. لكن من قال إن نعتنا بحشرة إهانة. الحشرة رمز الإزعاج ونحن فخورون بإزعاجكم.
عن الدبّور تحديداً، بعضٌ من المعلومات من ثقافتنا وتراثنا الشعبيّ قد تفيد فريدمان أكثر من «سي إن إن» و«كوكب الحيوان» لفهمنا. هناك لعبة أطفال كنّا نلعبها في صغرنا اسمها «أنا النحلة، أنا الدبّور»، حيث يتداور لاعبان في رفع الواحد للآخر على ظهره وكتفيه حتى يصِلا «إلى إسطنبول» وفقاً للكلمات المردّدة في اللعبة. لعبةُ النحلة والدبّور تجسيدٌ حرفيٌّ للتكاتف.
لكن، في ثقافتنا دبّورٌ مغرورٌ لادغٌ أيضاً. إذا عدنا إلى ما قبل سنوات طفولتي، إلى سنوات طفولة توماس فريدمان (ووليد جنبلاط)، هناك فيلم سينمائيّ بعنوان «يا سلام عالحب» بطولة فهد بلّان ونجاح سلام. بطلا الفيلم يؤديّان فيه أغنية اسمها أيضاً «أنا النحلة، أنا الدبّور». في الأغنية دبّور بلّان «بِيْوِنّ بِيْوِنّ» ونحلة سلام «بِتْزِنّ بِتْزِنّ» إذا أردتم إزعاجاً. أمّا إذا أردتم معاملة عنجهية وغطرسة المستعمر بالمثل، فإليكم كلمات الدبّور في الأغنية تصدح بنبرة صوت فهد بلّان وصداها العابر للقارات:
«وأنا الدبّور ومين خيّي بزند البُم!
وجنحي من الشمس أحمر
وصوتي بالوغى عنتر
■ ■ ■
وأنا الدبّور زعيم مشهور
ومين يعاديني يعيش مقهور
هو هو هو هو!»

أسمعت يا «طشت»؟