لا يزال الحَراك الطالبي في الجامعات الأميركية مستمرّاً، بزخمٍ تزيد حدّته يوماً بعد آخر، ويقابله إصرار متنامٍ من جانب الإدارات على وأده، ولا سيما مع امتداده إلى الضفة الأخرى من الأطلسي، ووصوله إلى "السوربون" الفرنسية، والتي يبدو أنها تعلّمت هي الأخرى تكتيكات القمع على الطريقة الأميركية. ولعلّ المستجدّ في الولايات المتحدة، محاولة إدارات الجامعات المرموقة، اتّباع نهج "التفاوض" وإن تحت طائلة التهديد باتّخاذ إجراءات "تأديبية" في حقّ الطلبة المعتصمين تضامناً مع الفلسطينيين، والداعين إلى إنهاء كل أشكال التعاون مع الجهات الإسرائيلية. غير أن ذلك لا يبدو ممكناً في حالة جامعة "كولومبيا" (نيويورك سيتي)، التي انطلقت منها شرارة الاحتجاج الطالبي، بعدما أعلنت رئيستها، نعمت شفيق، فشل المفاوضات مع الطلبة المحتجّين لإنهاء اعتصامهم داخل الحرم الجامعي، حاثّةً هؤلاء على فضّ اعتصامهم، والبحث في حلول سريعة للأزمة. وممّا جاء في رسالة بعثت بها شفيق إلى ممثّلي الطلبة، فإن "استثمارات الجامعة في إسرائيل لن تُسحب"، وإن المخيّم "خلق بيئة غير مرحّبة بالعديد من طلابنا وأعضاء هيئة التدريس اليهود"، مع إشارتها أيضاً إلى أن "الأشهر السبعة الماضية، أَظهرت انقسامات في الجامعة في شأن الحرب في قطاع غزة"، داعيةً إلى أن "نأخذ في الاعتبار حقوق جميع أفراد مجتمعنا". وأكدت تالياً أن "الجامعة ليست لديها أيّ نية لقمع التعبير أو الحقّ في الاحتجاج السلمي"، رابطةً استمرار الاحتجاجات بـ"تقديم طلب مع إشعار مدّته يومان في المواقع المعتمدة". وعلى هذا المنوال، أعلنت رئاسة جامعة "إم آي تي" أن المؤسّسة التعليمية "حريصة على علاقاتها مع جميع شركائها ولا يمكنها قطع علاقتها مع أحد"، داعيةً الطلبة إلى إنهاء اعتصامهم، ومحذّرةً من أن "أيَّ انتهاك سيواجَه بعقوبات تأديبية".
أكّدت "كولومبيا" أن استثمارات الجامعة في إسرائيل لن تُسحب

وفي الموازاة، أوردت صحيفة "واشنطن بوست" أن الشرطة الأميركية ألقت القبض، صباح أمس، على متظاهرين تجمّعوا في حرم جامعة "فرجينيا للتكنولوجيا" في بلاكسبرغ (فرجينيا)، للمطالبة بإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، علماً أن عدد المعتقلين، منذ بدء الحَراك الطالبي قبل أكثر من أسبوعين، بلغ 900 متظاهر. وفي "جورج واشنطن"، تتواصل، لليوم الرابع على التوالي، التظاهرات المؤيّدة للفلسطينيين، حيث يشهد المخيّم الذي أقامه طلبة الجامعة، زيادة في عدد المتظاهرين الذين يتوافدون من الجامعات القريبة، للتعبير عن موقفهم الرافض للحرب. ومن جهتها، أعلنت جامعة "كاليفورنيا التقنية" قراراً بـ"الإغلاق الاضطراري" بعدما ملأ طلاب متظاهرون من أجل فلسطين قاعتَين فيها، وذلك بالتوازي مع قرار آخر بتأجيل مراسم التخرّج.
ومع اتّساع رقعة الاحتجاجات الطالبية إلى دول أخرى مثل أستراليا وفرنسا، أطلق عدد من طلاب جامعة "السوربون" في باريس تحرُّكاً احتجاجياً جديداً تنديداً بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. وقاموا بشكل مباغت بنصب بعض الخيام ورفع علم فلسطين داخل ساحة الجامعة، مردّدين شعارات تنادي بدعم الشعب الفلسطيني وإنهاء الاحتلال ووقف الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة، فيما ردّت إدارة الجامعة بإغلاق أبوابها ومنع حركة الدخول والخروج، مستدعيةً الشرطة لتطويق مقرّ الحرم الجامعي. وأفيد، وفق وسائل الإعلام، بأن "السوربون" قرّرت إلغاء المحاضرات والامتحانات على خلفية التطورات داخل حرمها، فيما نشرت وسائل إعلام فرنسية ونشطاء مقاطع مصوّرة توثّق فضّ الشرطة الفرنسية مخيّماً داعماً لغزة بعد وقت قصير من إقامته من قِبَل عشرات الطلبة في حرم "السوربون".