أربعة قياديّين قوميّين يطلبون رخصة باسم «حركة النهضة»■ الجميّل لمعارضين: الحزب بألف خير ولا حاجة إلى إصلاحه
■ صراع الإخوة على الصيفي يتحوّل «مع سامي/ ضدّ سامي»

الكتائب والقومي. الأرزة والزوبعة وتاريخ طويل من الصراع بين الحزبين اللذين كانا، منذ تأسيسهما، على طرفي نقيض. إلا أن الحزبين تجمعهما اليوم مصيبة واحدة: تصاعد حركة معارضة في صفوف كلّ منهما قد تهدّد بنشوء حزبين رديفين من رحم الحزبين العريقين

داني حداد
يتقاذف فريقا الموالاة والمعارضة الاتهامات حول الأزمات التي تعترض كلاً من الفريقين بشأن الاتفاق على تسمية مرشّحين موحّدين والالتزام ببعض التحالفات التي يخشى بعض الأطراف، ضمن الفريقين، انعكاسها السلبي على نتائج الانتخابات.
ويعطي أحد المراقبين مثالاً على ذلك تسمية مرشح من القوات اللبنانية في كسروان، وهو موقع يتنازع عليه أكثر من اسم، فيما ترفض وجوه كسروانية بارزة في فريق 14 آذار انضواء مرشح قواتي في اللائحة التي تنوي تأليفها.
ومن أبرز الأمثلة الساطعة على حالة الإرباك التي تواجه بعض الأحزاب والتيارات، العقبة التي يواجهها النائب العماد ميشال عون في ضمّ مرشح ينتمي إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي إلى اللائحة التي سيؤلّفها في المتن، حيث تبدو هذه العقبة مزدوجة: فمن ناحية يخشى عون انعكاس التحالف الانتخابي مع القومي سلباً على نتائج الانتخابات، حيث سيكون هذا التحالف محطّ «استغلال» من قبل خصومه الذين سيعمدون إلى «نبش» بعض الأحداث التاريخية التي ارتبطت، عن حقّ أو عن غير حقّ، بالحزب القومي وفي طليعتها اغتيال بشير الجميّل. ومن ناحية ثانية، عجز قيادة الحزب، حتى الآن، عن التوصّل إلى اختيار مرشح «رسمي» في المتن.
وعُلم في هذا المجال أنّ عون التقى أخيراً وفداً قومياً ضمّ كلاً من جمال فاخوري، قيصر عبيد، فهد الباشا ووائل حسنية، وقد نُقل عن المجتمعين أن اللقاء لم يفضِ إلى نتائج إيجابيّة بل، على العكس، اتّسم بطابع حاد في ظلّ تمسّك كلّ من الفريقين بموقفه.

