وأكّدت مصادر دبلوماسية شرقيّة لـ«الأخبار» أن وفداً سورياً رفيع المستوى، من المرجّح أن يزور العاصمة الصينية قريباً لعقد اجتماعات على مستويات عالية مع المسؤولين الصينيين لتداول تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، والدور الصيني في مساعدة سوريا على تجاوز أزمتها الاقتصادية. وقال مسؤولون في سوريا إن الزيارة ستكون «مهمة جداً»، وإن الأسد سيلتقي الرئيس الصيني شي جين بينغ في احتفال رسمي.
زيارة الأسد، ستشكّل محطّة استراتيجية في مسار العلاقات السورية ـ الصينية، وجرعة قويّة إضافية للدور الصيني في المنطقة، بعد دور بكين في تحقيق المصالحة السعودية ــ الإيرانية ربيع هذا العام، والتي بدأ مسارها مع عقد الرئيس الصيني ثلاث قمم في السعودية في كانون الأول 2022، ومؤشّراً جديداً إلى التحوّل في سياسات الصين الخارجية، إذ إن زيارة وزير الخارجية الصيني وانغ يي في تموز من عام 2021 لدمشق ولقاءه الأسد ضمن جولته على المنطقة، أعطيا مؤشّراً قويّاً إلى تخلّي الصين التدريجي عن مراعاة الغربيين في ما يخصّ العلاقة الرسمية مع سوريا، وإعلان عن مرحلة سياسية جديدة دخلتها دمشق وقتها بعد 10 سنوات من الحرب.
الزيارة هي سياسيّة أوّلاً، وتؤكّد حرص الصين على تثبيت شرعية الدولة السورية والرئيس الأسد على المستوى الدولي، رغم محاولات الأميركيين عرقلة مسار المصالحة العربية ـ السورية، وحرمان الدولة السورية من استثمار التقدّم السياسي ببسط السيطرة الكاملة على الأرض السورية وإيقاف الانهيار الاقتصادي والنزيف الاجتماعي وعرقلة أيّ جهود لإعادة الإعمار.
كما تؤكّد الزيارة رغبة الصين بتوسيع دورها وحضورها في الشرق الأوسط، وتوجيه رسائل إلى الإدارة الأميركية عن تجاهل المآخذ الغربية التي كان الصينيون يراعونها في السنوات الماضية، على الرغم من مواقفهم الصلبة في مجلس الأمن تجاه القضية السورية.
وتصبّ الخطوط العامة للسياسة الصينية، في ما حدث أخيراً من تغيّب الرئيس الصيني عن قمّة العشرين في الهند. وهو سبق أن أكّد العام الماضي من قمّة العشرين في إندونيسيا، أن حضوره رغم التباينات بين الدول الحاضرة سببه أنه «رجل دولة ويجب أن تكون لديه قدرة على الحضور والحوار»، بينما لم يحضر هذا العام. وبعد وقائع قمة العشرين، تسود شكوك بأن يشارك الرئيس الصيني في اجتماع منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ، الذي من المفترض أن ينعقد في سان فرانسيسكو في تشرين الثاني المقبل، في إطار التصعيد وتوجيه الرسائل إلى الأميركيين.
تطمح سوريا إلى الحصول على دعمٍ صيني يساعد في إعادة الإعمار للقطاعات الخدماتية العامة
أما البعد الاقتصادي للزيارة، فيأتي في ظلّ الحصار الخانق الذي تعانيه دمشق جرّاء الدور الأميركي المباشر بالعقوبات والاحتلال العسكري ونتائج الحرب المدمّرة.
