منذ أن أرسل رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، أسماء وزرائه المرشحين الجدد إلى رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، لم يعد يتردد اسم «القوات» في المشهد السياسي الحكومي. قد يكون الخرق السياسي الوحيد الذي سجل هو موقف جعجع من الأنفاق، التي قالت إسرائيل إنها وجدتها عند الحدود اللبنانية. ما عدا ذلك لا يمكن الحديث عن حضور قواتي، لا سيما أن المفاوضات السياسية أخذت منحى آخر مع بروز عقدة توزير سنة 8 آذار. المقارنة مثلاً بين حضور «القوات» وحضور رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط تعطي فكرة عن انحسار دور «القوات»، كطرف سياسي، في ما هو أبعد من مجرد مفاوضات لتحصيل حصتها في الحكومة. جنبلاط، وبصرف النظر عن حادثة الجاهلية، ظل يستثمر في العوامل السياسية الآنية، من دون أن يختفي عن الساحة السياسية، إذ يساهم في تحفيز تشكيل الحكومة مع جميع الأطراف المعنيين، بعدما حلت «العقدة الدرزية».في الشهرين الماضيين، بدا انحسار دور «القوات» عن المشهد السياسي واضحاً، وكأن دورها تقلص من الإطار السياسي العام إلى مجرد شريك في الحكومة لا لاعبة أسياسية، تنتظر صدور مراسيمها، وتعمل على إعداد وزرائها للدخول إلى الحكومة. لا توافق «القوات» على هذا التوصيف. فبحسب مصادرها الرسمية، كانت طوال خمسة أشهر في مقدمة المشهد السياسي، لمواجهة تحجيمها سياسياً، وعدم الموافقة على تمثيلها وزارياً بحصتها الحقيقية. خلال تلك الأشهر، كانت «القوات» تتصدر المشهد السياسي والعناوين، ورأس حربة في المفاوضات الحكومية، أما اليوم فاختلف الوضع. فمع حل «العقدة المسيحية» وحصول «القوات» على حصتها، التي كانت تأمل بأن تكون أكبر، لكنها قبلت بها من أجل أن تتشكل الحكومة كهدية لرئيس الجمهورية في ذكرى انتخابه، انتقلت العقدة إلى سنة 8 آذار.
باتت «الكاميرا» بعيدة من «القوات» بعدما توجّهت نحو القوى المعنية مباشرة بالعقدة المستجدة (هيثم الموسوي)

لم يكن في مقدور «القوات» أن تكون في واجهة هذه المفاوضات تحديداً، لأن أي تدخل فيها سيعتبر استفزازاً ويزيد من حساسية الوضع، وسيتخذ أصحاب هذه العقدة من موقفها ذريعة للتشدد أكثر في وجه رئيس الحكومة المكلف، لكنها مع ذلك لم تقف على الحياد. أعلنت منذ اللحظة الأولى موقفها إلى جانب رئيس الجمهورية والحريري، والارتضاء بما يرتضيانه في هذه العقدة، ولا سيما الحريري. أي خطوة متقدمة في هذا الشأن كانت ستنقل الوضع إلى أزمة حقيقية، تعقد الوضع أكثر بدل أن تحله. تماماً لو أن حزب الله مثلاً تدخل في «العقدة المسيحية»، كان سينقل الملف إلى مواجهة من طبيعة مختلفة، بدل أن تبقى محصورة بين القوى المسيحية.
في إطار آخر، تحرص «القوات» على التأكيد أنها كانت حاضرة في ملفات سياسية عامة، «ولم تكتف بدورها في تحصيل حقوقها الحكومية، كما حصل بالنسبة إلى الوضع في الجنوب، بحيث تصدرت القوى السياسية في اتخاذ موقف واضح منه، لجهة احترام القرار 1701 وتبيان حقيقة ما يحصل جنوباً والكشف عن حقيقة الأنفاق. فإن لم تكن تلك الأنفاق موجودة فالمطلوب العمل على تأمين تضامن دولي مع لبنان في وجه إسرائيل». أما تجاه الوضع الاقتصادي، فقد دعت «القوات» إلى تفعيل الحكومة الحالية إذا استمرت عرقلة التشكيل، أو تأليف حكومة جديدة في أسرع وقت لمعالجة التدهور الاقتصادي. إضافة إلى موقفها من زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى سوريا، فهذه نقاط ثلاث أساسية وتشكل مفصلاً في الحياة السياسية، لا تنأى «القوات» بنفسها عنها، لا سيما أن الوضع الجنوبي كان يمكن أن يستجلب الخطر على لبنان، كما أن زيارة البشير يمكن أن تُستغل ويبني عليها كثيرون أوهاماً ورهانات حول الوضع في سوريا.
ليس في مقدور «القوات» أن تكون في واجهة المفاوضات الحكوميّة تحاشياً للاستفزاز والحساسية


كانت «القوات» تنتظر أن تصدر مراسيم الحكومة قبل أن تنفجر «العقدة السنية». هي لم تُخدع ولم تجرّ إلى الفخ كما تردد، لأن رئيس الجمهورية والرئيس المكلف كانا يعدان لإصدار المراسيم قبل أن تنفجر تلك العقدة. هي بقيت على تواصل مستمر معهما، على رغم أن «الكاميرا» باتت موجهة نحو القوى الأخرى، المعنية مباشرة بهذه العقدة المستجدة، كحزب الله والنواب السنة المعنيين بالأزمة. وهذا التواصل، كان أيضاً في ظل سقف أساسي: «الحريري خط أحمر». هذا بمعنى التمسك به وعدم استهدافه، لأن التحالف معه استراتيجي ووثيق، وكذلك فإن العلاقة مع رئيس الجمهورية علاقة ثابتة، و«القوات» طوت صفحة التباين في ما حصل حكومياً، وستعمل مع عون والتيار الوطني الحر على تفعيل التعاون في الحكومة. إذا أبصرت الحكومة النور قريباً، فسيكون لـ«القوات» دور سياسي ووزاري فاعل فيها، تماماً كما كان حالها في الحكومة المستقيلة.
تؤكد «القوات» أن لا «عقدة مسيحية» جديدة، أرمنية أو غير أرمنية، ولا تغيير في حصص «القوات» المسيحية يمكن أن تعرقل التأليف، ذلك إذا حلت «العقدة السنية» ولم «يفاتحنا أي طرف بالموضوع». فـ«العقدة المسيحية» حلت سابقاً، والاتفاق الذي جرى لم يكن من طرف واحد، بل تم مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف، وبالتالي هو ثابت ونهائي. التسوية مبرمة وأي كلام آخر أصبح وراءها. كانت الحكومة قد أعدت على هذا الأساس، قبل أن تنسفها مشكلة سنة 8 آذار، ومن يريد أن يفتعل مشكلة جديدة فإنه يهدف إلى عرقلة تأليف الحكومة.