عشية انتخابات رئاسة الجمهورية في 17 آب 1970، عند الوصول إلى ترشيح وزير الاقتصاد آنذاك سليمان فرنجية، كان الرئيس كميل شمعون مرشحاً بدوره كما رفيقيه في «الحلف الثلاثي» بيار الجميّل وريمون إده. بغية إقناع الرئيس السابق بالتخلي للمرشح الزغرتاوي المتفق على أنه القادر على الفوز، بصوته على الأقل، في مواجهة منافسه الشهابي الياس سركيس، ذهب فرنجية إلى شمعون، واكتفى بالقول له عبارة واحدة كانت كافية لأن لا يختلفا ولا يحردا ولا يعاندا ولا يكابرا ويسلما بالتعهد الأخلاقي. قال فرنجية لشمعون: عام 1952 تخلّى شقيقي حميد لك كي تُنتخب بأفضل إجماع وطني، وانسحب رغم أنه منافس ويحظى بتأييد كبير. الآن حان أوان ردّ الدين.
يتصرّف الجميع حيال الانتخابات الرئاسية كأنها جائزة «لوتو» بينما هي كرة نار حقيقية(هيثم الموسوي)

مع أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير في 11 تشرين الثاني حدّد مواصفات الرئيس الذي يريده من دون أن يسميه، دارت التكهنات من حول اثنين فقط: سليمان فرنجية وجبران باسيل. تقدّم الأول على الثاني في التكهنات نفسها لدوافع شتى، منها العقوبات الأميركية عليه، ومنها أنه مجرَّب والتيار الوطني الحر في العهد السابق في ولاية الرئيس ميشال عون، ومنها تعذّر توافر أوسع تأييد وطني من الكتل والطوائف كلها. تلك الدوافع السلبية امتيازات لفرنجية.
مع أنه لم يقل جهاراً بعد أنه مرشح، وإن لم يستبعد ترشيحه ويفترضه الجميع طبيعياً وحتمياً، للنائب السابق لزغرتا وجهة نظر في الترشيح والاستحقاق يسمعها منه المطّلعون على موقفه.
ما يرويه هؤلاء «أنا حاضر للاحتمالات كلها. للرئاسة أو لعدم الوصول إليها. الأفرقاء يتناحرون اليوم عليها كأنها جائزة لوتو بينما هي في الواقع كرة نار حقيقية. كل الرؤساء الذين تعاقبوا حملوا الرئاسة كرة نار، والرئاسة كانت دائماً كرة نار. لن أعيد ما كان يقوله البعض في ما مضى بأن انتخابه كان تضحية منه، بل إنني سأتحمّل مسؤوليتها. نحن في بلد في انهيار أقرب ما يكون إلى أنقاض. مع ذلك ننقسم من حول رئاسته. لا أعرف ما إن كنت سأنجح أو سأفشل. ما أعرفه هو أنني سأحاول وسأبذل جهدي كي أنجح. لا يعني الوصول إليها هدفاً في ذاته. المرة الأخيرة تخليت عنها وأنا لا أتمسك بها الآن إن لم تكن هناك فرصة للإنقاذ والنجاح. النجاح يفترض أولاً تحمّل المسؤولية».

ماذا عنه أنه مرشح تحدّ كما يصفه خصومه الذين لديهم أيضاً مرشح تحدّ، بينما الرئيس نبيه برّي ينادي بالتوافق؟
«الرئيس التوافقي ليس المنتخب توافقياً فحسب، بل الذي يتصرّف كذلك. طبعاً أنا فريق في مشروع وخط وأتمسك بموقعي فيهما، لكنّ انتخابي رئيساً يحتّم عليّ أن أكون للبنانيين جميعاً موالين ومعارضين، وليس لخطي ومشروعي فقط. أنا أنفذ ما يمكنني تعهّد القيام به لا أقل ولا أكثر. لا أعد بما لن أفعله لكنني أعد بما لن أفعله. ما أستطيع التنازل عنه هو ما أعلنه، وما لا أستطيع التنازل عنه لن أخفيه. أعرف ماذا لديّ وما يمكنني فعله. لن أكون رئيس فريقي وحده، لكنني أعطي المقاومة ما لا يعطيها إياه الخصم أو العدو. أنا أفعل ما أقوله. لا ننسى بأننا في بلد محكوم بموازين قوى وتوازنات سياسية وطائفية تقيّد القدرة على التحرك. العاجز عن مواجهة المقاومة سيتأكد أن انتخابه سيجعله أكثر عجزاً عن التفكير في ضربها غداً. الأمر الواقع يفرض إرادته على الجميع، وكذلك التوازنات الداخلية. أما محاولة الانقلاب عليه فليس مؤداها إلا تخريب البلد من دون أن يقدم أي حل. نحتاج إلى الروية في التفكير والتصرف لمعالجة مشكلاتنا كلها بما فيها سلاح المقاومة. هو قائم منذ ما قبل انتخابي إذا انتُخبت، ولا هو في حاجة إلى تغطيتي وحمايتي له. أوافق السيد حسن نصرالله على ما قاله أخيراً أن المطلوب رئيس لا يطعن المقاومة في ظهرها. ما سأفعله أنني لن أتآمر على المقاومة، ولن أتآمر على خصومها وأعدائها.
ما يُنقل عنه قوله: «لن آتي كي أنتقم من أحد، ولا لتصفية أي حساب مع أي أحد. لا عن الماضي ولا عن المستقبل سلفاً، ولن أغلّب فريقاً على آخر».

