طغت الإيجابية على تعليقات معلنة وغير معلنة في بيروت وتل أبيب حول مسودة الاتفاق المقترح من الولايات المتحدة لتحديد المناطق الاقتصادية الخاصة بالجانبين في البحر. ورغم إعلان الجانبين عن وجود ملاحظات على بعض ما ورد في المسوّدة، إلا أنه لم يبدُ حتى ليل أمس بوجود ما يمكن أن يعطل الموافقات المبدئية، التي يفترض أن تتحول خلال أيام إلى أوراق رسمية توضع في حوزة الأمم المتحدة ضمن إجراء بروتوكولي يختتم في الناقورة.وبخلاف الانقسام الحاد في كيان الاحتلال حول الموقف من الاتفاق، لم تشهد بيروت تسريبات أو تصريحات تشي بوجود خلافات بين المسؤولين عن الملف. لكن المؤكد أن هناك نقاشاً جدياً على شكل الملاحظات. ويفترض أن يعقد الرؤساء الثلاثة اجتماعاً اليوم للبت في العناوين الرئيسية للموقف اللبناني قبل تحويله إلى ورقة ترسل إلى الجانب الأميركي خلال 48 ساعة كرد رسمي من الدولة اللبنانية.
ومنذ ساعات ما بعد ظهر أول من أمس، بدأت الفرق المتخصصة لدى الرؤساء الثلاثة، وكذلك لدى حزب الله، العمل على المسودة وترجمتها والتدقيق في نصوصها وفي الإحداثيات المرفقة معها وفي أدقّ التفاصيل. وجرت أكثر من ترجمة غير رسمية للمسودة لدرس النقاط ووضع الأسئلة والملاحظات التي تبادلتها بين الأطراف المعنية، على أن يصار إلى حسمها بصورة تمهيدية في اجتماع استشاري - تقني - عسكري ظهر اليوم في القصر الجمهوري بمشاركة نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم ومستشار الرئيس نبيه بري علي حمدان ووفد عسكري بقيادة رئيس قسم الهيدروغرافيا في الجيش العقيد عفيف غيث.
وعند الثالثة يستقبل الرئيس ميشال عون الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي لعقد خلوة، مع احتمال انضمام الفريق الاستشاري والتقني إليها لتقديم التصور الأولي الذي ستتم صياغته كرد لبنان على المقترح الأميركي قبل تثبيته وإرساله رسمياً إلى الولايات المتحدة خلال يومين على أبعد تقدير، ربطاً بمسار زمني يفضله الأميركيون، قبل انعقاد المجلس الوزاري المصغر في كيان الاحتلال الخميس المقبل لإقرار المسودة وإبلاغ الأميركيين بالجواب على ضوء الموقف اللبناني.
وقال مصدر رسمي إن هناك تفاصيل إضافية تتعلق بالجانب الشكلي على أن يتم الاتفاق على موعد يتوجه فيه الأطراف إلى الناقورة حيث يسلم لبنان وإسرائيل، كل على حدة، المسودة الموقعة إلى الأمم المتحدة في حضور ممثل عن الولايات المتحدة.
وبحسب المصدر الرسمي فإن لبنان كان واضحاً في أنه لا يتم توقيع معاهدة أو اتفاقية بين بلدين، وأن كل حديث عن ضرورة إحالة الاتفاق إلى مجلس النواب لإقراره ضمن قانون يشكل خرقاً لمبدأ مقاطعة التطبيع. وأكد أن لبنان كان حاسماً أمام الوسيط الأميركي بأنه لن يكون هناك توقيع لبناني على ورقة إلى جانب توقيع إسرائيلي، وأن لبنان سيرسل ما يتفق عليه في رسالة صادرة عن الجهات المعنية في لبنان إلى الأمم المتحدة، وهو ما يفترض أن يقوم به كيان الاحتلال.

