الانقسام السياسي في البلاد حول كيفية التعامل مع الحراك الشعبي الكبير، يتزامن مع انقسام سياسي داخل فريق السلطة حول الخطوات الواجب اتخاذها لمحاكاة مطالب الناس باستقالة الحكومة. لكن الجديد الذي جرى التداول به على صعيد القوى السياسية وحتى على صعيد الناشطين، يتعلق بالحوارات غير الرسمية القائمة الآن محلياً وخارجياً حول ما يجري في البلاد.كبار المسؤولين في الدولة يقرّون بعمق الأزمة، لكنهم ليسوا جميعاً في موقع الإقرار بأن ما قامت به الحكومة حتى الآن، من إقرار مشروع الموازنة أو الورقة الإصلاحية كاف لإقناع الشارع بأن هناك متغيرات جدية. ولذلك، فإن النقاش حول مصير الحكومة لا يزال قوياً، حتى لو كانت هناك ممانعة جدية تحول دون القيام بتعديل أو تغيير جديين. بينما يجري الحديث عن نية الحكومة أو القوى البارزة فيها إعداد ورقة جديدة تتضمن مجموعة من الخطوات التي يعتقد أهل الحكم أنها تحاكي مطالب الناس، علماً بأن عملية تبادل رمي المسؤولية لا تزال ناشطة بين أهل الحكم، وسط استمرار التحركات الشعبية، والاستعداد ليوم كبير وطويل اليوم، حيث تعمل المجموعات والقوى المنخرطة في الحراك على تأمين حشد قوي، يراد منه تأكيد رفض خطوات السلطة، ويحمل رداً إضافياً على خطابات الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.

(مروان طحطح)

وبحسب المعطيات، فإن الخطوط المباشرة بين ناشطي الحراك والسلطة لم تفتح. والسبب لا يتعلق حصراً برفض غالبية المشاركين في الحراك التحاور مع السلطة، إنما بسبب عدم تشكل مجموعات يمكنها الادعاء النطق باسم الحراك، علماً بأن مراجع في السلطة تواصلت مع مجموعات موجودة على الأرض، وسعت الى تحقيق نتائج كان الظاهر منها قرار بعض العسكريين المتقاعدين الخروج من الساحات. لكن ذلك لا يمثل كل ما يجري. لأن التواصل غير المعلن هو الجاري مع القوات اللبنانية، والتي قال المسؤولون فيها إنها مستعدة للخروج من الشارع في حالة استقالة الحكومة وإعادة تشكيل حكومة مصغرة من اختصاصيين لا من سياسيين، وأن تكون هي ممثلة فيها عبر تولي حقائب رئيسية. بينما قال زوار رئيس الحكومة سعد الحريري إنه لا يزال يؤيد أي تعديل أو تغيير حكومي، لكنه يشترط للتغيير توافقاً مسبقاً على شكل الحكومة الجديدة، وضمانات بإجراءات سريعة جداً للتكليف والتأليف، كما أنه مستعد للمضيّ في مشروع تعديل حكومي انطلاقاً من قبول استقالة وزراء «القوات اللبنانية»، مع رغبته في إخراج الأقطاب السياسيين من الحكومة. وبحسب الزوار، فإن الحريري أبلغ موقفه هذا الى عون والرئيس نبيه بري ونصر الله، لكنه سمع تحفظات يعتقد أن الوزير جبران باسيل يقف خلفها.
أما خارجياً، فإن الكلام العابر المنسوب الى مسؤولين من مستويات متدنّية في الإدارتين الأميركية والفرنسية، حول تدخل محتمل لهما في الأزمة الداخلية، عكسته برقية دبلوماسية تحدثت عن اجتماعات نسّقها أنصار 14 آذار في واشنطن وباريس مع مسؤولين أميركيين، تهدف الى تدخل الغرب من أجل رفع شعار حماية المتظاهرين من قمع السلطات ومن حزب الله. وهو أمر تقول جهات رسمية في بيروت إنه «لا يعني شيئاً، لأن الجانبين الأميركي والفرنسي يؤيدان الاستقرار وعدم حصول فراغ، وأن موقفهما الرافض التعرض للمتظاهرين هو السقف الأعلى».
لكن اللافت هو تلقي مسؤولين محليين إشارات الى أن السعودية قررت تفويض الجانب الإماراتي إدارة الملف في لبنان، وأن أبو ظبي، بدعم من الأميركيين، تحاول إقناع «القوات اللبنانية» بعدم التصعيد، وعدم الإصرار على قطع الطرقات حتى لا تحصل مواجهة بينها وبين الجيش والقوى الأمنية لأن في ذلك «ما يخدم حزب الله». لكن مصادر معنيّة تتحدث عن مزيد من الضغط الذي تمارسه الرياض وأبو ظبي على حلفائهما في بيروت، وعلى وسائل إعلامية، لرفع مستوى الضغط على السلطات ولا سيما على الرئيس عون وحزب الله.
ومع ذلك، وبرغم مساعي بقايا فريق 14 آذار للحضور أكثر في الساحات، إلا أن ناشطين في الحراك لفتوا الى أن بيروت ومناطق أخرى، لم تشهد نجاحاً لهذا الفريق في خطف الحراك نحو شعارات سياسية تخصّه. وقال هؤلاء، إن المجموعات التي تتحرك بين المتظاهرين وتقود شعارات وحملات مباشرة ضد نصر الله أو حزب الله، لا تمثل أكثرية في الشارع، كما لا تمثل اتجاهاً عاماً، وإن بقية المشاركين يسعون الى ضبط هذه المجموعات. لكن الناشطين يعيدون التذكير بأن موقف نصر الله تسبّب بردة فعل سلبية من الجمهور، وأن الاعتداء على المتظاهرين في رياض الصلح انعكس سلباً على الموقف من حزب الله.