هل هو قادر على إعادة بناء دولة شبه منهارة؟
«في ماضيَّ السياسي بين عامي 1990 و2005 كنت وزيراً ونائباً، ولم أطلب مرة أمراً لنفسي. ما يفترض أن أكون في صدده هو المشروع الوطني الجامع المتفق عليه بين الجميع، مع ضرورة قبول التباين في وجهات النظر عند هذا الفريق أو ذاك. لكن بالتوافق والتفاهم من أجل المصلحة العامة يمكننا تذليل الخلافات. أما أن يكون هناك مشروعان سياسيان متباعدان، فهما حتماً سيتعطلان. كل منهما سيعطّل الآخر.
مشكلتي مع بعض الأفرقاء المسيحيين عداوة كار

لمست ذلك عندما كنت وزيراً للداخلية عامي 2004 و2005 عندما كنا في صدد وضع قانون الانتخاب حينذاك. إذا تمسك كل طرف بمشروعه سنكون بالتأكيد أمام مأزق ومعضلة. إذا توافقنا داخلياً يأتي الغطاء الخارجي لدعم هذا التوافق وسيكون عاملاً مساعداً في الحل، بينما العكس غير صحيح. الخارج لا يستطيع فرض توافق علينا وسيتركنا نتخبط في مشكلاتنا على نحو ما نحن عليه الآن. بناء الدولة والاقتصاد قابل للحل إذا أردنا ذلك فعلاً وتحاورنا. ليست مشكلاتنا كلها متساوية في تداعياتها. ثمّة أولويات يقتضي مراعاتها تطاول اللبنانيين وطوائفهم جميعاً، ولا تقتصر على فئة أو طائفة دون سواها. أولويتنا الأولى وقف الانهيار ومعالجة المشكلات الاجتماعية والمعيشية والنقدية والإصلاحات، وهي كلها قابلة للحلول إلا إذا لم نكن نريد ذلك. وضع سلاح حزب الله في أولى الأولويات ونحن نعرف أننا كلبنانيين غير قادرين على إيجاد حل له، مؤداه أننا نعطل حل مشكلاتنا الداخلية التي يسهل التوافق عليها في انتظار بتّ مصيره. سلاح حزب الله بُعده إقليمي ودولي ونحن غير قادرين بمفردنا على تسويته. مشكلاتنا اليومية تتوالى منذ عام 2019 ولا تحتمل انتظار أي مسألة أخرى ولا تحتمل التأجيل لئلا نصل إلى قعر القعر. أمامي سلم أولويات نعالجها بالتوافق تباعاً».

هل هو متيقن من حصوله على تأييد خارجي لانتخابه؟
بحسب المطّلعين على موقفه، فإن «الاتصال قائم بيني وبين الأميركيين والفرنسيين. طبعاً همم ليسوا أصدقاء لحزب الله ولا لسلاحه، ويعرفون موقعي في المشروع السياسي والخط. مع ذلك هناك اتصال بيننا واحترام متبادل. الفرنسيون دعموا ترشّحي عام 2016 وهو ما قاله لي الرئيس فرنسوا هولاند في مكالمته الهاتفية معي. إلى الآن لم أسمع من الأميركيين والفرنسيين أنهم مع انتخابي، لكنني لم أتلقَّ أي رسالة سلبية معاكسة أنهم يعترضون عليّ أو لا يريدونني. الأمر نفسه بالنسبة إلى السعودية. لا تواصل مباشراً لكن لا رسائل سلبية وصلتني منها. بعض الأصدقاء يحملون إليّ رسائل ودّ غير مباشرة. ليس هؤلاء المشكلة، ولا الأفرقاء اللبنانيون الذين يتحدثون معي كالرئيسين نبيه برّي وسعد الحريري. المشكلة في عداوة الكار بيني وبين بعض الأفرقاء المسيحيين. سؤالي لهؤلاء: مشكلتهم هي مع رئيس ينجح أم مع رئيس يفشل؟».