مع اقتراب موعد زيارة الكاردينال بشارة الراعي للأراضي المحتلة، ارتفعت الأصوات المطالبة بعدم زيارته القدس وهي تحت الاحتلال. فقد أصدرت هيئةُ العمل الوطنيّ الفلسطينيّ، في اجتماعٍ ضمّ ممثلين عن المجتمع المدنيّ في القدس، وبمشاركة شخصيّات دينيّة مسيحيّة وإسلاميّة، بياناً طالبت فيه الراعي «بضرورة مراجعة هذه الزيارة والعدول عن تنفيذها، لما تحمله من تطبيعٍ مع الاحتلال؛ إضافةً إلى الآثار السلبيّة على القضيّة الفلسطينيّة بشكلٍ عامّ، ومدينةِ القدس بشكلٍ خاصّ، وهي المدينة التي تعاني الحصار والإغلاق، إذ يُمنع الفلسطينيون (مسيحيين ومسلمين) من الوصول إليها».
وذكّر المشاركون بأنّ سلطات الاحتلال، التي تُمارس القمع اليوميّ في حقّ «أبناء شعبنا، هي نفسها السلطاتُ التي تقوم بإجراء الترتيبات الميدانيّة واللوجستيّة للزيارة، الأمرُ الذي يحمل اعترافاً بسلطة الاحتلال على الأراضي المحتلة». وأكّد المجتمعون أنّ «دعم صمود الرعايا المسيحيين يكون برفض زيارة الأماكن المقدّسة وهي قابعة تحت الاحتلال». ورأى الحاضرون أن «حرص البطريرك على متابعة احتياجات رعاياه من المسيحيين في الأراضي المحتلة، واهتمامه بحقّ العودة للمهجّرين من القرى الفلسطينيّة عام 1948 ــــ وعلى رأسها قريتا إقرث وبرعم ــــ يتطلبان منه رفض الاحتلال أو رفض التقاطع معه في أيّ شكلٍ من الأشكال، وبخاصّةٍ أنّ هذه الزيارة بكلّ ترتيباتها تتم مِن قِبل الاحتلال، وهي محميّة من قِبل أجهزته التي تمارس القمعَ اليوميّ في حقّ جماهير شعبنا في فلسطين المحتلة». كذلك أصدرت المبادرة المسيحية الفلسطينية «كايروس فلسطين» بياناً حول زيارة الراعي قالت فيه: «كنا نود أن تكون الزيارة في ظروف غير التي نحن فيها، أي الاحتلال الذي ما زلنا نعاني منه. إننا كفلسطينيين مسيحيين نتوق لرؤية ومقابلة مرجعياتنا ورموزنا الدينية، إلا أننا في الوقت نفسه لا نريد أن توظف أو تستعمل هذه الرغبة كوسيلة أو مدخل لإثارة الارتباك والشك في أوساطنا ونحن نخوض مواجهة ضارية مع الاحتلال الإسرائيلي دفاعاً عن حقوقنا الوطنية وحقوقنا الدينية مسيحيين ومسلمين. فنحن في المبادرة المسيحية الفلسطينية (كايروس) ومنذ إطلاقها عام 2009، وجهنا نداءً على كل المستويات إلى جميع المرجعيات الدينية المسيحية والكنائس في العالم كي تتخذ موقفاً وخطوات حازمة في مواجهة الاحتلال ومنع تشكيل أي غطاء معنوي أو أخلاقي أو ديني لممارساته وسياساته العدوانية المستمرة علينا وعلى كل شعبنا منذ أكثر من 66 عاماً». وأضاف البيان: «لا نريد أن تصب أي زيارة من مسؤول عربي سياسي أو من مرجعية دينية في هذه المحاولات وأن تخدم هذا التوجه بصورة مباشرة أو غير مباشرة، كما أن التعبير عن دعم ومساندة الشعب الفلسطيني وقضيته ونضاله لا يكون بأية مبادرة تساهم في التطبيع مع الاحتلال وما فرضه من واقع».
وفي السياق نفسه، بات من المؤكد أن رجال الدين المسيحيين الفلسطينيين يتحفظون على زيارة الراعي، ويتمنون أن يغير موقفه. لكن هناك شبه إجماع بينهم على عدم التحدث سلباً في الأمر، منعاً للانقسام داخل الكنائس المسيحية والكنيسة الواحدة. رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس المطران عطا الله حنا رفض الزيارة بطريقة دبلوماسية قائلاً: «إذا قرر الراعي زيارة القدس فسنستقبله كرمز كبير، وإذا قرر عدم الزيارة فسنحترم الموقف التاريخي بعدم زيارة القدس لأنها تحت الاحتلال».
في المقابل، دافع البطريرك الأسبق للاتين في القدس، ميشال صباح، عن الزيارة قائلاً إن «البطريرك الراعي من موقعه وعلمه بالوضع السياسي في لبنان والمنطقة هو من أفضل من يقدر ومن يتخذ القرار المناسب. من المعلوم أنه دأب أكثر من مرة على اتخاذ الموقف المناقض والمتحدي، مثلاً خلال زيارته الرسمية لفرنسا وللحكومة الفرنسية، صدر عن الحكومة الفرنسية بيان بخصوص سوريا، وصدر عن البطريرك بيان مناقض. وبالرغم من الوضع المتأزم بين سوريا ولبنان، قام بزيارة للأبرشية المارونية في سوريا، انتقدها البعض وامتدحها البعض الآخر. وفي هذه الزيارة البابوية، فإن منصبه ومفهومه لرسالته ولموقعه جعلوه يقرر أن من واجبه أن يرافق البابا، وأخذ البعض يبدي التحليلات الصحيحة إيجاباً أو سلباً، والبعض الآخر يوجه الانتقاد فقط. وأقول إن القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين أكثر بكثير من زيارة رئيس ديني لأبرشية له في إسرائيل أو في فلسطين المحتلة. ثم إن التطبيع بمفهومه البسيط هو أن تمارس الدول العربية تبادلات اقتصادية وسياسية وتعاملات مالية يومية مع إسرائيل. أما زيارة دينية مرة في الحياة فليست تطبيعاً. التطبيع هو التعامل اليومي المباشر وغير المباشر مع إسرائيل».