بكثير من المبالغة الاحتفائية، أعلن مصرف لبنان أمس إطلاق صندوق «سيدر أوكسيجين» لإقراض الصناعيين. مبالغة في الحديث عن الأثر الاقتصادي لصندوق وُضِع فيه مبلغ 175 مليون دولار، جرى تقديمه كوسيلة تهدف إلى انتشال الاقتصاد اللبناني من أزماته كافة. بدأت الفكرة منذ أن توقّفت المصارف عن فتح اعتمادات للصناعيين حتّى يتمكنوا من استيراد المواد الأولية لبضاعتهم، ولم تعد تقبل أن تُحرّر أموالهم المودعة لديها. حُجّة المصارف أنّ مصرف لبنان يرفض إعطاءها السيولة اللازمة بالدولار الأميركي لتسديد التزاماتها تجاه مصارف المُراسلة، علماً بأنّ المصارف أصلاً كانت «تنتقي» من بين الصناعيين من ستفتح له اعتماداً، ولم تكن المعاملة على قدر من المساواة. «شُرّعت» السوق السوداء أمام العديد من الصناعيين، الذين لا يملكون إلا هذه الوسيلة للحصول على دولارات الاستيراد، ما كان يُسهم أكثر فأكثر في ارتفاع سعر الصرف في السوق غير الشرعية. واحدة من «خراطيش» الحاكم رياض سلامة، كانت إعلانه في آذار عن تأسيس «صندوق سيدر أوكسيجين» مُخصّص للصناعيين. كان من المفترض أن يُطلق «سيدر أوكسيجين» في نيسان الماضي، بقيمة 750 مليون دولار أميركي، وبِرِهان أن تصل قيمة المساهمات فيه إلى 3 مليارات دولار.
(هيثم الموسوي)

إلا أنّ رهانات سلامة لم تَكسب، وتأخّرت الخطوة في الدخول حيّز التنفيذ منذ الإعلان عنها في آذار، إلى يوم أمس. التأخر لم يأت بمردود إيجابي، فقد انخفض المبلغ المرصود لـ«افتتاحية الصندوق» من 750 مليون دولار أميركي إلى 175 مليون دولار. أمّن «المركزي» «رأس المال» بقيمة 100 مليون دولار، أمّا الـ75 مليون دولار المُتبقية فهي عبارة عن «مساهمات» من رجال أعمال لبنانيين في أوروبا. وبحسب ما يُتداول به، فإنّ زيارة سلامة لأوروبا، الأسبوع الماضي، كانت لها صلة بهذا الموضوع.
عرّف مصرف لبنان عن الصندوق الجديد بأنّه «مُستقل ومؤثّر للتمويل الصناعي في لبنان، يهدف إلى ابتكار حلول حيوية وفورية تؤمّن التمويل الصناعي لشركات التصنيع اللبنانية، ما يؤثّر إيجاباً على اقتصاد لبنان ومجتمعه». واعتبر أنّ دعم القطاع الصناعي من خلال «صندوق سيدر»، يُسهم في «استقرار الاقتصاد، ويُشرك في هذا المسار المصارف اللبنانية التي تعاني من أزمة ائتمان، ما يسهم في استقرار القطاع المصرفي، ويجذب أيضاً الاستثمارات الأجنبيّة إلى لبنان... الصندوق سيعمل بالشراكة مع بعض أكبر المصارف اللبنانية التي ستستفيد من معرفتها العميقة بالسوق لتحديد الصناعيين اللبنانيين المؤهلين للتمويل، بحسب معايير سيدر أوكسيجين».
أما المُدير التنفيذي لـ«سيدر أوكسيجين» ألكسندر حرقوص، فاعتبر أنّه رغم «مكانة سيدر أوكسيجين الأوروبية وامتداده العالمي اللذين يلعبان دوراً أساسياً في تحقيق التوازن في محفظة المقترضين اللبنانيين الكبار والصغار، إلا أنّ دور الصناعيين اللبنانيين لا يقلّ أهمية لجهة إحداث التغيير في الاقتصاد الحقيقي والمجتمع في لبنان».
انخفض المبلغ المرصود لـ«الصندوق» من 750 مليون دولار إلى 175 مليون دولار


أما طريقة عمل الصندوق فيجري شرحها بأنّ «تسهيلات الصندوق الائتمانية كناية عن ديون مضمونة قصيرة الأجل، مع سقوف على المبالغ المعطاة للمقترضين على المستويين الفردي والجماعي». سيقوم «الصندوق» بإقراض الشركات لشراء حاجاتها من المواد الأولية «رغبة منه في المساهمة في الاستجابة لرفع التحديات المجتمعية التالية: تطوير القوى العاملة، القدرة المالية، الرعاية الصحية والمنافع الاجتماعية». وبحسب البيان المنشور، فإنّ «سيدر أوكسيجين» سيستخدم «رأسماله» الأوليّ «ومبلغ الـ175 مليون دولار أميركي الذي تعهّد به مصرف لبنان، إضافةً إلى 100 مليون دولار أميركي كضمانة ضدّ الخسائر الأولية، علماً بأنّ الرقم الذي يستهدفه الصندوق هو 750 مليون دولار أميركي كحدّ أدنى. أما محادثات فريق عمل الصندوق مع مؤسسات تمويل إنمائية مرموقة تربطها بلبنان علاقات والتزامات تاريخية، فوصلت إلى مرحلة متقدمة».
الشقّ الإيجابي في البيان عن أنّ الصندوق الجديد سيُسهم في دعم الاقتصاد ويكون له أثر إيجابي على المُجتمع «مُبالغٌ به». فكما كلّ «الصناديق»، المبالغ المالية لن تُقدّم مجانّاً، بل هي عبارة عن قروض ستُحرّر للصناعيين - بناءً على معايير مُعينة - وبفوائد مُخفضة. بالتالي، المشكلة التي وُجدت يوم كانت المصارف تُحدّد من تقبل أن تفتح له الاعتمادات، ستتكرّر حالياً، ولن يقبل المديرون أن يُحرّروا القروض لمن يواجه خطر التعثّر وإمكانية عدم تسديدها. ليس الاقتصاد الكلّي من سيكون مُستفيداً، ولا الصناعيّ المتوسّط الحال، بل المجموعة نفسها التي تُسيطر على الحصّة السوقية الأكبر. وبالنسبة إلى مصرف لبنان، فهو «ارتاح» من مسؤولية التدقيق في ملاءة المُستفيدين من الاعتمادات، ومن دفع الدولارات لتأمين استيراد المواد الأولية. فبالنسبة إليه، أدّى قسطه للعلى حين وضع رأسَمال بقيمة 100 مليون دولار، والبقية على «أصدقائه» المغتربين.