النواة الحزبيّة المنظّمة شمالاً تتركّز في البترون لا في بشرّي■ لائحة المعترضين على «القوات العائليّة» في بشرّي طويلة
■ «المارونية القواتيّة» لا تُهضم كثيراً في الكورة

منذ سنتين، تركّز القوات اللبنانية اهتمامها على الشمال، وتبذل جهداً خدماتياً كبيراً هناك. وقبل الانتخابات ببضعة أسابيع تبدو القوات شمالاً نشيطة، لكنها تواجه مجموعة صعوبات، كما في زغرتا كذلك في بشري، وكما مع الخصوم كذلك مع أبناء البيت. وفي مواجهة الألغام الكثيرة، تحمل القوات على ظهرها ماضيها الشمالي تارة لعنة وطوراً نعمة

غسّان سعود
في 7/6/1978 كلّف بشير الجميل سمير جعجع قيادة العمليات العسكرية في الشمال عبر قرار خطّي (قبل 6 أيام من وقوع مجزرة إهدن).
بعد نحو30 عاماً، كلّفت الأكثرية النيابيّة، أو سعد الحريري، جعجع قيادة العمليات السياسيّة في الشمال. ورغم أن التكليف الأول صعّب الأمر قليلاً على التكليف الثاني (وخصوصاً مع تمدّد سليمان فرنجية إلى عكار، من خلال كريم الراسي، وإلى البترون عبر التيار الوطني الحر وحلف المردة التاريخي مع آل يونس، وإلى الكورة وبشري عبر احترام فرنجية للحيثيّات العائليّة)، إلا أنّ جعجع، رغم هذه الصعوبة، قد أنجز بعض العمل. فها هو قائد القوات يتبنّى مرشّحين من القوات اللبنانية (ملتزمين أو مؤيدين) في الدوائر الشماليّة الخمس ذات الوجود المسيحي المؤثر: أنطوان زهرا في البترون، فريد حبيب في الكورة، وهبة قاطيشا في عكار، ستريدا جعجع وإيلي كيروز في بشري، و3 حلفاء لصيقي الصلة في زغرتا.

القلعة الأساس

المفاجأة، أن وجود القوات حزباً منظّماً له هيكلية واضحة ومحازبون، يتركز في البترون لا في بشري، حيث يسود الإقطاع العائلي. ووجود القوات في البترون قديم، بحسب النائب القواتي البتروني أنطوان زهرا. فمنذ نشوء القوات، بادرت مجموعات كتائبيّة بترونيّة إلى الالتحاق بثكنة القنطارة. واليوم، يتابع زهرا، التركيبة الحزبيّة في البترون لبّت متطلبات التحرك الانتخابي «أكثر من غيرها». فاختير المندوبون وبدأ تدريبهم، وجهّزت البنية التحتية (مطاعم، سيارات، مراكز توفّر التواصل يوم الانتخاب).
لكن، إلى أي مدى نجحت القوات في بناء حيثية جديّة في البترون؟ الإحصاءات تشير إلى أن حيثية القوات تكاد تكون موازية لحيثية الكتائب، وهي ما زالت أصغر من حيثية التيار الوطني الحر. وبرأي المتابعين، فإن القوات استقطبت الكثير من مؤيدي النائب بطرس حرب، وخصوصاً في جرد البترون.
لكن، من جهة أخرى، تعاني القوات أصلاً مشكلة قواتيّة ـــــ قواتيّة، تتمثّل بابتعاد ما يعرف برابطة سيدة إيليج، وهي تضم نخبة من الأسماء القواتية التاريخية، عن جعجع. المشكلة القواتية ـــــ الكتائبيّة في البترون عمرها من عمر تنافس النائب السابق جورج سعادة (والد المرشح سامر سعادة) وسمير جعجع على رئاسة حزب الكتائب مطلع التسعينيات. والمشكلة الثالثة، التي يرجّح أن لا تجد حلاً، تتمثل برفض مؤسس «لبنان الكيان»، الكتائبي السابق، نبيل حكيّم، التراجع عن الترشح.
من جهة أخرى، يتبيَّن في البترون، أن غالبية المنتسبين إلى القوات «عناصر مقاتلة». وبحسب زهرا نفسه، فإن «القوات، وخصوصاً في الشمال، تتألف «من بعض الكتائب وجزء ممن اندفعوا للانخراط في المقاومة ووجدوا أنفسهم سياسياً في القوات»، وهو الأمر الذي يراه البعض نقطة ضعف، لأن الطابع العسكري يفيد تنظيماً، لكنه يضرّ على مستوى الناس العاديين الذين يأخذون على القوات عدم إطلالها إلا بوجوه ذات ماضٍ عسكري. ويسجل أيضاً، وجود خلافات تنظيمية تعصف في أكثر من بلدة، شكّا مثلاً، حيث لم تنجح القوات بعد في الاتفاق أو انتخاب مسؤول.

