لم يعد سعر الصرف الرسمي لليرة مقابل الدولار «مقدّساً». إذ بدأ النقاش بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وحاكم البنك المركزي رياض سلامة ووزير المالية يوسف خليل لتعديل سعر الصرف، والانتهاء رسمياً من العمل بسعر الـ1507.5 ليرات للدولار. الاحتمالات الثلاثة الموضوعة على الطاولة، بحسب مصادر وزارية، هي أسعار الـ: 3000 و6000 و9000 ليرة/ دولار. لم يتوصّل الثلاثي بعد إلى نتيجة، ولكن يتوقّع أن يُبتّ الموضوع جدّياً في الشهرين الأولين من العام الجديد. وينطلق النقاش من أنّه «لم يعد في الإمكان الاستمرار» باعتماد سعر الـ1507.5 ليرات للمعاملات الرسمية، بعد التدهور الكبير في قيمة العملة. واللافت أن التوصل إلى هذه «الخلاصة» استغرق سنتين من الانهيار، ومن تعمّد سلامة خلق أسعار صرف مُتعدّدة لأنواع مختلفة من العمليات (السحوبات المصرفية، دولار المحروقات، دولار الدواء، الدولار الطالبي، دولار إنساني، منصة صيرفة، دولار دبلوماسي...). هذه البدعة شكّلت ضرراً كبيراً على الاقتصاد والمجتمع، وزادت الفوضى والتلاعب في السوق، واستفاد منها كبار التجار والمحتكرين وأصحاب الثروات، في مقابل استمرار انهيار مقومات المعيشة لدى غالبية السكان. أسلوب تحقيق أرباح شرعية على حساب الناس، هو تماماً ما جرى عام 1997 مع تثبيت سعر الصرف، خدمةً قدّمها سلامة للمصرفيين وكبار المودعين ومن يرتبط بهم، في مقابل «بيعها» للناس على أنّها تصبّ في مصلحتهم. بالإضافة إلى ذلك، يكذب المسؤولون السياسيون والماليون حين يتحدّثون عن «تدهور» الإيرادات العامة، فيما الأرقام التي قدّمها وزير المالية إلى لجنة المال والموازنة في مجلس النواب (خلال مناقشة مصدر تمويل «المساعدة الاجتماعية» لموظفي لقطاع العام) أظهرت تحقيق الخزينة العامة فائضاً بحوالي 30% خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، وتوقّعت وزارة المالية أن يبلغ مجموع الإيرادات حتى نهاية العام 2021 حوالي 15،122 مليار ليرة، بانخفاض 1.43% فقط مقارنةً مع العام 2020.خلال الأشهر الماضية، كانت أسعار الصرف المُتعدّدة واحدة من أدوات حاكم مصرف لبنان - بتغطية من السلطة السياسية - لتذويب خسائر القطاع المصرفي عبر نقلها إلى عامة المجتمع. وعلى رغم أنّ فكّ ارتباط الليرة بالدولار والتوقّف عن اعتماد نظام صرف ثابت أمر أساسي لتطبيق أي حلّ، إلا أن سلامة رفض في مراحل عدّة أي تعديل في «السعر الرسمي» حمايةً للمصارف، لأنّ رساميلها مُقوّمة بالليرة، فيما تحرير السعر سيؤدي إلى إعلان إفلاس معظمها. إلا أن تعديل سعر الصرف حالياً لن يؤدّي إلى إفلاس القطاع المصرفي، بعد أن اتّخذ سلامة القرار بالحفاظ على هياكلها. وفي هذا الإطار، يطرح الحاكم وضع سِعرَي صرف: الأول يكون بديلاً عن الـ1507.5 ويُعتمد للمعاملات المصرفية وفي علاقة المصارف بين بعضها البعض، فلا يتمّ القضاء على كامل رساميلها. والثاني سعر الصرف كما هو في السوق، ويُخصّص لكلّ المعاملات التجارية والاقتصادية، كالاستيراد والمبيع داخل لبنان. ويربط سلامة، وفق المصادر، تطبيق خطّته هذه بالحصول على قرض من صندوق النقد الدولي يُستخدم للتدخّل للحفاظ على سعر الصرف الجديد.
تعديل سعر الصرف لن يؤدّي إلى إفلاس القطاع المصرفي


محاولة الاتفاق على سعر صرف جديد، تأتي بعد طلب ميقاتي من خليل سحب موضوع «الدولار الجمركي» من التداول، وتأجيل النقاش به إلى ما بعد رأس السنة. التأجيل أتى بعد ضغوط مارسها التجار وأصحاب المؤسّسات السياحية، حتى لا ترتفع الأسعار بشكل كبير يؤدّي إلى تراجع الاستهلاك في فترة الأعياد. لكن معلومات «الأخبار» تُشير إلى أنّ الموضوع رُحّل إلى أمد غير معروف بسبب وجود معارضة شديدة ضدّه من أصحاب المصالح، إضافة إلى معارضة قوى سياسية تخشى تسبب ارتفاع الأسعار في خضة شعبية كبيرة على عتبة الانتخابات النيابية. في المقابل، طلب سلامة من وزير المال اعتماد سعر منصة صيرفة لوضع موازنة العام 2022، «بعد أن كان خليل ينوي وضعها بناءً على سعر الـ12 ألف ليرة للدولار». عملياً ما يُريده سلامة هو تشريع سعر «صيرفة»، وأن يُصبح هو المعمول به في كلّ المعاملات، ما يعني ارتفاع أسعار كلّ الخدمات التي يدفع ثمنها الناس. ولكن، ماذا عن تعديل الرواتب والأجور؟ «ما حدا بيحمل سلسلة رتب ورواتب جديدة»، تُجيب المصادر الوزارية.
تعديل سعر الصرف من دون تحديد برنامج الدولة الاقتصادي - الاجتماعي، واعتماد سعر صرف آخر لوضع الموازنة خارج أي خطة تعاف مالي - اقتصادي - اجتماعي، خطوتان جديدتان في مسار الإمعان في إفقار السكّان وعدم السماح بنهوض المجتمع. في خضمّ واحدة من أسوأ الأزمات المالية والاقتصادية والمالية في العالم، تُقرّر السلطة حرمان السكان من أي شبكة أمان اجتماعي، وتعتمد موازنة تقشفية بغية زيادة الواردات، وترفع أسعار الخدمات الأساسية، وتتعمّد انهيار العملة المحلية، من دون أن تهتم بتأمين الاحتياجات الرئيسية اللازمة لأبسط مقومات المعيشة.