صحيحٌ أن الصراع في شأن مصير «كهرباء زحلة» كان مستعِراً في الجلسة النيابية الأخيرة، إلا أن ذلك لم يلغ حقيقة أن كل ما حصل كان مضبوطاً بسقف: لا يمكن الاستغناء عن المدير العام لكهرباء زحلة أسعد نكد.هما احتمالان طُرحا في الجلسة، إما أن يُمدد الامتياز لنكد أو أن يحوّل إلى عقد تشغيل معه هو أيضاً. العقدان مربحان بالنسبة له، لكن الفارق الواضح أن الامتياز يدر أرباحاً طائلة، فيما أرباح عقد التشغيل مضبوطة بسقف التفاوض. وهذا يعني أن نكد لم يخسر بنتيجة الجلسة إنما انخفض مستوى ربحه. وهو لذلك بدا إيجابياً في تصريحه عقب لقائه وزير الطاقة، وحريصاً على التعاون. لكن ماذا لو فشلت المفاوضات؟ تؤكد مصادر وزارية أن ذلك لن يحصل إذ لا مصلحة لنكد بذلك، لأن الخيار الآخر سيكون خروجه من القطاع. أضف إلى أن نكد يعرف أنه استفاد من عدم وجود حكومة، لأن وجودها كان سيعني فتح مروحة واسعة من الخيارات، كانت الوزارة قد تحضّرت لها، وأولها استرداد الامتياز بالكامل وإخراج نكد نهائياً من العقد، مقابل زيادة الاستجرار من سوريا بنحو 30 ميغاواط بسعر 15 سنتاً للكيلوواط تخصص لتعويض أهالي زحلة عن الكهرباء التي كانوا يحصلون عليها من الامتياز ومن المولدات الخاصة بكهرباء زحلة. كانت الخطة تقضي بأن يُباع الكيلوواط بـ20 سنتاً، وهو سعر رابح بالنسبة لكهرباء لبنان (للمرة الأولى)، وكذلك بالنسبة للمشتركين، الذين يدفعون حالياً معدلاً يزيد على 20 سنتاً للكيلوواط.
صحيح أن زحلة كانت حينها ستُميَّز عن بقية المناطق، إلا أن ذلك لم يكن ليسجل كسابقة، إذ سبق لمجلس الوزراء أن أقر تأمين الكهرباء 24/24 بأسعار مخفضة للقرى المحيطة بمطمر الناعمة، كما سبق له أن أقر إمكانية رفع التعرفة في حال وصلت التغذية إلى ما بين 22 و24 ساعة في اليوم.
كل ذلك لم يكن متاحاً بسبب الفراغ الحكومي، كما لم تكن متاحة إمكانية طرح مناقصة خاصة بالإنتاج، بسبب انتهاء صلاحية القانون 288، فذهبت التسوية إلى عقد التشغيل، الذي وعد وزير الطاقة بأن يؤدي إلى تخفيض الفاتورة من دون المس بمعدل التغذية. فهل يتحقق ذلك فعلاً؟

معايير للتسعير
حتى الآن لا يمكن الحكم على مسألة انخفاض الفاتورة. فالعُقد بحاجة للتفاوض بين وزارة الطاقة وكهرباء زحلة، والتفاوض لم يبدأ بعد. لكن بحسب القانون الذي أقر، فإن الفاتورة التي سيدفعها المشتركون بعد إنجاز العقد، ستكون مبنية على سعرين هما:
1- سعر مبيع الطاقة من «كهرباء لبنان» إلى شركة «كهرباء زحلة»: وقد نص القانون على أن يتم تحديد السعر بما يضمن، في شكل عادل، حقوق الطرفين في العقد. كيف يقاس السعر العادل في هذه الحالة؟ في العام 2012، جرت محاولة لزيادة سعر الكيلوواط المباع إلى الامتيازات، حيث اقترحت «كهرباء لبنان»، حينها، على وزير الطاقة مبلغ 103 ليرات للكيلواط، إلا أن السعر رسى في مجلس الوزراء على 95 ليرة. لكن على رغم ذلك، لم تطبق التعرفة الجديدة، لأن أصحاب الامتيازات تمكّنوا من إبطال القرار ووقف تنفيذه.
هل ستكون هذه التعرفة هي التعرفة المعيارية التي سينطلق منها التفاوض؟ بينما توضح «كهرباء لبنان» أنه من المبكر البحث في الأسعار، خصوصاً أن التفاوض لم يبدأ بعد مع «كهرباء زحلة»، تكتفي مصادر وزارة الطاقة بالقول إن ما يصح على امتياز لا يصح على عقد خاضع للتفاوض، إذ عندها وحدها «شريعة المتعاقدين» تحدد السعر، وهي لذلك تجزم أن السعر سيكون أعلى من أسعار الامتيازات، ما يحقق ربحاً لكهرباء لبنان.
وزارة الطاقة: التخفيض حتمي... والسعر النهائي ينتظر المفاوضات


