نشر الخبير الاقتصادي الزميل محمد زبيب وثيقة صادرة عن لجنة الرقابة على المصارف، تُظهر «التركيز في شرائح ودائع الزبائن». يُقسّم الجدول الوارد في الوثيقة توزّع الودائع بين مجموعتين: «أ» تضمّ 2 مليون و847 ألف حساب، أو 99%من الزبائن (تتفاوت ودائعهم بين أقل من 5 ملايين ليرة و1500 مليون ليرة)، و«ب» تضمّ 25 ألفاً و137 حساباً، يُشكّلون طبقة الـ 1% (لديهم ودائع بين 1500 مليون ليرة وما فوق الـ 150000 مليون ليرة). ويُحدّد الجدول حجم الودائع، بالعملة المحلية والعملات الأجنبية، في الفترة الممتدة بين 31 كانون الأول 2018 و28 كانون الأول 2019، كاشفاً كيف أنّ «طبقة الـ 1%» مسؤولة عن قرابة 98% من سحوبات الودائع بالعملات الأجنبية، وقد بلغت في العام الماضي وحده 15.3 مليار دولار. كما أنّ الجدول يُبيّن نسبة الحسابات في الفئة «ب» التي أقفلها أصحابها، ما يعني أنّهم سحبوا كلّ الأموال المودعة فيها، وقد بلغت 2631 حساباً. ماذا يعني ذلك؟ كَشفُ كذبِ الجهات المصرفية التي كانت تدّعي بأنّها «عمليات حسابية»، وحسابات يستخدمها التجّار من أجل إتمام عمليات الاستيراد والتصدير. لو سُلّم جدلاً بأنّ ذلك صحيح، ما الداعي إلى إفراغ الحساب من الأموال وإقفاله؟ «النزف» طاول حسابات أخرى يملكها كبار المودعين، ولكنّ الفرق أنّ هؤلاء لم «يهربوا» بكامل أموالهم، وأبقوا على حساباتهم مفتوحة.ونشر زبيب جدولاً ثانياً يظهر فيه مجموع الودائع والفوائد المدفوعة وكيفية تطورها بين نهاية عام 2018 ونهاية عام 2019. وبحسب هذا المستند، باعت المصارف 15 مليار دولار أميركي لكبار المودعين، في الفترة بين 31 كانون الأول 2018 و28 كانون الأول 2019، ليتمكنوا من تحويل قسم من ودائعهم من الليرة إلى الدولار. وبلغ الانخفاض الفعلي في الودائع نحو 27 مليار دولار، 98% منها قام بها أغنى المودعين في المصارف. بتوصيف آخر، إذا كُنت مودعاً صغيراً تملك حساباً بالدولار، فقد قامت إدارات المصارف ببيع مالك الخاص بالعملة الأجنبية، إلى أصحاب «طبقة الـ 1%»، ليتسنّى لهم تحويل قسم من ودائعهم من الليرة إلى الدولار، وإخراجها من البلد لتجنيب أنفسهم الانهيار وخسارة الودائع. هي عملية جرمية، مسؤولة عنها المصارف التي رهنت نفسها لأمر المساهمين بها، ورؤساء مجالس إدارتها وأعضائها، والأغنياء، الذين ما اغتنوا إلا بفقر عامة الشعب. غطّت المصارف عملية نهب غير شرعية، فيما هي تذلّ صغار المودعين وأصحاب حسابات «توطين» الرواتب، للحصول على 100 دولار أسبوعياً، قد لا يتمكنون من الحصول عليها في معظم الأحيان. وتُكشف هذه الأرقام، بالتزامن مع «التهديد» المُستجدّ باقتراب التوقّف نهائياً عن تزويد المودعين بالدولارات التي يملكونها، وتحويلها إلى ليرة لبنانية. ولكنّ المصارف، مع البنك المركزي، يُحاضرون بأهمية الحفاظ «على سمعة لبنان» لتسويق ضرورة تسديد مليار و200 مليون دولار من سندات اليوروبوندز التي تستحق في آذار المقبل.
مبلغ 27 مليار دولار التي أخرجها كبار المودعين من المصارف، كانت كافية لتسديد حسابات ما يُقارب المليونين و300 ألف زبون. على الأقل، 25 مليار دولار من المبلغ المسحوب من المصارف هُرّب إلى الخارج. ففي 4 شباط الحالي، قال مدير شركة مكتّف لشحن الأموال، ميشال مكتّف لـ«المدن» إنّ «أرقامنا تشير إلى ما يُقارب مليار دولار «كاش» (نقداً) خلال عام 2019، ذلك يعني أنّ حجم النقد الإجمالي في لبنان يبلغ مليارَي دولار فقط. وكل الحديث عن وجود 2 أو 3 أو 4 مليارات دولار في أيدي الناس هو كلام غير صحيح».