مرشّحون كثر لمقعد غير محسوم

من جهة أخرى، تتحدث مصادر قوميّة عن ميل رئيس الحزب أسعد حردان لتسمية إلياس أبو صعب، وهو نائب رئيس الجامعة الأميركية في دبي وزوج الفنانة جوليا، مرشحاً للحزب في المتن، علماً بأن أبو صعب كان قد استقبل في منزله لقاء المصالحة الذي جمع منذ عام ونيّف الرئيس أمين الجميّل والعماد ميشال عون، فيما ينقل مقرّبون من حردان استياءً قومياً متنيّاً من أداء النائب السابق غسان الأشقر الذي مثّل المتن في الندوة البرلمانية لثلاث دورات انتخابية من دون أن يحقّق إنجازات تُذكر على الصعيدين التشريعي والخدماتي.
وتتحدث المصادر نفسها عن صراعٍ خفيّ بين الأشقر ومنفّذ قضاء المتن في الحزب نجيب خنيصر، الراغب أيضاً في الترشح للانتخابات النيابية، والذي قاطع لقاءً عقده الأشقر مع أعضاء في ماكينة الحزب الانتخابية في بلدة بيت شباب وأطلق خلاله مواقف منتقدة لعون لرفضه ترشيح قومي على لائحته. وتخلل اللقاء انتقاد بعض الحضور للأداء القومي على صعيد المتن، مطالباً بترشيح وجهٍ جديد قادر على استنهاض القاعدة القوميّة من دون أن يثير حساسيّة لدى غير القوميين.
إلا أن الانتقاد الذي وجّهه الأشقر لعون في إحدى أكبر البلدات المتنيّة سبقه انتقاد أطلقه على بعد مئات الكيلومترات من الساحة الانتخابية المتنية، وتحديداً في دمشق، عند استقبال الرئيس بشار الأسد وفداً من قيادة القومي، حيث ردّ الأسد على كلام الأشقر مدافعاً عن عون «الذي يتّبع نهجاً وطنياً وأثبت أنّه يملك رؤية استراتيجية صائبة وهو يملك حريّة اختيار مرشحيه وتحالفاته».
وكان مسؤولون قوميّون قد سمعوا كلاماً مشابهاً من العميد رستم غزالة الذي أكّد تفضيله ترشيح «رفيق لا صديق» للقومي في المتن.

تغيير وإصلاح

وتتحدّث المعلومات عن قيام غزالة بمحاولات لإجراء مصالحات داخل الحزب، وهو التقى لهذه الغاية أكثر من قيادي في القومي، من أبرزهم الوزير علي قانصوه ورئيس الحزب أسعد حردان. كذلك أصغى إلى الفريق المعارض في الحزب الذي بدأ باتخاذ إطارٍ قانوني جديد تحت اسم «حركة النهضة» التي تنطلق وفق أربعة أسس هي:
أولاً، رؤية استراتيجية للحزب تؤسس لنظرة جديدة لحزب أنطون سعاده في أذهان الناس.
ثانياً، لمّ الشمل وتوحيد الجهود لما فيه مصلحة الحزب.
ثالثاً، عصرنة آليات العمل داخل الحزب.
ورابعاً، بناء مؤسسات اجتماعية، اقتصادية وتربوية تعمل في نطاق الحزب.
وتشير مصادر الحركة الناشئة التي يبرز منها الدكتور ميلاد السبعلي، وهو أيضاً من الأسماء المطروحة للانضمام إلى لائحة عون في المتن، إلى الإعداد لإطلاق حوار في صفوف مؤيّديها يستمر حتى شهر تموز من عام 2009 ويتضمّن لقاءات في المناطق من دون السعي إلى استقطاب مناصرين للحزب بقيادته الحالية، على أن يشهد الصيف المقبل مؤتمراً عاماً يتّخذ قراراً من اثنين: إما العودة إلى الحزب وفق الأسس التي سبق ذكرها، أو مواصلة العمل في إطار «حركة النهضة» وتعزيز حضورها في مختلف المناطق.
وتتحدث مصادر الحركة عن محاولات لتعطيل انطلاقتها عبر السعي إلى شقّ صفوفها واستقطاب بعض وجوهها البارزة إلى القيادة القومية الحالية، لافتةً إلى أن الحزب «يحتاج إلى التغيير والإصلاح» من دون أن يعني ذلك الرغبة في تنفيذ انقلاب على القيادة الحالية، بل المشاركة معها في صياغة مستقبل أفضل للحزب المنتشر في مختلف الطوائف والمناطق اللبنانية.
وتشير المعلومات إلى أن كلاً من جوزف غصوب، حسين سليم، رامز دهام وبهجت الحراتي تقدّموا بطلب إلى وزارة الداخلية للحصول على رخصة باسم «حركة النهضة». وينتمي الأربعة إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، وهم يعقدون مع مجموعة من المنتمين إلى الحزب اجتماعات دورية تجري خلالها مناقشة وضع الحزب والمساعي لإتمام مصالحة في صفوفه. ويؤكّد أفراد هذه المجموعة أن لا خلافات عقائديّة مع قيادة الحزب، بل ملاحظات على أدائها، وخصوصاً في مرحلة ما بعد الطائف، معتبرين أن الحزب «مدعوّ لمواكبة التطوّر والابتعاد عن اللغة الخشبيّة المعتمدة في خطابه السياسي ومحاكاة أبناء الجيل الجديد».