الممرّ الجغرافي ــ الأمني

الكورة، بحسب أحد المتابعين، ممر جغرافي للقوات يربط البترون ببشري. ويذهب أحدهم إلى حدِّ القول إن جعجع يفكر بهذه المنطقة من منطلق أمني أكثر منه سياسي. وفي هذه الخانة، يضع بعض مؤيدي المردة، اغتيال يوسف فرنجية (أبو جو) قبل بضعة أشهر. ويلاحظ في الفترة الماضية أن فرنجية بدأ نهجاً جديداً في التعامل مع هذه الدائرة يقوم على مبدأ التعاطي مع الكورة من خلال فاعلياتها العائلية وأحزابها، ما يراه البعض نقطة قوة لفرنجية، وفي الوقت ذاته نقطة ضعف للقوات، التي يرى البعض أنها تصرّ على التعاطي مع مجتمع الكورة المثقف من خلال النائب فريد حبيب ـــــ الذي كان مقاتلاً في القوات، ويحمّله البعض مسؤولية تهجير الكورة. تماماً كما يرى البعض أن «المارونية القواتيّة» عبر الشعارات والصور لا تهضم كثيراً في الدائرة الأرثوذكسية بامتياز. وهذه الأمور تمنع، وفق أحد المتابعين نمو القوات التي تتوسع في الكورة على حساب حزب الكتائب وحيثية النائب فريد مكاري. ومن جهة أخرى، يلاحظ أن غالبية مسؤولي مكاتب القوات في هذه الدائرة هم من بشري، وأحدهم من الضنية.
بدوره، يرفض زهرا «الإساءات» إلى حبيب، مؤكّداً أنه «لا أحد في الكورة الموصوفة بكثرة المثقفين يضاهيه علماً وثقافةً»، وخصوصاً أنه «متخرج من الجامعة الأميركية في بيروت، ويتميز بانفتاح على الطوائف الإسلامية نتيجة سكنه في طرابلس».

الحزبية العائليّة في بشري

في بشري، ما زالت الكلمة للعلاقات العائليّة لا الحزبيّة، رغم النفوذ المتنامي للقوات في تلك الدائرة، علماً بأن القوات لم تبنِ تنظيماً حزبياً متكاملاً في هذه الدائرة، رغم ما يتردد عن سيطرتها المطلقة. وفي هذا السياق، يقول أحدهم إن نقل كارلوس إده نفوسه إلى بشري، كان سيدفع البشراويين إلى الالتفاف حوله. فهم، بحسب هؤلاء، ليسوا مع جعجع بصفته قائداً للقوات اللبنانيّة، بل بصفته سمير فريد جعجع، وبالتالي فإن حضور القوات ليس عقائدياً. ويذكر في هذا السياق أن الجيش السوري الذي استقر في بشري بين عامي 1978 و2003 لم يلقَ مقاومة تذكر، لا بل كان ثمّة تعاون. وكان سليمان فرنجية في دورتي 1992 و1996 ينال تأييد غالبية المقترعين.
وعلى الصعيد التنظيمي، الرجل الأول هو الثنائي النيابي ستريدا جعجع وإيلي كيروز، يعاونه جورج الشدياق الملقب بـ MAX وهو نفسه الذي هاجم منزل العماد ميشال عون في الرابية عام 1989. ومعهم المسؤولة الإعلامية في مكتب رئيس الهيئة التنفيذية في القوات أنطوانيت جعجع ويوسف رحمة. لكن هؤلاء يديرون «الحالة القواتية» لا أكثر، فيما يعتكف عدد كبير من «الرفاق» لأسباب متفرقة. ومن أبرز هؤلاء المقاتل السابق والكاتب بول عنداري، سعيد طوق (لا ينتمي إلى حزب القوات، لكنه كان قريباً جداً من جعجع)، رشيد رحمة (سبق أن أبلغ جعجع: إذا ترشّحت أنت لا أترشح، لكن إذا رشّحت ستريدا وإيلي فسأترشح ضدهما. وهذا ما يحصل، إذ يحضّر رحمة لمعركة)، جوزف فضول (من قدامى المقاتلين، وكان ممن وقفوا بجانب جعجع في بداياته)، رفيق طوق (هو المرافق الأشقر الذي كان يبقى على يمين جعجع قبل الاعتقال)، مخول عواد (كان بمثابة توأم إيلي كيروز في معهد الإعداد الفكري، والآن سيترشح في مواجهته، وهو من بلدة حصرون). كذلك، ثمة مشكلة بين القوات ورئيس بلدية قنات شليطا كرم المقرب منهم، علماً بأن القوات فازت عام 1998 بتسعة مجالس بلدية من أصل 10، لكن عام 2004، فازت بخمسة من أصل11. فخسرت في طورزا، عبدين (فازت القوات بأربعة أعضاء من أصل 9)، برحليون (لم تفز بأي عضو)، بقرقاشا (رئيس البلدية روبير عريضة هو زوج الفنانة جورجيت جبارة)، بزعون (رئيس البلدية مقرب من سليمان فرنجية).
وفي رأي المتابعين، فإن أحد أسباب حصول القوات على تأييد نحو 70% من ناخبي بشري، مقابل حصول جبران طوق على نحو 25%، هو سعي البشراويين إلى إخراج «الحكيم» من السجن. وهكذا، ثمّة من يختصر الصورة البشراوية، وحضور القوات هناك، بالقول إن تخلي جعجع عن كيروز مثلاً، سيدفع غالبية آل كيروز إلى التصويت ضد القوات.
ويبرز بشراوياً أيضاً، أن المدينة التي تضم 13900 ناخب تحتكر التمثيل النيابي وتحوز المقعدين النيابيين على حساب قرى القضاء، حيث يبلغ عدد الناخبين 45300. ومن هذا الباب تحاول المعارضة، وخصوصاً التيار الوطني، مقاربة الملف الانتخابي هناك (يتداول باسم مالك أبي نادر)، وخصوصاً أن جعجع كان قد وعد قبل انتقاله إلى معراب، في اجتماع حاشد في بشري، أن يكون لمدينة بشري مرشح ولباقي قرى القضاء مرشح آخر في انتخابات 2009. وكان ثمة 3 أسماء من القضاء يأملون بالمنصب النيابي، هم: إيلي مخلوف (رئيس بلدية بقاع كفرا)، روبير صقر (من حدشيت)، والمرحوم إيلي فرح (رئيس بلدية حصرون). ويذكر أحدهم تمييز وزير السياحة القواتي السابق جو سركيس المدينة عن باقي قرى القضاء حتى على صعيد الكهرباء. فقد أصدر سركيس قراراً بتصنيف مدينة بشري وحدها بلدة اصطياف، فحصلت على الكهرباء 24 على 24 ساعة، لكن القرى الأخرى مثل حدشيت، بلوزة، حدث الجبة، والديمان حرمت رغم أنها جميعها أعلى من 1200 متر وتعدّ بلدات اصطياف. وكذلك دفع أحد المتمولين المقرّبين جداً من جعجع أكثر من مليون دولار لبلدية بشري بدل اشتراك عن أبناء المدينة في «مصعد التزلج»، فيما استمر أبناء القرى بدفع الرسوم المتوجبة.