مسودة الاتفاق
تقع مسودة الاتفاق التي اطلعت عليها «الأخبار» في عشر صفحات تتضمن مقدمة وخاتمة تعيدان التذكير بالمفاوضات منذ عام 2020 واتفاق الإطار، وجولات التفاوض في الناقورة وطلب تدخل الولايات المتحدة في إدارة التفاوض غير المباشر، كما تشتملان على الإحداثيات الخاصة بالنقاط المتعلقة بالخطوط أو البلوكات المفترض حسم تبعيتها في المنطقة الاقتصادية لكل من الطرفين، ومقترحات حول الرسائل المفترض أن يوقع عليها لبنان وإرسالها إلى الأمم المتحدة، وتؤكدان ضمانة الولايات المتحدة والأمم المتحدة لتنفيذ البنود الواردة في الاتفاق.
أما الفقرات التي تهتم بالنقاط الرئيسية فتقع في 4 صفحات تضمّنت المواد التي تحسم بأن هذا الاتفاق ليسَ ترسيماً بقدر ما هو تفاهم يسمح للبنان بالتنقيب عن ثروته البحرية ضمن الحدود التي طالب بها، ولا تزال هناك نقاط عالقة يجري البحث بها في وقت لاحق، مع فصل الترسيم البري عن البحري. وبدأت المسودة بتحديث خط الإحداثيات (خطوط الطول والعرض) المتعلقة بالخط 23 الذي طالب به لبنان. وتنص المسودة على أن الحدود البحرية عند البرَ لأقصى نقطة شرقية من خط الحدود البرية يتم تحديدها في سياق آخر أو في وقت لاحق، أي أن المنطقة الآمنة التي تحدث عنها العدو (خط الطفافات) لا يشملها الاتفاق.
وتنص المسودة أن على أن يقدّم كل من طرفي النزاع لائحة بالإحداثيات الجغرافية الخاصة بالحدود البحرية ويجري إيداعها لدى الأمم المتحدة لتحل مكان الإحداثيات القديمة. وأن هذا الاتفاق بالنسبة للطرفين يعني حلاً عادلاً ودائماً للنزاع البحري بينهما.
أما في ما يتعلق بحقل قانا، فتشير المسودة إلى أن «هناك مكمناً نفطياً محتملاً غير محددة جدواه الاقتصادية موجود في البلوك رقم 9 من جهة لبنان و72 من جهة إسرائيل وهو بكامله للبنان»، وأن الطرف المشغل لأي حقوق من الجهة اللبنانية والمعنية بالاستثمار يجب أن تتألف من أكثر من شركة من الشركات الدولية الكبيرة على أن لا تكون خاضعة للعقوبات الأميركية أو مسجلّة في لبنان أو في إسرائيل.
وتؤكد المسودة أن لبنان لن يدفع أي مقابل مالي أو تعويض من حصته لإسرائيل، إذ إن الشركة المشغلة للبلوك رقم 9 أو حقل قانا هي من ستدير نقاشاً منفصلاً مع إسرائيل لتحديد التعويض الملائم للحقوق الاقتصادية لإسرائيل، بمعنى أن ما ستدفعه الشركة لن يكون من حصة أرباح لبنان.
كما تنص المسودة على أن إسرائيل لن تعترض على النشاطات في الجزء الجنوبي من حقل قانا مثل المناورات البحرية وأن الشركات لن تكون ملزمة بطلب الإذن للعمل في هذا الجزء الجيب الخارج عن الخط 23. كما أن إسرائيل لن تقوم بأي نشاط في المكامن الممتدة لهذا الحقل إذا كانَ هذا العمل يقتطع من الكمية المترسبة في المكمن الجنوبي.

الملاحظات وموقف الرؤساء
ومباشرة بعد تسلم الرؤساء الثلاثة نص المسودة أول من أمس، جرت اتصالات واسعة من بينها ما استهدف اطلاع قيادة حزب الله على التفاصيل للحصول على موقفه. وقد تبين أن هناك بعض التباين بين مساعدي الأطراف المعنية حيال بعض الأمور. إذ بخلاف ما سبق أن أبلغه الوسيط الأميركي للجانب اللبناني بأن الإحداثيات الواردة في المسودة هي نسخة عن تلك التي أرسلها لبنان إلى الأمم المتحدة، فإن دراسة أولية للخط من قبل أحد الاختصاصيين أظهرت احتمال بقاء نحو 1430 متراً مربعاً تحت الاحتلال، وهو ما قد يتطلب نقاشاً أو تصويباً.