الكتائب: خلافات «أهل البيت»

لم تغب الخلافات يوماً عن حزب الكتائب، إلا أنّها لم تبلغ حدّ الحركات الانفصاليّة، وظلّت تحت سقف مؤسّسه بيار الجميّل الذي كان ضابط إيقاع الحزب والممسك بزمامه، فيما لم تتعدّ المعارضات الحزبيّة حدود فصل أحد الأعضاء أو استقالته. إلا أن اللافت هو أن الحزب الوحيد الذي نشأ من رحم الكتائب، أي القوات اللبنانية، تأسّس على يد نجل المؤسّس كذراع عسكرية للكتائب قبل أن يتّخذ إطاراً حزبيّاً مستقلاً ويدخل في صراع مع الحزب الأم.
أدّى خروج الرئيس أمين الجميّل من لبنان بعد نهاية عهده إلى تراجع نفوذه داخل حزب «الله والوطن والعائلة». أرسل حينها قائد القوات سمير جعجع موفدين أبلغوا الجميّل كلاماً واضحاً يُختصر بكلمتين «المغادرة فوراً».
قبض جعجع على الحزب عبر رئيسه جورج سعادة، لكن الأخير لم يتأخر في الانقلاب على جعجع. رفع شعار «من المؤسس إلى المؤسسة» ونجح في إسقاط قائد القوات انتخابيّاً داخل جدران الصيفي التي تصدّعت بفعل الانفجار الذي تعرّض له البيت المركزي الكتائبي بقدر ما تصدّع الحزب بفعل خلافاته الداخليّة التي فتحت المجال أمام تدخلات سياسيين وأمنيين، لبنانيين وسوريين.
تناوب على رئاسة الحزب، بين مغادرة أمين الجميّل له وعودته إليه، ثلاثة رؤساء هم: جورج سعادة، منير الحاج وكريم بقرادوني، فأنشأ الجميّل الحركة الإصلاحيّة الكتائبيّة التي ضمّت إلى علم الحزب صورة مؤسّسه، في إشارة واضحة إلى أن الكتائب يجب أن تبقى مستظلّة بخيمة آل الجميّل.
أدّى حدث اغتيال الرئيس رفيق الحريري إلى تحوّلات داخليّة جذريّة طالت الكتائب أيضاً وسرّعت مصالحة الضرورة بين الحزب والمعارضة، فولّدت تركيبة كتائبيّة «عجيبة» تقضي باستحداث منصب الرئيس الأعلى لكي يشغله أمين الجميّل وبتسليم نجله بيار منصب رئيس الأقاليم مع صلاحيّات تكاد تختصر المكتب السياسي بشخصه. صعد نفوذ بيار الجميّل سريعاً، مستفيداً من مواصفات يتمتّع بها ومن موقعه العائلي ومن علاقة حرص عليها جمعته برئيس الحزب كريم بقرادوني.
لكن اغتيال النائب والوزير الشاب أدى إلى خلط الأوراق ومواقع النفوذ في العائلة والحزب، حيث يصعب التفريق بين الاثنين. خرج كريم بقرادوني من الحزب الذي انتسب إليه طالباً بعد سقوط مشروعه المرتكز على إعداد نجله جهاد لمعاونة النائب الشهيد في قيادة جديدة للحزب. مات بيار فعاش طلب كان قد قدّمه شقيقه سامي للانتساب إلى الكتائب، وتمّ تجاوز القانون الداخلي للحزب كي يُضمّ «الشيخ الصغير» إلى «حزب العائلة» بعد حلّ حركة «لبناننا» التي أسّسها مع مجموعة من أصدقائه الذين انضمّ معظمهم إلى الكتائب، في تجاوز فاضح للقانون أيضاً، وخصوصاً أن أحد أركان «لبناننا» ألبير توستانيان تولّى سريعاً منصب عضو في المكتب السياسي وأوكلت إليه مهمّة الإشراف على الانتخابات النيابيّة المقبلة.
تغلغل سامي سريعاً في الحزب، فاستبعد معظم المقرّبين من شقيقه، وعلى رأسهم صهره ميشال مكتّف، واحتلّ مكتب الأخير في الصيفي وتولّى مهمّة زيارة الأقاليم الكتائبيّة في لبنان وخارجه، وهي من مهمات مكتّف.
وهكذا تحوّل نائب الأمين العام للحزب، الذي كان يرشّحه بيار لمنصب الأمين العام، إلى مدير مكتب، وأصبح أحد رؤساء المصالح مرافقاً أمنيّاً!

