في كانون الثاني (يناير) الماضي، قالت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إنّها أوقفت موقتاً تمويل «وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى» (الأونروا) بعدما اتهمت إسرائيل 12 من موظفيها البالغ عددهم 13 ألفاً في غزة بالمشاركة في عملية «طوفان الأقصى» في السابع من تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي. لكن إذا افترضنا أنّ الأمر صحيح، هل من المنطقي أن تعاقب إدارة بايدن أكثر من مليوني و200 ألف فلسطيني في القطاع؟ ناهيك بأنّ للاتهام الإسرائيلي آثاراً نفسية ومعنوية سلبية يريد عبرها الاحتلال ضرب ثقة الناس في المقاومة. فَبرَكات عمِل العدو على تضخيمها ونشرها وتوزيعها على الإعلام الغربي والعالمي. في المقابل، كشفت صحيفة «ذا غارديان» البريطانية في 19 آذار (مارس) الحالي عمّا وصفته الأمم المتحدة في وثائقها الداخلية، بـ «حملة ممنهجة من المضايقات والعرقلة» من قبل سلطات الاحتلال تستهدف موظفي وعمليات «الأونروا».
(كارلوس أموريم ـ البرازيل)

في هذا السياق، قالت المتحدثة باسم «الأونروا»، جولييت توما، لـ «ذا غارديان»: «إننا نشهد نمطاً أوسع من المضايقات ضد «الأونروا» في الضفة الغربية والقدس (المحتلة)»، مندّدةً بما تصفه الوثائق بـ «انتهاكات فاضحة على نحو متزايد» لامتيازات «الأونروا» وحصاناتها بموجب قرار الأمم المتحدة لعام 1946. ومن بين الاتهامات الأكثر إثارة للصدمة في الوثائق المسرّبة، حادثة وقعت في شباط (فبراير) الماضي، حين أُوقف موظفان لدى «الأونروا» في مركبة تحمل علامة الأمم المتحدة عند نقطة تفتيش إسرائيلية بالقرب من بيت لحم. ووفقاً لما ورد، أجبرهم جنود الاحتلال على الخروج تحت تهديد السلاح، وسخروا منهم باعتبارهم ينتمون إلى «حماس»، قبل أن يرغموهما على الركوع، وعصبوا أعينهما وقيّدوا أيديهما بأربطة بلاستيكية، ثمّ ضربوهما إلى أن تدخّل أحد الضباط. وأقامت قوات الاحتلال في بعض مخيمات اللاجئين نظاماً من حواجز الطرق المرتجلة و«العبوات الناسفة»، بعضها «متاخم أو قريب من منشآت «الأونروا»...»، ما يعرّض اللاجئين والموظفين للخطر. وتكشف الوثائق أيضاً أنّه أثناء الغارة الإسرائيلية على «مخيم الفارعة» للاجئين في كانون الأول (ديسمبر) 2023، التي أسفرت عن استشهاد ستة فلسطينيين، اقتحم الجنود الصهاينة المركز الصحي المحلي التابع لـ «الأونروا» وأزالوا علم الأمم المتحدة و«استخدموا المبنى كموقع لإطلاق النار، تاركين ذخيرة في الداخل بعد الانسحاب». وهذا أمر بالغ الخطورة، فما الذي يعنيه تركهم للذخيرة داخل المقر سوى أنّه تمهيد لأكاذيب جديدة تطلق في حقّ الفلسطينيين في الضفة أيضاً؟ وهذا خبث ينمّ عن جهود استخبارية لصناعة التُهم. تقول «الأونروا» إنّها سجلت 135 حادثاً أثّر على منشآتها (العيادات والمدارس والمكاتب) في الضفة الغربية منذ 7 أكتوبر الماضي. بدءاً من التوغّلات العسكرية غير المصرّح بها، وحتى إطلاق الغاز المسيّل للدموع والرصاص الحي داخل المباني، إلى جانب تأخير الجمارك الإسرائيلية الإمدادات الطبية لأكثر من شهرين في كانون الثاني (يناير) الماضي، قبل تخليصها بعد ساعات من استفسار «ذا غارديان» في حينها. ويواجه موظفو «الأونروا» كذلك إساءات لفظية منتظمة، وعمليات تفتيش جسدية عدوانية، وقيود سفر تعسّفية، وعرقلة تامة للوصول إلى مخيمات اللاجئين بمعزل عن التنسيق المسبق مع سلطات الاحتلال، وفقاً للوثائق.
سجّلت الوكالة 135 حادثاً أثّر على منشآتها في الضفة الغربية منذ «طوفان الأقصى»


يعقب ظهور الملف المسرّب احتمال تعليق الولايات المتحدة مساهماتها في «الأونروا» حتى آذار (مارس) 2025 وفقاً لما ذكرت «رويترز» الأسبوع الماضي، نقلاً عن مصادر في الكونغرس. وكشفت الوكالة عن اتفاق بين البيت الأبيض وزعماء في الكونغرس، سيمنع وصول المبلغ الذي يراوح بين 300 و400 مليون دولار الذي تقدّمه الولايات المتحدة سنوياً إلى الـ «أونروا». وتتوافق هذه الخطوة مع الضغوط الإسرائيلية المكثّفة والادعاءات بأنّ موظفي «الأونروا» تعاونوا مع «حماس».
إسرائيل التي قتلت ما لا يقل عن 154 شخصاً من موظفي «الأونروا» منذ 7 أكتوبر، تتهم الوكالة بـ «توظيف أعضاء من حماس»، وتمارس ضغوطاً مكثّفة من أجل حلّها. وباعتبارها وكالة الأمم المتحدة الوحيدة التي تساعد اللاجئين الفلسطينيين، فإنّ الكيان العبري ينظر إلى «الأونروا» باعتبارها تعمل على إدامة وضع اللاجئين وتقويض رفض إسرائيل لحق اللاجئين في العودة إلى فلسطين. علماً أنّ المانحين قد أوقفوا، بما في ذلك 18 دولة والاتحاد الأوروبي، التمويل منذ شهر كانون الثاني (يناير) من العام الحالي، بسبب هذه المزاعم، ما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية غير المسبوقة في غزة، في أعقاب حرب الإبادة والتطهير العرقي الممنهج المستمرة منذ أكثر من ستة أشهر. في المقابل، تنفي «الأونروا» مزاعم وجود صلات لها بالمقاومة الفلسطينية. وفي غضون ذلك، دعت جماعات الإغاثة بشكل عاجل إلى إعادة تمويل «الأونروا» لمعالجة الكارثة الهائلة في غزة. ومع ذلك، اقترح المسؤولون الأميركيون استكشاف سبل بديلة للمساعدات الفلسطينية، في خطوة يُراد منها تجاوز «الأونروا» ووقف تمويلها بناءً على طلب إسرائيل.