وحول موقف الرؤساء الثلاثة من المسودة والاتفاق، علم أن الرئيس عون يبدي مرونة كبيرة ويتجه للموافقة الكاملة، بعد إبلاغ الجانب الأميركي الملاحظات الضرورية، وهو الموقف نفسه الذي سيتخذه الرئيس ميقاتي الذي لا يريد أن يظهر في صورة المعرقل، ويترك الأمر للرئيس بري الذي يؤكد على أهمية أن يكون الاتفاق من ضمن مندرجات اتفاق الإطار، وأنه حتى ولو وجدت ملاحظات من الضروري ذكرها، وقد يعلن موافقة مع إبداء التحفظ الذي لا يعطل الاتفاق سريعاً على الأمر. لكن بري قال إنه سيرفض بالمطلق أي اتفاق يطعن في السيادة اللبنانية الكاملة على المنطقة الاقتصادية الخالصة في البحر.

إسرائيل: إرباك وتسويق
في الجانب الإسرائيلي، تعمد مسؤول سياسي كبير كما اسمته وسائل الإعلام العبرية عرض تفاصيل الاتفاق أمام مجموعة من الصحافيين، محاولاً التركيز على «الإيجابيات»، وهو ما بدا رداً على الانتقادات الواسعة من جانب المعارضة. وبدا قرار التسريب في سياق محاولة من حكومة العدو لتسويق الاتفاق على أنه إنجاز أمني واقتصادي للعدو.
مسودة الاتفاق: 10 صفحات تثبت الحقوق واقتراحات الوثائق


ونقل موقع «واللا» عن المسؤول السياسي أن مستشار الأمن القومي إيال حولتا التقى بالوسيط الأميركي عاموس هوكشتين ثلاث مرات في الأسبوعين الماضيين للتأكد من أن مسودة الاتفاقية ستكون مقبولة لدى إسرائيل حتى قبل تسليمها إلى الأطراف الرسمية. وأشار إلى أن إسرائيل لم ترسل بعد رداً رسمياً إلى الولايات المتحدة بشأن مسودة الاتفاقية. لكنه شدد على أن الاقتراح الأميركي مقبول لدى رئيس الوزراء يائير لابيد ووزير الدفاع بيني غانتس ورئيس الوزراء المناوب نفتالي بينيت.
وقال المسؤول إن النقاط الرئيسية للاتفاقية تشتمل على:
- تكون منصة غاز «كاريش» تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة.
- يتم بناء منصة حفر لبنانية في حقل قانا وتحصل إسرائيل من شركة «توتال إينرجي» على تعويضات مالية عن جزء الحقل الموجود في أراضيها.
- يتم ترسيم الحدود البحرية في الغالب على أساس الخط 23، ما يعني أن معظم الأراضي المتنازع عليها ستكون تحت السيطرة اللبنانية.
- أول 5 كيلومترات من الخط الحدودي سترتكز على «الخط الأمني» الإسرائيلي وهو خط «ضروري لإسرائيل من ناحية أمنية».
وقالت وسائل إعلام العدو إن الاتفاق سيكون ملزماً، وسيوضع لدى الأمم المتحدة بشكل يتم تثبيته بالقانون الدولي. وستقدم إدارة الولايات المتحدة ضماناتها لتنفيذه، وكذلك الحكومة الفرنسية التي تمتلك غالبية أسهم «توتال».
ونقلت وسائل إعلام العدو عن مسؤولين إسرائيليين أن تثبيت «خط الطفافات» مهم للغاية لأسباب أمنية لأنه «حتى اليوم كانت إسرائيل تتصرف داخله بشكل أحادي. هذه منطقة حساسة من الناحية الأمنية. والإقرار بها سيسمح لنا بالتعامل معها على أنها قطاع حدودي شمالي».