معارضتان وصعود نجم الإبن الأصغر

أدى صعود نجم سامي الجميّل إلى ولادة معادلة كتائبيّة جديدة هي «مع سامي» و«ضدّ سامي»، ولو أن معارضة نجل الرئيس لم تأخذ شكلاً علنيّاً بعد، إذ تقتصر، حتى الآن، المعارضة العلنيّة لقيادة الكتائب على المجموعة التي لم تُضم إلى المصالحة الكتائبيّة والتي تتمثّل بعدد من القياديين السابقين في الحزب، من بينهم رئيسه السابق منير الحاج والوزيران السابقان إدمون رزق وجوزف الهاشم، بالإضافة إلى عددٍ من القيادات الكتائبيّة السابقة مثل شاكر سلامة، جورج قسيس، ميشال جبّور، عادل أبو حبيب، جورج مغامس، خليل نادر...
وقد ألّفت هذه المجموعة وفداً التقى الرئيس الجميّل منذ أسابيع في محاولة منها لإتمام المصالحة الكتائبيّة على قاعدة الإصلاح من الداخل. إلا أن الجميّل كان واضحاً أمام زائريه بأن الحزب بألف خير ولا حاجة إلى إصلاحه.
ويلفت أحد أعضاء المعارضة الكتائبيّة إلى أن أيّ كلام عن إصلاح كتائبي في هذه المرحلة يلقى تفسيراً من الجميّل وعقيلته جويس بأنّه استهداف لنجلهما، ولذلك تُرفض مبادرات المعارضة في هذا المجال، ما يعزّز توجّه المعارضة إلى تأسيس حزب جديد يخرجها من ظلّ الكتائب.
ويتحدّث المصدر نفسه عن مطالبة المعارضة الكتائبيّة «بالعودة إلى ثوابت الحزب الذي بات يفتقر إلى منظومة فكريّة وقد تراجَع مستوى خطابه السياسي». وتدعو المعارضة «إلى مؤتمر تأسيسي جديد تنتج منه قيادة جماعيّة تعيد الحزب إلى أدبيّاته بعدما شهد خطاب المسؤولين فيه تناقضات كبيرة بين الدعوة إلى الوحدة الوطنيّة والمطالبة بالفدراليّة التي يقودها سامي الجميّل الذي لم يعلن يوماً تراجعه عن مبادئ حركته السابقة».
ويرى كتائبي عريق من بين المجموعة المعارضة أن «قيادة الصيفي تورّطت كثيراً في علاقتها مع النائب سعد الحريري، علماً بأن الحزب ليس معتاداً التضحية بنفسه من أجل جبهة أخرى». ويشير إلى أن الحزب مطالب بأن يتّخذ منحى وسطيّاً أكثر، لافتاً إلى أن بعض أصدقاء الضباط السوريين من الكتائبيين مكثوا في البيت المركزي بسبب منافع شخصيّة، ويسرّب بعضهم أخباراً عمّا يحصل داخل جدران بيتهم الحزبي، وخصوصاً عن رأي سامي الجميّل ببعض قياديي 14 آذار وكرهه لهم.
إلا أن ما يؤخذ على المعارضة الكتائبيّة عدم توحّدها في إطار موقف سياسي واحد. ففيما يعارض معظم المنضوين في صفوفها فريق 14 آذار، يبدو النائب والوزير السابق إدمون رزق أقرب إلى طروحات هذا الفريق وتربطه علاقة جيّدة بجعجع. كما أن هذه المعارضة لم تسعَ إلى توسيع إطارها عبر ضمّ المعارضين الكتائبيين الآخرين لقيادة الحزب، مثل النائب نادر سكر والمحامي شاكر سلامة، ولم تنسّق أبداً خطواتها مع الرئيس السابق كريم بقرادوني بعد استقالته من الحزب.
من هنا تبدو تجربة المعارضة الكتائبيّة قاصرة عن تحقيق ما تصبو إليه، فطريق العودة إلى الصيفي دونها عقبات «جميّليّة» وشروط من المعارضين الذين يرون أنّهم وهبوا الكتائب سنوات كثيرة من عمرهم وهم أكثر استحقاقاً للجلوس إلى طاولة القيادة الكتائبيّة تحت صورة المؤسّس بيار الجميّل.