وجهاً لوجه مع فرنجية

في زغرتا، يقول زهرا، إن فرنجية نفسه فوجئ بحجم القوات، معلناً تبنّي حزبه للمرشح ميشال معوض كلّياً.
وفي السياق التنظيمي، لم تخط القوات بعد خطوات جديّة في هذا القضاء، بحسب المتابعين. وهي ركزت بداية على اللعبة نفسها التي تلعبها المعارضة في بشري، إذ حاولت تأليب قرى قضاء زغرتا على المدينة. لكنها عدلت بعدما تيقنت أن ذلك سيضر بحلفائها في المدينة. ويقول المتابعون لحركة القوات في زغرتا، إن ثمة التقاء مصالح بينها وبين معوض الذي سيفاجأ، وفق أنصار فرنجية، حين يكتشف أن الزغرتاويين لا يقبلون القفز فوق مشاعرهم من دون اعتذار صريح عن مجزرة التكليف الأول. وثمة وسط الزغرتاويين كثير من الكيدية في تقرّبهم من القوات. ويقول أكثر من مصدر إن ميشال معوض تقرب من جعجع كرد فعل على توتر علاقة فرنجية وجعجع، أما يوسف سركيس الدويهي فتقرّب من القوات ليعاكس قريبه أسطفان الدويهي، القريب من فرنجية. أما النائب جواد بولس فلم يتردد في الوصول بسعيه لاستفزاز المردة إلى حدّ تقبيل نعش قواتي كان يفترض أنه قتل على يد المردة لأسباب حزبية قبل أن يوضح جعجع مقتله لأسباب عائلية.
حتى الآن، يتبيّن أن التكليف الثاني القاضي بمحاصرة نفوذ فرنجية داخل زغرتا وتحجيمه بهدف الوصول إلى الموقع المسيحي الأول شمالاً، لم يلق طريقه بعد. ففي بشري ثمّة أنصار للحالة الجعجعيّة ليسوا ملتزمين في حزب القوات، وفي زغرتا ثمة كيدية يمكن في حال مصالحة فرنجية ومعوض أن تحرج القوات وتخرجها، أما في الكورة، فأمام الحزب مشوار طويل، لتبقى النواة الحزبيّة في البترون تكبر وسط حقل متفجرات قد تكون أخطرها القنابل الكتائبيّة.


ردّ الجميل

مار شربل والقواتلكن لزهرا وجهة نظر أخرى، فهو ينفي «الشائعات» السابق ذكرها، ويرى أن المستعدّين للنقاش لا يأتون بأفكار مسبقة، أما من يُستفز من بعض الأسماء، «فسيستفزّه مار شربل إن انضمّ إلى القوات».