مقالات مرتبطة
هكذا عادَ البيطار ليستأنف مهمته بلا «إحم ولا دستور». ولم تكُن هذه العودة مفاجئة بقدر ما تحمِل فجاجة لا نظير لها، جرى التخطيط لها مع رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبّود الذي هيأ لها الأرضية، بإحالته قبلَ 3 أسابيع برقية إلى البيطار يطلب فيها متابعة ملف الموقوفين الذين يبلغ عددهم 17 موقوفاً، ودرس طلبات إخلاءات السبيل، علماً أن يده مكفوفة منذ كانون الأول 2021، مؤكداً أن له الحق في اتخاذ القرارات. كذلك مهّد لها البيطار نفسه بعدَ استقباله (قبل أسبوع) وفداً من قاضيين فرنسيين مُكلّفَين بتحقيق فرنسي حول الانفجار في مكتبه في قصر العدل في بيروت، في خطوة غير مبررة قانوناً باعتبار يده مكفوفة. وتحدث يومها عن أن القاضي إيلي الحلو بعث له بمباشر يبلغه أن هناك طلب رد بحقه. لكن مصادر الحلو نفت ذلك وقالت إنه ليس لديه أي جديد. واتهمت مصادر في قصر العدل القاضي البيطار بأنه اخترع الأمر لنقل الاجتماع مع الوفد الفرنسي إلى منزله في وقت لاحق من تلك الليلة. وهو، بين اللقاءين، صرح لموقع «المدن» بـ«أنني لن أتنازل عن ملف المرفأ تحت أي ضغط، ولن أتنحى عن هذه القضية».
يأتي قرار إعادة البيطار إلى الملف ليعكس حجم التدخل الخارجي الذي وجد القضاء اللبناني نفسه في شباكه، والذي ارتسم بوضوح بعد الحديث عن تعيين قاضٍ رديف يتولّى اتخاذ عدد من القرارات إلى حين البت في الدعاوى المقدمة ضد البيطار. والشواهد على ذلك كثيرة، ليَس أولها ولا آخرها تهديد السفير الألماني أندرياس كيندل عبود بالعقوبات منعاً لتعيين بديل عن البيطار (راجع «الأخبار» - الأربعاء 28 أيلول 2022). فضلاً عما قيل على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية، وتحديداً خلال زيارات الوفود القضائية الأوروبية إلى بيروت، بـ «مكبرات الصوت» وعلى الشاشات وفي الشارع الذي استعرت ناره فجأة، عن أثمان إبقاء القاضي بيطار بعيداً عن الملف، وضرورة تدويل القضية.
خطوة البيطار جاءت بإسناد أوروبي وبعدما مهّد لها سهيل عبود منذ ثلاثة أسابيع
عملياً ارتسمت علامات استفهام حول هذه العودة، ربطاً بما سبقها من ملابسات، يُمكن سردها وفقَ الآتي:
أولاً، المحاولات المتكررة للقاضي سهيل عبّود بتطيير نِصاب جلسات مجلس القضاء الأعلى التي كان يفترض أن تنعقِد لتعيين قاض رديف عن البيطار (يجري التشاور بين بعض أعضاء المجلس حالياً بإمكانية الاعتصام إلى حين انعقاد الجلسة).
ثانياً، تعذر تعيين رؤساء محاكم تمييز أصيلين (تتألف منهم الهيئة العامة لمحكمة التمييز) مع إصرار عبود على تعيين «جماعته» من القضاة، وهم: رندى كفوري، جانيت حنا وناجي عيد (راجع «الأخبار» - الأربعاء 16 شباط 2022).
ثالثاً، ارتفاع حماوة الشارع والتهديد بالتصعيد الميداني بهدف إعادة البيطار.
رابعاً، طفرة هائلة من التصريحات السياسية الموجهة ضد فريق سياسي وهو حزب الله، واتهامه بتعطيل التحقيق لطمس الجريمة باعتبار أنه المسؤول عنها.