الإخوة الأعداء

ما يلفت في تاريخ حزب الكتائب، الذي لم يدوّن في الكتب الكثيرة التي نشرها مؤرخون كتائبيّون، هو أن أقسى الخلافات التي شهدها الحزب في تاريخه اتخذت موقعاً لها داخل عائلة الجميّل نفسها، وخصوصاً بين الرئيس أمين الجميّل وشقيقه الرئيس الراحل بشير الجميّل، حيث ساد العلاقة بينهما توتّر شديد بسبب الاختلاف في شخصيّتهما ونهجهما وتنافسهما على بلوغ الموقع القيادي الأول مسيحيّاً.
وينقل بول عنداري في كتابه «هذه شهادتي» حواراً بين بشير الجميّل وفادي افرام، الذي خلفه في قيادة القوات، عقب إعلان انتخاب الأول رئيساً للجمهورية، حيث سأل افرام عن المرشح الذي تدعمه القوات إذا تعرّض الأول لمكروه، مستوضحاً «ماذا لو طرح اسم أمين؟» فأجابه بشير: «بتقتلوه قبل ما يوصل إلى القصر لأنّه سيخرب البلد».
كذلك ينقل الزميل نقولا ناصيف في كتابه «المكتب الثاني حاكم في الظلّ» حواراً بين بشير الجميّل وزاهي البستاني قال فيه بشير «إن شقيقه الأكبر يريد من والده أن يستقيل من رئاسة حزب الكتائب ليحلّ محلّه فيها»، وأضاف: «أنا ذاهب إلى الشيخ بيار لأقول له إنّه إذا قبل الاستقالة فسأحتلّ الصيفي».
أما الكاتب الفرنسي ألان مينارغ فخصّص في كتابه «أسرار حرب لبنان» صفحات للحديث عن الخصومة بين الشقيقين أمين وبشير ذكر فيها أن بيار الجميّل كان وسيطاً مرغماً بين خلافات ابنيه، وكتب: «كان التعارض بين الشقيقين واسعاً إلى درجة أن أدنى نقاشٍ بينهما قد يتحوّل بمفاعيله إلى قضيّة تخضّ الحزب، ولا شيء يرشح رسميّاً. فكان إنقاذ مظاهر لحمة العشيرة ضروريّاً. لم يكن بشير يبوح بهذه المشاكل إلا لحفنة من المقرّبين، ويرفض كلياً أيّ مسعى توفيقي بالردّ على صاحب المسعى قائلاً: أنت لا تعرف أخي، أنا أعرفه».