فضلو خوري... محاولة سطو
وفي السياق نفسه، كان لافتاً الانخراط الإضافي لرئيس الجامعة الأميركية في بيروت فضلو خوري في الحراك. وهو خرج أمس في فيديو يبدو فيه كمن يحاول السطو على قيادة الحراك وتقديم نفسه مرشداً للشباب في الساحات. وبينما حرص خوري على نفي أي علاقة للسفارات أو المؤامرة بالحراك القائم، حذر الناس من أنهم بحاجة الى نشاط طويل النفس وأنهم في مواجهة فريق يجيد العمل على مدى طويل، محذراً من العنف.
خوري الذي كان قد أصدر أول من أمس بياناً مشتركاً مع رئيس الجامعة اليسوعية، معلنين تأييدهما للحراك، تجاهل الموقع الذي يمثله، وتصرف في سابقة لم تحصل من قبل مؤسسة تخضع فعلياً لسلطة غير سلطة لبنان. وهو تحدث بلغة إنكليزية مع الذين كانوا موجودين أمامه، متجاهلاً أيضاً أن إدارة الجامعة الأميركية تمثل أحد وجوه الفساد الكبيرة في البلاد، وأنه شخصياً لا يتمتع بأي سجل أكاديمي مميز يتيح له تولي هذا المنصب، كما أنه اتخذ سلسلة من القرارات التي أدت الى تقليص فرص العلم في الجامعة ورفع كلفة الاستشفاء بطريقة خيالية، عدا عن أنه كان قد قرر أن يكون راتبه وراتب بعض مديري الجامعة بالدولار الأميركي، بينما يقبض بقية الأطباء والأساتذة بالليرة اللبنانية، وهو إجراء اتخذه مع اشتداد الأزمة النقدية، بالإضافة الى كيديته واستنسابيته السياسية في تنفيذ العقود مع الأساتذة الجامعيين.
خوري الذي يحرص مع إدارة الجامعة على نفي أي دور سياسي لهم، لا يتصرف فقط كـ«مرشد الثورة»، بل هو أعدّ بالتعاون مع آخرين لائحة ضمنها ما قال إنه أسماء «المرشحين الأفضل لتولي مسؤوليات في الدولة» وذلك كـ«مساهمة في المساعي لتشكيل حكومة جديدة». وأعاد خوري إلى الأذهان صورة أحد أبرز رؤساء الجامعة الأميركية بايارد دودج الذي تولى رئاسة الجامعة بين عامَي 1923 و1948، والذي كشفت وثيقة أمنية فرنسية («الأخبار»، 16 تشرين الثاني 2016) أنه من أخبر السلطات الأمنية في حينه عن نشاط مؤسس الحزب القومي أنطون سعادة.