٢- سعر بيع الطاقة المنتجة من مولدات شركة «كهرباء زحلة»: نص القانون على إلزام «كهرباء زحلة» ببيع كهرباء مولداتها الخاصة بالسعر الذي تحدده وزارة الطاقة والمياه وأن يتم تسجيل هذه الطاقة بعدادات منفصلة وإصدار فواتير خاصة بها تكون مستقلة عن فواتير الطاقة المستجرة من كهرباء لبنان. هذا يعني أن عصر «فاتورة مش فاتورتين» انتهى بدوره، لكن ستعتمد فاتورة مولدات «كهرباء زحلة» السعر التوجيهي الذي يصدر عن وزارة الطاقة والمياه لتحديد بدلات مولدات الأحياء. تسارع وزارة الطاقة إلى التأكيد أن ثمة فارقاً شاسعاً بين الأمرين، إذ لا تجوز المقارنة بين مولدات بقدرة نصف ميغاواط وأخرى بقدرة 30 ميغاواط، فالتقنيات المستعملة مختلفة ومعدل استهلاك الفيول مختلف، من دون نسيان أن مولدات «كهرباء زحلة» تستعمل الشبكة الخاصة بكهرباء لبنان. وعليه، تتوقع المصادر أن يصار إلى اعتماد أسعار تقل بشكل ملحوظ عن التعرفة الخاصة بمولدات الأحياء.

فرمان سلطاني
لكن إلى ذلك الحين، وبعيداً من نتيجة التفاوض، فإن الأكيد أن إقرار قانون «تكليف مؤسسة «كهرباء لبنان» بالتعاقد مع شركة «كهرباء زحلة» لتقديم خدمات تسيير المرفق العام بإنتاج وتوزيع الكهرباء لفترة محدودة ضمن حدود نطاق امتيازها الجاري استرداده»، أنهى عملياً مرحلة امتدت منذ العام 1910. في ذلك العام، صدر فرمان سلطاني عثماني منح امتيازاً لإنتاج الطاقة الكهربائية وتوزيعها في مدينة زحلة والجوار، قبل أن يُلغى الامتياز ويستبدل بامتياز آخر وقّعه المفوض السامي الجنرال ويغان ممثلاً لسلطات الانتداب الفرنسي، في 17 أيلول 1923، لمصلحة الأرشمندريت يعقوب رياشي ويوسف بريدي، لمدة 70 سنة اعتباراً من تاريخ إنهاء الأشغال (1933).
منذ ذلك الحين، كان الامتياز ينص على أن تنتج الشركة الكهرباء من مياه نهر البردوني وتوزعها على المدينة، وفي وقت الذروة، وعندما ينخفض مستوى النهر، حصراً، يسمح للشركة بإنتاج الكهرباء من مولّد حراري.
وعليه، يبدو جلياً أن دفتر الشروط لم يعد صالحاً للتمديد، حتى مع التعديل الذي أجري عليه في العام 1975، والذي سُمح بموجبه للشركة بشراء الطاقة من كهرباء لبنان. فهل يُعقل أن يمدد امتياز سقط مضمونه بانخفاض مستوى تدفّق مياه النهر وتعذّر توليد الكهرباء من مياهه؟ وهل التمديد الذي أقره مجلس الوزراء، في العام 1999 لمدة 15 سنة (من 2003 إلى 2018)، خلافاً للقانون وبحجة حسم سنوات الحرب من مدة الامتياز، يشكّل سبباً كافياً لتكرار المخالفة؟ تلك عوامل لم يعطها من أراد التمديد للامتياز أي قيمة في النقاش التشريعي الذي جرى في مجلس النواب الاثنين الفائت. الأولوية كانت للحفاظ على كهرباء 24 / 24، وهذا أمر مفهوم وربما طبيعي من أهالي المنطقة، لكن هل هو مبرر لمشرّعين، يفترض أن يوائموا بين حاجات الناس والقانون؟
ربما يحق لأهل زحلة أن يقلقوا من انتقال الامتياز إلى كهرباء لبنان، التي تعاني المناطق الأخرى من تردي خدماتها، وتتفوق عليها «كهرباء زحلة» بأشواط، إن كان في التوزيع أو في خدمات الصيانة، لكن هل للمشرعين أن يتأثروا بذلك حتى لو كان على حساب القانون والدستور؟
لم يكن النقاش القانوني حاضراً في المجلس النيابي. بدت الأولوية سياسية - شعبوية. القوات والعونيون دخلوا في صراع قاس تحول في أغلب الأحيان إلى مزايدة: من هو الأكثر حرصاً على الحفاظ على كهرباء 24 / 24؟ القوات على قاعدة عصفور باليد ولا عشرة، ربما، تمسكوا بالوضع الراهن، فيما ذهب العونيون أبعد من ذلك. تمسكوا بالأمر الواقع من حيث التغذية بالتيار لكن مع وعد بفاتورة أقل، وعلى قاعدة استمرارية المرفق العام.

