المرة الوحيدة التي تحدثت فيها مع جورج عبدالله، كانت في منتصف نيسان الماضي. اتصال هاتفي خاطف بعد ان علم بوجودي في منزل عائلته في القبيّات في زيارة خاصة. لم يترك لي صوته الجهور والمتقد حماسة فرصة للحوار. قدم التعازي باستشهاد سمير القنطار. ابلغ سلامه لجميع من يسأل عنه. اعتذر عن عدم الاطالة في الحديث لأسباب تتعلق بادارة السجن. كان اتصالاً من طرف واحد تقريباً.اليوم تحتفل سفارة فرنسا في بيروت بالعيد الوطني الفرنسي. وكعادتها منذ سنوات، تنظم الحملة الدولية لاطلاق سراح جورج عبدالله «احتفالاً» موازياً. على الرصيف المقابل لبوابة «قصر الصنوبر»، سيقف عشرات النساء والرجال الأحرار، ويهتفون من أجل حرية جورج حتى تُبح حناجرهم، ثم سيغادرون.
يعرف المتضامنون ، ويعرف جورج، ان فعل التضامن هذا لن يطعم حرية. لكنه على الاقل يشكل ادانة مستمرة، وان خجولة، لوقاحة فرنسا غير المسبوقة في الابقاء على هذا المناضل اللبناني قرابة ٣٢ عاماً في سجونها.
جورج يشجع هذا النوع من الانشطة، لا بل يحرّض عليها. لكنه، في المقابل، يتخذ موقفاً راديكالياً صلباً ضد اي خطوة ذات طابع قضائي تتعلق بقضيته. وهو أبلغ ذلك الى كل من يعنيهم الامر، خصوصاً الى محاميه جان لوي شالونسيه. لكن جورج يعرف أيضاً أن قضيته لم تحضر في وسائل الاعلام إلا أثناء الاستحقاقات القضائية المتعلقة باجراءات الافراج المشروط التي تقدم بها تسع مرات، وكانت تعطلها الادارة الفرنسية دائماً، تارةً بحجة عدم صلاحية المحكمة، وتارةً أخرى بحجة انه رسب في فحص «معاداة السامية»! وعندما ضاقت السلطات الفرنسيّة ذرعاً بقاض جريء قرّر الافراج عن جورج عبدالله، رفعت قضيته الى الاستئناف فالتمييز. وهناك سحب من التداول موضوع الافراج المشروط عن عبدالله بفتوى مهينة، كما يجمع كل الذين اطلعوا على الحكم القضائي لمحكمة التمييز. فقد اعتبرت الأخيرة ان الافراج المشروط لا ينطبق في حالة جورج عبدالله، لتعذر مراقبته عبر وضع سوار الكتروني في رجله لفترة عام ونصف!
هل يدعونا ذلك الى اليأس؟ قطعاً لا. لذلك فإن هذه الأسطر هي مناشدة إلى جورج، بقدر ما هي صرخة للتذكير بقضيته العادلة. يجب علينا جميعاً، نحن الذين نؤمن بأن هذا الرجل الذي احتفل بعيده الـ ٦٥ في زنزانته في سجن «لانميزان»، في الثاني من نيسان الماضي، أن نتوجه اليه بمناشدة عاجلة بأن يتراجع عن موقفه الرافض لأي شكل من أشكال التظلّم القانوني للإفراج عنه.
إستخدم المحامي الراحل جاك فرجيس قوس المحكمة الفرنسي منصة لادانة سجان جورج عبدالله، ولادانة «العاهرة الفرنسية والقواد الاميركي»، وللتضامن مع القضية الفلسطينية. وتابع على النهج نفسه محاميه شالونسيه الذي تحمس في بداية توكيله من قبل جورج، وجمع تواقيع عشرات النواب في مجلسي النواب والشيوخ في فرنسا على عريضة تطالب بالإفراج عنه.
نتمنّى بشدّة على جورج أن يتقدم بطلب جديد للافراج المشروط. نريد أن تُرفع قضيته الى محكمة حقوق الانسان الأوروبية، نريد أن تُرفع شكوى بإسمه أمام لجنة حقوق الانسان في الامم المتحدة، وأمام لجنة المساءلة القانونية المنبثقة عن بروتوكول اختياري وقعت عليه فرنسا ويرتبط بالعهد الدولي الخاص للحقوق السياسية والمدنية. نريد كل ذلك، ليس فقط لقناعتنا بأن هذا النوع من الآليات القانونية كفيل بالإفراج عن جورج عبدالله، بل لأنّنا نعتبرها ادوات ووسائل لابقاء القضية حاضرة. لكن جورج يرفض كل هذه الخطوات رفضاً قاطعاً.
حضر وزير خارجية فرنسا قبل يومين الى بيروت، فلم يجرؤ أحد، أي أحد، حتى ممن يصنفون أنفسهم في خندق المقاومة الذي حفره جورج عبدالله، ان يذكّر بقضيّته. هذا عار. لكن العار ايضاً ان نبقى مكتوفي الأيدي، وأن نستسلم وأن نيأس. والعار أيضاً ألا نجد وسيلة لاقناع جورج بأن الادوات الامبريالية التي تُطلق عليها تسميات مثل «محكمة حقوق الانسان»، لا تمكن إدانتها من خلال مقاطعتها، بل من خلال طرق بابها بإصرار، كي نفتح كوة في هذا الجدار. قالها امل دنقل يوماً: «آه... ما أقسى الجدار عندما ينهض فى وجه الشروق ربما ننفق كل العمر… كي ننقب ثغرة».
جورج لك كل الحب ... والتمني بقبول هذه المناشدة!