في مقابل حملة أمنية وعسكرية لتأمين يوم الانتخاب، في 15 أيار، تستنفر قوى المعارضة والموالاة أيضاً، سياسياً وأمنياً. ورغم أن كلا الفريقين لا يحبّذان الحديث عن استعداداتهما، إلا أن وقائع ومعلومات حول ذلك يجري تداولها في شكل تصاعدي مع اقتراب يوم الأحد، في بلد ينتشر فيه السلاح الفردي في شكل واسع.قبل أيام من موعد الانتخابات، ارتفعت حدّة الخطاب السياسي، وهي مرشحة للارتفاع أكثر في الأيام المقبلة، ما يعكس صراعاً حقيقياً بين القوى السياسية، إلى درجة يبدو معها الاستحقاق أشبه بحرب، وليس مجرد تنافس ديموقراطي. وحملة التهشيم المتبادل تنذر بأن يوم الانتخابات قد لا يكون عادياً. والخشية الحقيقية تتعلق بمعلومات أمنية متداولة، معطوفة على مخاوف من تحوّل يوم الانتخاب إلى «كباش» ميدانيّ بين القوى السياسية. وتؤكد معلومات موثوقة أن ثمة استنفاراً مسلحاً لقوى حزبية، من موالاة ومعارضة، استعداداً ليوم الانتخاب، وأنه تمّ رصد حملة استقطاب في معظم الأحزاب الأساسية لشدّ العصب تحت شعار «حماية انتخاباتنا». وتلفت المعلومات الى أن دوائر يطغى فيها الحضور الحزبي، المعارض والموالي، هي تحت المعاينة لأنها قد تكون ساحة تنافس غير سياسي. وتلفت إلى حملة تجييش بين قوى في الموالاة واجتماعات تنسيقية وكلام عن حضور أمني مسلّح في بعض الدوائر التي تشهد تنافساً حاداً وتقديم خدمات متنوعة لبعض الحلفاء تتراوح بين تأمين حماية أمنية وسيارات مجهزة. في المقابل، فإن قوى في المعارضة في بعض الدوائر والمناطق، حيث العصب الحزبي والعائلي مشدود، جهّزت قواعدها وماكيناتها الانتخابية، وتطوّر الاستنفار الأمني الحزبي إلى حدّ يتعلّق أحياناً بمرشحين من لوائح واحدة.
هذا الاستنفار الذي يحاول المعنيون تفادي الكلام عنه، من شأنه عند أي احتكاك، قبل الوصول الى عمليات الفرز، أن لا يبقى محصوراً في المكان الذي قد تقع فيه بلبلة ما. وهو ما يضع القوى الأمنية، من جيش وقوى أمن داخلي، أمام تحدي النفاذ بهذا اليوم الطويل والتمكن من فرض الأمن داخل المراكز وخارجها، وخصوصاً أن تدخل عناصر أمنية وعسكرية من أحد الأجهزة في العملية الانتخابية بات متداولاً على نطاق واسع في دوائر معروفة دعماً لمرشحين على حساب آخرين.
ومن الطبيعي أن تكون قوى المعارضة أكثر تحسباً من غيرها لمحاولة المسّ بالانتخابات، كونها خارج السلطة. لكن هناك قوى في الموالاة تتحدث بوضوح عن وجود نيات من المعارضة «للدخول بقوة الى المناطق ذات النفوذ الموالي، وأيّ سعي منها لفرض أمر واقع لن يمرّ، وأن سعي المعارضة الى تحويل المعركة الانتخابية إلى معركة ميدانية لن يتمّ السكوت عنها».
كلام عن حضور أمني مسلّح في بعض الدوائر التي تشهد تنافساً حادّاً


في المقابل، تعبّر أوساط قوى حزبية في المعارضة عن مخاوفها من أن احتمالات تدخلات حزبية أو حتى أمنية موالية باتت كبيرة، وخصوصاً بعد ردّ فعل قوى السلطة على يوم الانتخاب الاغترابي، ومحاولتها إما قطف ثمار هذا اليوم، رغم أنها كانت ضده، أو تهميش نتائجه والتقليل من أهميته. لذلك، فإن ما جرى السكوت عنه في الانتخابات عام 2018 بحجّة التفاهمات والتسويات التي كانت قائمة وحتى التحالفات الانتخابية، حول أخطاء وعمليات أقرب الى تزوير الانتخابات في بعض المقاعد، لن يتكرر هذه السنة. فالتنافس الانتخابي كما جرى التعبير عنه في الأسابيع والأيام الأخيرة وعناوين المعركة السياسية، ينذر بأن «التزوير الانتخابي» لن يتعلق فقط بلحظة احتساب النتائج، بل بكلّ مراحل العملية الانتخابية، وضمان حرية تحرك المناصرين والناخبين طوال اليوم الانتخابي والوصول الى مراكز الاقتراع. لذلك ثمّة استنفار وتنظيم عملاني لحماية وصول المندوبين وتأمين حضور الماكينات الحزبية وعدم التعرض لها، وصولاً الى مرحلة فرز الأصوات ومراقبة الصناديق والتأكد من عدم حصول عمليات غش.
بين القوى المعارضة والموالاة ستشتدّ حكماً التوترات السياسية يوم الانتخابات، وقد لا تبقى سياسية فقط. المفارقة بين الطرفين أن المستقلين ومرشحي المجتمع المدني سيكونون خارج هذا النوع من شدّ العصب والتنافس الميداني، كونهم ليسوا أبناء هذا الموروث من الحضور السياسي، وخارج المنظومات الحزبية بوجوهها القديمة والجديدة. وقدرة الجيش وقوى الأمن على مواجهة هذا التجييش الميداني ستكون على المحكّ. لكنها لن تكون كافية إذا كان هناك قرار سياسي بعدم إبقاء الطابع السلمي للانتخابات. لأن خطورة حملات الاستفزاز والعصبيات المتبادلة أنها توقظ الفتنة عن دراية أو غير دراية. حادثتا قبرشمون وعين الرمانة مثال على ذلك. والأيام الفاصلة عن موعد الانتخابات يفترض أن تكون مناسبة لسحب كل ذرائع التوتر ومعها الاستعدادات الميدانية.