تشريع لمخالفة ومخالفة لتشريع
بالتصويت، أقر الاقتراح المقدم من الوزير سيزار أبي خليل، والذي يقضي بتوقيع عقد تشغيلي مع «كهرباء زحلة» لمدة 24 شهراً، إلا أن ذلك فتح باباً آخر للاعتراض: إعطاء سلطة القرار لوزير الطاقة، لا إلى مجلس الوزراء. لكن في الأساس لم يناقش أحد في الجلسة مضمون القانون. انهمك نواب القوات في البحث عن سبل تأجيل البند. حجتهم أنهم لم يحصلوا على الوقت الكافي لدرسه. هؤلاء ينقلون اتهامهم بمخالفة القانون عبر الاقتراح المقدم إلى اتهام مقابل بمخالفة الدستور عبر الاقتراح الذي أقر. وعليه، ثمة من يسأل كيف يشرّع القانون الذي أقر لكهرباء زحلة حصراً دوناً عن غيرها من الشركات، ودوناً عن بقية المناطق، حق إنتاج الكهرباء من المولدات؟ أليس في ذلك اعتداء على مبدأ المساواة المكفول في الدستور، وعلى مبدأ وحدة التشريع؟ وإذا كانت «كهرباء زحلة» قد أعطيت هذا الحق، فكيف لا يعطى إلى كهرباء جبيل على سبيل المثال، ولماذا لا تحصل «نور الفيحاء» على الترخيص نفسه؟ وكيف سمح مجلس النواب لنفسه، وفي سابقة من نوعها، بإصدار قانون خاص بشركة محددة، بدل أن يقوم بواجبه التشريعي العام، فيفتح الباب للسلطة التنفيذية لاستدراج عروض واختيار الشروط الفنية الأنسب والأسعار الأرخص لتأمين الخدمة للسكان؟

هل يفتح تشريع الإنتاج في «كهرباء زحلة» الباب أمام مطالبة مناطق أخرى بحقها بالإنتاج؟


فيما تبرر مصادر الوزارة موقفها بالحاجة إلى تسيير المرفق العام، وبالتالي السماح للمولدات العاملة حالياً باستمرار العمل، أسوة بمولدات الأحياء، مع فارق أن الأولى تستعمل خطوط التوزيع الخاصة بالدولة، فيما تستعمل الثانية أعمدة الإنارة الخاصة بالدولة، فإن مصدراً محايداً يعتبر أن الحل القانوني كان يجب أن يحصر التمديد بامتياز التوزيع فقط، مقابل عدم حصر الحق بإنتاج الكهرباء بالمولدات المستأجرة من قبل (أو المملوكة لـ) شركة «كهرباء زحلة». هو يعتبر أن هذه الخطوة تؤدي إلى تشريع مخالفة ارتكبتها شركة «كهرباء زحلة»، كما يرى أن التشريع يؤدي إلى مخالفة مبدأ المساواة بين المواطنين في حقهم بالتزود بالطاقة المنتجة وحق الأفراد والشركات من غير «كهرباء زحلة» بالحصول على تراخيص وأذونات إنتاج.
ما كتب قد كتب. ووزير الطاقة أعاد التأكيد، في المؤتمر الصحافي الذي عقده في الوزارة يوم الثلاثاء الفائت، أن «ما حصل في الجلسة انتصار للزحليين»، مؤكداً أن «الكهرباء سوف تبقى 24/24 والخدمة أيضاً بذات الجودة والإدارة والموظفين في زحلة، أما الكلفة على المواطنين وكهرباء لبنان فستتغير».
أما المدير العام لكهرباء زحلة أسعد نكد، فقد تلقّف الكرة سريعاً. زار وزير الطاقة وأعلن بعد لقائه أن «كهرباء زحلة لها مصلحة في أن تبقى الخدمات كما هي 24/24 ساعة، وسنعمل على قضية التعرفة». أضاف: «سنبدأ العمل على القانون الجديد وفي أسرع وقت سننتهي منه»، معتبراً أن «لا خاسر ولا رابح».
لكن هل فعلاً، سيكون الانتقال من الامتياز إلى عقد التشغيل سهلاً؟ وهل تكفي مدة الثلاثة أشهر المحددة لإنجاز العقد؟ يخشى مصدر مطلع أن «تترتب عن العقد مشاكل وتعقيدات تفسيرية وتطبيقية كبيرة قد يستغرق حلها أشهراً طويلة».