ومن المفترض أن يكون إعلان الكوريدور الهندي ـ العربي ـ الإسرائيلي ـ الأوروبي بدفع أميركي، قد حفّز الصينيين على تفعيل خطط «حزام وطريق» التي تعقد بكين مؤتمراً حولها الشهر المقبل بمناسبة مرور 10 سنوات على إعلانه. وتقع سوريا على أحد الخطوط المحتملة لهذا الخط الاقتصادي المهمّ. فأحد أبرز طرق وصول «حزام وطريق» إلى أوروبا يمرّ بالبحر المتوسّط، ما يعني المرور بسوريا من العراق وإيران وقبلها أفغانستان وباكستان. وإذا كانت الصين مضطرّة لتجاوز روسيا في خطوطها الأوروبية نظراً إلى تفاقم الصراع الروسي ـ الأوروبي، فإن المرور من إيران نحو أوروبا، يحمل طريقين رئيسيين، الأول عبر إيران ـ تركيا (احتمال إيران ـ العراق ـ تركيا)، أو عبر إيران ـ العراق ـ سوريا، ومنها إلى تركيا، عبر ميناء اللاذقية وعبر النقل البرّي. ويعزّز الاتفاق الذي تم توقيعه بين إيران والعراق أخيراً لإنشاء سكّة حديد، من الاهتمام الصيني بهذا المسار. مع الإشارة إلى أن «حزام وطريق»، ليس ممراً للنقل أو جسراً فحسب، إنّما يتضمّن بنية لوجستية متكاملة لمحطات تقدّم خدمات متنوّعة، من المواد الأولية والطاقة إلى الخدمات اللوجستية والأسواق للمُنتجات الصينية.
كذلك يدفع التنافس الصيني ـ الهندي، وزيادة حضور الهند في الشرق الأوسط، بكين، نحو البحث عن خطوط أكثر ثباتاً، ولا سيّما بعد الضغوط الأميركية على إسرائيل لإخراج الشركات الصينية من ميناء حيفا.
من جانبها، تطمح سوريا التي تشتدّ فيها الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، إلى الحصول على دعمٍ اقتصادي صيني يخفّف من حدّة الانهيار، ويؤسّس لبدء حقيقي لإعادة الإعمار بدعم من الحكومة الصينية. ويتلاقى الشعور السوري بعدم التعويل على أي تحوّل في الموقف الأوروبي تجاه سوريا نتيجة الضغط الأميركي والحسابات الأوروبية الداخلية، مع الشعور الصيني بالضعف الأوروبي، ولا سيّما بعد الإعلان غير الرسمي عن خروج إيطاليا من مبادرة «حزام وطريق»، ما يدفع الصينيين والسوريين إلى البحث عن تمتين أكبر للعلاقات.
وكان المسؤولون السوريون والصينيون قد ناقشوا سابقاً، حزمة من مشاريع البنية التحتية، ولا سيّما في قطاعات الكهرباء والتعدين والنقل والصرف الصحي والمياه، والتي تحتاج إليها سوريا وتشكّل أرضية لمشروع «حزام وطريق»، وكذلك تلقّي دمشق هبات في مشاريع إنسانية، لدعم الشعب السوري في نواحي الصّحة والتربية ومجالات أخرى. وسبق أن طُرح مشروع دعم الصين لترميم المستشفيات السورية، بكلفة تقارب حوالي 250 مليون دولار.
لكن يبقى السؤال، هل ستنعكس زيارة الأسد بشكل مباشر على الأرض؟ أم أن التحوّل الصيني سيستمر بمساره البطيء على الضفة الشرقية للمتوسط؟ بينما تتسارع المشاريع الأميركية وآخرها «الكوريدور الهندي»، الذي يملك مقوّمات هامة من البنى التحتيّة المُنجزَة أصلاً، فيما يحتاج المشروع الصيني إلى جهد إضافي ومتسارع. فعلى سبيل المثال، لا تزال المشاريع الصينية الموقّعة بالحروف الأوليّة مع الحكومة العراقية أيام رئيس الحكومة السابق عادل عبد المهدي، من دون أي نتائج عملية على الأرض، علماً أن رئيس الحكومة العراقية الحالي محمد شياع السوداني - وبحسب ما علمت «الأخبار» - سحب هذه الاتفاقيات من الأدراج لدراستها وتحريك ما أمكن منها مع الجانب الصيني.