عند بداية التحركّات الاحتجاجية أمام مصرف لبنان، كانت لينا (23 عاماً) من أبرز «القادة» الذين توسّطوا المعتصمين القلّة وصدحوا بهتافات تُندّد بـ «حكم المصرف» و«حكم الدولار».تقول الشابّة إنّ حجابها دفع مُشاركين كثراً وقتها، عندما كان الناس - ولا يزالون - يكتشف بعضهم بعضاً، إلى تصنيفها ضمن محازبي «حزب الله»، وهو أمر مفهوم بالنسبة إليها «لأنّ النزول إلى الشارع يمنحك خبرة استيعاب المختلفين عنك وتفهّم أفكارهم المُنمّطة وعجز كثيرين عن التمييز بين مؤيد ومحزّب».
تعتبر لينا أن كثراً من رفاقها، من مؤيدي حزب الله ومِمن يُحسبون على جمهور المقاومة، لم يتمكنوا من مجاراة المتظاهرين في مختلف الساحات بسبب قلّة خبرتهم في النزول الى الشارع، «لذلك عليهم ربما تكثيف مُشاركاتهم» تُضيف مازحةً.
أمس، كانت تقف لينا على حافة الشارع المقابل لمبنى المصرف وحيدة بين عشرات المتظاهرين الذين لبوا دعوة «فردية» للتظاهر أمام المصرف و«استئناف» تكريس الساحة كفسحة للنضال، وهي تردّد الشعارات التي كان يطلقها أحد المتظاهرين قبل أن تستطرد: «هذا الشعار أنا كتبته».
أين زملاؤك الذين كانوا «يداومون» معك؟ تقول ضاحكةً إن «كثراً تردّدوا بالنزول بسبب المواقف غير الواعية لعدد من المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي». الكثيرون هنا يعني عدداً من جمهور المُقاومة بالتحديد، ممّن كانوا يجدون في ساحة المصرف «مساحة أمان».
من واظب على المُشاركة في التظاهرات أمام المصرف المركزي، يُدرك أن جوّاً كان شائعاً يُفيد بدعم حزب الله التظاهر قبالة هذه الساحة. منهم، من يبني هذه الفرضية على الوجوه المُشاركة التي تُشبه لينا، وآخرون كانوا على قناعة بوجود «مخطط» لدى الحزب يقضي بخلق ساحة بديلة عن ساحتي رياض الصلح والشهداء، على اعتبار أنه قادر هناك على «ضبط» الشعارات وتصويبها حصراً على المصارف. وفيما كان معظم أنصار هذه النظرية يتخذون من مشاركة الحزب في هذه الساحة وسيلة لـ«التنصّل» من التجمهر أمامه، كانت فرضيتهم تترنّح عند «تواضع» أعداد المُشاركين في الاعتصامات، باعتبار أن تأييد الحزب كان سيحشد أعداداً أضخم بكثير.
العدد أمام تظاهرة المصرف، أمس، كان متواضعاً «كالمعتاد». ما السبب إذاً؟
إلى جانب السببين المتمثلين بتردّد بعض مناصري المقاومة وعدم «عودة» المتنصلين سابقاً من الساحة إليها بعد «الانسحاب» غير المعلن لعدد من مؤيدي حزب الله، هناك سببٌ «مرتبط بتقصير في التركيز على أهمية الحشد في هذه الساحة» على حدّ تعبير سامر، أحد المواظبين على المشاركة في التظاهرات ضد المصرف المركزي. ويوضح أن المصرف المركزي «موجع أكثر... كنا شخصين فقط عند بداية التظاهرة وتم استدعاء مختلف الأجهزة الأمنية. ألا يُعدّ هذا دليلاً على حرص الدولة على هذا المكان وبالتالي يجب الضغط عليه؟»، مُضيفاً: «حتى البنتاغون إذا بدو يزت ملايين الدولارات ليعمل فتنة بالبلد، بدا تمرق هون. يعني لازم نتصدّى للمصرف المركزي».
النقاشات التي كانت تدور بين المعتصمين أمس عكست، مرةً جديدة، وعياً لافتاً حول مساوئ النموذج الاقتصادي وحول أهمية تصويب السياسات النقدية والمالية والأهم «ضرورة محاسبة الفاسدين المُستفيدين من مال الدولة عبر هذا المصرف»، على حدّ تعبير السبعيني محمد، فـ «الدولة منهارة هلق، شو عنا حل غير نجيب المصاري اللي انسرقو ونسدّ الدين؟»، مُعتبراً أنّ الشعب «بات واعياً ومثقفاً وسيدرك أن مشكلته الأساسية مع المصارف».
استرداد الأموال الناتجة من الهندسات المالية، التصويب على حكم الدولار وتهميش الليرة اللبنانية، إجبار المصارف على تحمّل تداعيات الانهيار الحاصل، اتهام سلامة بالانصياع الأعمى لمقررات البنك الدولي وغيرها من المطالب التي حملتها الشعارات والنقاشات التي حصلت بين المتظاهرين. هؤلاء، أعادوا شعارات إسقاط حكم المصرف، واستعادة أموال الإسكان وغيرها. يعرفون أنهم قلّة، «لكنّ الإصرار والوعي كفيلان بإحداث تراكم نوعي»، وفق سامر الذي أعلن اعتماد ساحة المصرف «ساحة يومية من الثامنة صباحاً، موعد مزاولة الموظفين لأعمالهم، حتى امتلاء الساحة مساءً».
«شو عليه إذا حافظنا ع ساحة بتشبهنا؟»، تتساءل لينا مُشيرةً إلى حاجة الشارع إلى «أصوات جريئة تتجاهل الأبواق غير الواعية وتختبر الشارع لتحدث فرقاً»، فيما يتمنى سامر «انضمام مؤيدي كل الأحزاب إلى معركة إسقاط المصارف، أساس الفساد».