ظاهرة كرامةأما اليوم، فلا يصف كرامة نفسه بالمعارض، إلا أنّه يؤكّد أنّه يتحفّظ على بعض القرارات التي تتّخذها قيادة الحزب.
ويعلن كرامة أنّه حسم أمر ترشّحه إلى الانتخابات النيابيّة عن المقعد الكاثوليكي في بيروت الأولى. وحين نسأله عمّا إذا كان هذا الترشيح يلقى مباركة الكتائب، يجيب: «اسألوا الحزب». كما يشير إلى أنّه منفتح على مختلف التحالفات، لافتاً إلى أنّ علاقته مقطوعة بالفريق المعارض لقيادة الحزب الحاليّة.


حلم الرئاسة
عقدة المتن
آخر قذيفة

تاريخ حافل من المعارضاتفي عام 1957 أخذ المجلس الأعلى قراراً بطرد رئيس الحزب جورج عبد المسيح، أحد أبرز قيادات الحزب عبر تاريخه، «إثر تمرّده على السلطات»، وانتخب مصطفى أرشيد رئيساً جديداً. وكانت الخلافات قد نشأت بين عبد المسيح وبعض قياديي الحزب بعد اغتيال عدنان المالكي في الملعب البلدي في دمشق، حيث اتّهم عبد المسيح شخصيّاً باغتياله على يد العريف في الجيش السوري يونس عبد الرحيم. إلا أن عبد المسيح أقام تكتّلاً داخل الحزب وأصرّ على أنّه رئيس الحزب الشرعي، وما زالت مجموعة من القوميين المؤيّدة لخطوته منضوية في إطار ما تعتبره الحزب الشرعي الذي يرأسه حالياً الدكتور أنطوان أبو حيدر. ويملك الحزب، بقيادة أبو حيدر، حضوراً في عددٍ من المناطق، أبرزها في مسقط رأس الأخير في بسكنتا.
وبتاريخ 29 آذار 1975، عقد العضو البارز في القومي وسيم زين الدين مؤتمراً صحافياً في بيت الطلبة في الحزب، أدلى خلاله باسم اللجنة القياديّة ببيان أعلن فيه أن الحركة التي يتكلّم باسمها «هي الممثّل الشرعي الوحيد للوجدان القومي»، ورفض التشكيلات الحزبيّة «التي لا تنضوي تحت جناح الحركة الجديدة التي ستحلّ نفسها بعد أن تعود المؤسسات الدستوريّة إلى اتخاذ مواقعها الصحيحة وتنتخب رئيساً للحزب يؤلّف بدوره مجلس العمد». وقد اغتيل زين الدين بعد أقلّ من شهرين، وكان لا يتجاوز السابعة والعشرين من العمر، في عهد رئيس الحزب إنعام رعد.
وشهد الحزب صراعاً شديداً بين رئيسيه السابقين عبد الله سعادة وإنعام رعد في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، كما نشأ ما عرف بفرع الطوارئ بعد اغتيال القيادي القومي محمد سليم في ضهور الشوير، مسقط رأس زعيمه أنطون سعاده، فانقسم الحزب بين «القومي ـــــ المجلس الأعلى» و«القومي ـــــ الطوارئ»، واستمرّ هذا الانقسام سنوات قبل أن يتوحّد الحزب برعاية سوريّة.
إلا أن اللافت هو أن المعارضة داخل الحزب لم تتّصل يوماً بعقيدته أو بتوجّهه السياسي، بل كانت على صلة بخلافات داخليّة وبصراع على السلطة. كما شهد الحزب الكثير من الخلافات بين قيادييه لم تبلغ حدّ الحركات الانفصاليّة، وهناك روايات عن قيادي بارز في الحزب أطلق النار مرةً على زميل له «بسبب خلاف في وجهات النظر». وقد أصبح الاثنان اليوم ضمن توّجه حزبي واحد.