ساهم انتشار كورونا في تأخير المحكمة الدولية تحديد موعد صدور الحكم العلني في قضية «عياش وآخرين»، بحسب تسمية المحكمة لقضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وقد يكون هذا التأخير ملائماً للحريري، الذي ينتظر كلمة سر لم تأته لا في الرياض ولا في باريس. لأن توقيت الحكم، راهناً، يحمل التباسات كثيرة، وهو الذي لا يزال يعوّل على عودته الى السرايا الحكومية، من خلال رفع راية تهدئة الشارع السني. لكن كلمة السر لم تصل بعد، بفعل انشغال الدول في أزماتها الصحية والاقتصادية، وتعليقها التداول بالملف اللبناني. يضاف الى ذلك أن أحداً من الدول المعنية مباشرة لم يعد يتعامل معه على أنه الرقم الصعب في معادلة الحكم. لذا يقبع في غرفة الانتظار، لا تُسحب منه ورقة التكليف لمصلحة آخر، ولا يعطى في المقابل الضوء الأخضر لتغطية تكاليف العجز السياسي والمالي على السواء.
حزب الله لم يسهّل المهمة للحريري، فأضيف له عجز آخر على مسيرة متعثرة
رغم كثرة اللقاءات الدبلوماسية، فإن الحريري لا يزال على ضفة الحدث المحلي. كان يفترض بعودته الى لبنان أن تعيد إليه بعضاً من الحضور السياسي، وخصوصاً أنه لا يزال يملك عدة الشغل، وخصوصاً في مواقع حساسة أمنية ومالية وإدارية له فيها حصة كبيرة، وهذه العدة التي استثمر فيها لسنوات لا تتعلق فحسب بمواقع سنية. وهو حاول في الأيام الأخيرة ألا يخوض معارك مباشرة في مواجهة الحكومة والعهد بـ«أدوات سنّية» وحسب، بل جيّش أيضاً من خلال طوائف مسيحية له فيها حضور وشخصيات تنتمي الى النادي السياسي والمالي نفسه. لكن السقف الأساسي له يكمن في ملاقاة حلفائه وخصومه في نصف الطريق فحسب، فلا يرفع مستوى تنسيقه مع حلفائه ولا يعيد تجميع الصفوف، إلا بالقدر المضبوط، كي لا ينسف الجسور التي سبق أن بناها مع حزب الله. لكن تطور مواقف حزب الله ومنها ملف سوريا والحدود، سيضع الحريري أمام محك اختبار قدرته على التكيف مجدداً مع متطلبات التهدئة واستشراف آفاق العلاقة المستقبلية. لأنه حتى الآن لا يزال محافظاً على إطار مضبوط، يخرقه فقط موقفه من العهد ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. وفي هذه النقطة، يتقاطع مع الرئيس نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. لم يعد للحريري ما يعتاش عليه أكثر من مطالبته بتعزيز صلاحيات رئيس الحكومة، وشنّه هجوماً على العهد وباسيل، لكن هذين العاملين غير قادرين على وضعه مجدداً في مقدم المشهد في غياب برنامج سياسي واضح، وتضعضع قاعدته الشعبية، وتراجع نفوذه وفراغ خزنته، لأن الحريري في نسخه المتعددة منذ أن جاء الى السياسة، اعتاد أن يوضع له برنامج عمل محدد سياسي محلي وإقليمي، ومالي ــــ اقتصادي. في حين أنه اليوم يفتقر إلى الغطاء أولاً، وإلى البرنامج ثانياً. وها هو حزب الله لم يسهّل له المهمة، ليصبح مجدداً أسير التقاطعات الإقليمية والدولية، فيضيف عجزاً آخر على مسيرة متعثّرة.