ناهض حتّر شهيداً لسوريا: النظام الأردني شريك في القتل | كنت أتفادى ناهض حتر في الجريدة، وأخشى أن ألتقيه صدفةً في الكوريدور أو في الكافيتريا، أو حتى في أحد مكاتب الزملاء، خلال زياراته المتقطعة إلى "الأخبار". لم أكن أحبّ مقالاته. بالنسبة إلي ما من شياطين في الحرب السورّية ولا ملائكة، باستثناء الذين ينامون تحت الركام المقصوف بالطائرات، والذين يستلقون بين أعناقهم المقطوعة بسيوف الغيب، الأطفال إذا ماتوا فقط يصيرون ملائكة. في الحرب الجميع قد يكون متورطاً، والجميع قد يكون بريئاً. برغم ذلك لم أحبّ مقالات ناهض حتر. ولا شيء سيرغمني على حبّ تلك المقالات، لكنه للأمانة كان مجرد رجل أعزل. وعندما قتل صباح أمس، كان أعزل أيضاً. صحيح أن الأفكار فتاكة والكتابة ليست فعلاً في الهواء، لكن ذلك لن يلغي أنه كان رجلاً أعزل.مثل كثيرين، لم أشعر منذ وقت طويل بضرورة شرح الانتماء الديني الذي يدل اسمي إليه، ولم أشعر بأنني معنيّ بشرح هذا التفصيل لكثيرين في لبنان، لا يستطيعون النظر إلى الناس إلا في براويز طوائفهم. أشخاص يسألون عن هذه الأشياء بوقاحة ويتلقون الإجابات المناسبة القاسية دائماً. لطالما كان الأمر شخصياً، مجرد صورة أخرى من ألبوم الطفولة وقصصها، ولكنني بعد كل حادثة يغتال فيها اسلاميون متشددون كاتباً أو رساماً أو يذبحون قريةً أو يفجرّون عرساً، أنتبه إلى أنني لا أنوي الذهاب إلى كندا، وأن البقاء هنا تترتّب عليه بعض الإعترافات، بمعزل عن التمييز العلمي بين أنواع الإسلام، وأنواع المسلمين. اعتراف ضروري: أنا خائف لأنني أكتب. وأكتب لأنني خائف. وأكتب ضدّ هذا الخوف. مقتل كاتب أمام قصر العدل، بسبب الدين والشريعة والغيب، سيستدعي الرفض دائمًا بموازاة أي قمع من نوع آخر.
مثل كثيرين، لم تستحل قلوبهم صخوراً بعد، فإن قتل رجل أعزل يجعلني حزيناً. لست حزيناً لأن ناهض حتر قتل بسبب خلافه مع الإسلاميين، ولأنني علماني، فهذا يعني أنه يجب أن أكون ضدّ الإسلاميين، وأن أستشرق وأن أختزل الإسلام بالعنف والعنف بالإسلام. وهذا لا يتعارض مع الخوف السابق واللاحق. ولست حزيناً لأقول إن ناهض حتر كان في موقعٍ سياسي مختلف وها أنا أقدّم نموذجاً إيجابياً عن فئة أنسب إليها برُغم اعتراضي على ذلك قطعاً ودائماً. لسنا في استعراض دائم للأخلاق، كما يحاول كثيرون أن يصوروا الأمور، وهم يصوّرون الجثث المتفحمة بغرض الاستعراض أكثر من غرض الاعتراض. أتحدث هنا عن الأخلاق الليبرالية بابتذالاتها العربية حصراً. ولست حزيناً لأن هذا حدث في عمّان، ولأنه حدث في وضح النهار، وأمام "قصر العدل"، ولا لأن ناهض حتر كان كاتباً أو صحافياً، كأن يكون قتلُ الذين ليسوا كتّاباً وليسوا صحافيين مباحاً، كأنّ الآخرين ليسوا ناشطين في حيواتهم أيضاً. الحزن يجب ألّأ يكون متكلفاً وأنانياً، بل يجب أن يكون واضحاً أن قتل رجل أعزل بسبب أفكاره حدث محزن. ما هو محزن أيضاً، أنه، وبالنسبة إلى كثيرين، القتل عادي، إن كان القتيل ليس على مزاجهم، ولكن القتل يتراكم. والعنف يدور ويدور. والبلاد تحترق.