خامساً، ضغط أميركي لتحريك ملف انفجار مرفأ بيروت، بعدما طلبت السفيرة الأميركية دوروثي شيا البتّ بمصير مسؤول أمن المرفأ محمد زياد العوف الذي يحمل الجنسية الأميركية، والذي مارست عائلته ضغوطاً على أعضاء في الكونغرس الأميركي للتدخل لإطلاق سراحه، وتلويح هؤلاء الأعضاء بتحريك لجنة نيابية أميركية تعنى بالرهائن الأميركيين خارج الولايات المتحدة، والتعامل مع الموقوف على أنه رهينة، مع التداول بمعلومات تشير إلى تلقي عبود وبعض القضاة تهديدات بالتعرض للعقوبات في حال عدم تحريك الملف.
سادساً، زيارة الوفد القضائي الفرنسي الذي تعامل معه البيطار وفقاً لمصلحته السياسية، وقد بدأ يتظهر أن اللقاء لم يكُن مقتصراً على «طلب التعاون»، فبعد الاجتماع لمّحت مصادر مطلعة إلى «مفاجأة قريبة في التحقيقات في ملف تفجير مرفأ بيروت من دون الخوض في التفاصيل».
بناء على هذا الربط البديهي، برزت قراءات عدة لخلفيات العودة تخوّفت خلالها مصادر مطلعة من «وجود نية لإعادة توجيه ملف تفجير مرفأ بيروت والاستثمار به سياسياً ضد الفريق الحليف لحزب الله»، متسائلة: «لماذا قرّر البيطار العودة بعد أكثر من عام، وأين كانَ هذا الاجتهاد الذاتي الذي استند إليه لتبرير وضع يده على الملف؟».
واعتبرت المصادر أن خطوة البيطار المفاجئة بإخلاء سبيل 5 موقوفين، من دون كفالة، مع منعهم من السفر (المدير العام السابق للجمارك شفيق مرعي، مدير العمليات السابق في المرفأ سامي حسين، مدير المشاريع في المرفأ ميشال نحّول، متعهد أشغال في المرفأ سليم شبلي، والعامل السوري أحمد رجب) تحتمِل الكثير من التفسيرات، منها أنه يحاول تكريس عودته باتخاذ إجراءات عملية، لافتة إلى أن استثناء المواطن الأميركي الذي طالبت السفيرة الأميركية بإطلاق سراحه ليسَ سوى «حركة تمويه» بعدم وجود أي ضغط.
في كل الأحوال، هذه الإخلاءات ستنتظر موقف النيابة العامة التمييزية، التي علمت «الأخبار» أنها في صدد تحضير ردّ «مدوٍ» على البيطار يؤكد أن «ما يقوم به هو هرطقة». بينما استبعدت مصادر في وزارة العدل أن يسمح عبّود بانعقاد مجلس القضاء الأعلى الذي أحال إليه وزير العدل هنري خوري نسخة من القرار الصادر عن المحقق العدلي للإطلاع عليه «لما يمكن مما تقدم التأثير على مجريات هذا الملف وحسن سير العدالة، وبخاصة لناحية وجوب المحافظة على سرية التحقيق».
كذلك، تداولت المعلومات قرار البيطار الادّعاء على ثمانية أشخاص جُدد بينهم سياسيون وقضاة والمدير العام للأمن العام عباس إبراهيم والمدير العام لأمن الدولة طوني صليبا، مُحدّداً «مواعيد لاستجواب المُدّعى عليهم الجدد وأرسل مذكرات التبليغات إلى النيابة العامة التمييزية، ليتم طلبهم إلى التحقيق الأسبوع المقبل.
خطوة البيطار استغربتها جهات دستورية وقالت إنها «تحصل للمرة الأولى. ورغمَ الاجتهاد لكن ليسَ بالضرورة أن تكون الخطوة قانونية»، إذ «كيف يمكن القول إن المجلس العدلي والمحقق العدلي كالنيابة العامة التمييزية، ثم اعتبار أنه لا يمكن تنحية المحقق العدلي علماً أن النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات متنحٍ عن ملف المرفأ، كما جرى رد المحامي العام العدلي القاضي غسان الخوري، وأخيراً جرى تقديم طلب لرد المحامي العام التمييزي القاضي عماد قبلان». أما في السياسة، فاعتبرت المصادر أنه يجب انتظار مفاعيل الخطوة لاحقاً، فإما أن ينفجر الملف مجدداً وإما أن تكون خطوة البيطار مجرد «قنبلة دخانية».