غزة | لأول مرة منذ انتهاء الهدنة المؤقتة قبل 110 أيام، دخلت إلى مناطق شمال وادي غزة، ليلة أول من أمس، اثنتا عشرة شاحنة طحين بطريقة منظّمة ومنسّقة، حيث قُسّمت إلى جزءين: 6 شاحنات إلى محافظة الشمال، وتحديداً مخيم جباليا وأحياء بيت لاهيا وبيت حانون، و6 أخرى إلى أحياء مدينة غزة، مثل الشجاعية والتفاح والدرج والرمال. وبحسب مصادر في «لجنة الطوارئ» المحلية، فقد دخلت الشاحنات من مفترق الكويت عبر طريق صلاح الدين، بتنسيق أممي، فيما تولّت قوة أمنية مشكّلة من الوحدة ذاتها، مسؤولية تأمينها.ووفقاً لمعلومات حصلت عليها «الأخبار»، فإن دخول الشاحنات تلك، سبقه اجتماع قبل أيام، ضمّ لجاناً عشائرية ومؤسسات دولية وأممية، لتهيئة المناخ لذلك، علماً أن ست شاحنات وصلت إلى مخازن في مبنى الصناعة التابع لـ«وكالة غوث وتشغيل اللاجئين»، غربي مدينة غزة، فيما وصلت حصة محافظة شمال القطاع، إلى مخازن تابعة لـ«الأونروا» أيضاً، على طريق صلاح الدين شرقي مخيم جباليا. ومن هناك، تمّ توزيع كمية قوامها 3000 كيسٍ من الطحين، على كلّ أهالي شمال وادي غزة، باعتماد معيار أن تكون الأسرة مكوّنة من ستة أفراد فما فوق، لتحصل كل عائلة على 5 كيلو من الطحين فقط، ويتم التسليم من خلال بطاقة الهوية. والجدير ذكره، هنا، أن «لجنة الطوارئ المحلية، تم تشكيلها من العشائر الكبرى، ومؤسسات أهلية، بالإضافة إلى عناصر شرطة تولّوا مهمة تأمين الشاحنات»، وفقاً للمصادر نفسها.
ويبدي مصدر مطّلع في «لجنة الطوارئ المحلية» في مخيم جباليا، تفاؤلاً بشأن دخول شاحنات المساعدات على هذا النحو المنتظم، قائلاً: «إن استمر دخولها بنمط ثابت، فسيساهم ذلك في تقليص حالة المجاعة، برغم أن كل ما دخل ليلة السبت - الأحد، لا يكفي في الوضع الطبيعي لحي سكني واحد تسكنه 50 ألف نسمة». ويتابع المصدر، في حديثه إلى «الأخبار»: «لم نجد حلاً سوى تقسيم الأكياس بواقع 5 كيلو لكل أسرة مكوّنة من 6 أفراد. هذا المعيار حرم الآلاف من الأسر من الحصول على أي مساعدة، لكننا نأمل أن يتم استكمال توزيع حصص الطحين على الجميع، في حال دخلت شاحنات جديدة، وهو الأمر الذي تعد به أطراف دولية». ويضيف: «حتى مساء يوم أمس الأحد، كان يحدونا تفاؤل بأنه سيتم التنسيق مجدداً لشاحنات تحمل المعلبات وكميات أخرى من الأرز والأغذية، لكننا أُبلغنا من جهات دولية بأن جيش الاحتلال ألغى تنسيق الشاحنات وأعادها إلى وجهتها».
ورغم أن شاحنات الدقيق لا تلبي الحد الأدنى من المطلوب، خصوصاً أن ثمة تراكماً للجوع منذ أكثر من 3 أشهر، فإن دخولها من دون إراقة الدماء وارتكاب المجازر، انعكس بالإيجاب على حالة الشارع المعنوية. كما أسهم في تخفيض سعر كيلو الطحين الذي تحتكر تجارته عائلات كبرى، من 15 دولاراً إلى 8 دولارات في غضون يومٍ واحد، وهو سعر لم يُسجل طوال المئة يوم الماضية، التي وصل فيها سعر الكيس زنة 25 كيلو إلى 1000 دولار، وسعر الكيلو إلى 30 دولاراً.
وفي القراءة السياسية للخطوة، تباينت التقديرات حول حقيقة الخطوة الإسرائيلية المفاجئة؛ إذ تقدر مصادر مطّلعة أنها تأتي في سياق «تنفيس الضغوط الدولية على إسرائيل»، خصوصاً أن منسّق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، جيمي ماكغولدريك، الذي زار مناطق شمال وادي غزة قبل ثلاثة أيام، أكّد أن شمال القطاع يعيش حالة من المجاعة والبؤس لم يسبق لها مثيل. كما توالت تصريحات أطراف أوروبية وأميركية، عقب كلام المنسّق الأممي، للمطالبة بوضع حد للأزمة الراهنة. غير أنّ أطرافاً أخرى قدّرت بأن تستخدم إسرائيل ورقة إدخال المساعدات إلى شمال وادي غزة، للحصول على مكتسبات على الصعيد الميداني، والإداري الداخلي، الذي سيطالب بلا شك بمواراة حضور حركة «حماس» في المشهد، ولو إعلامياً على الأقل، وتصدير العشائر واللجان المحلية بديلاً منها.