يحتدم الخلاف داخل «المجلس الإسلامي العلوي في لبنان» الذي يتحضّر لانتخاب رئيسه ونائبه وهيئاته، للمرة الأولى منذ عام 2003، عندما جرت آخر انتخابات للمجلس، وبعدما أصدر رئيس الحكومة آنذاك نجيب ميقاتي قراراً بالتمديد للمجلس، استناداً إلى طلب الفاعليات العلويّة، بسبب تعذّر إجراء الانتخابات مع جولات العنف التي وقعت بين جبل محسن وباب التبّانة.
(هيثم الموسوي)

التمديد جرّ «تمديدات»، رغم وفاة رئيس المجلس الشيخ أسد عاصي عام 2017 وتسلّم نائبه محمّد خضر عصفور تسيير الأعمال. إلا أن الاعتراضات على عصفور مزّقت أشلاء المجلس على مدى السنوات السابقة، بسبب «تفرّده في القرارات» كما يتهمه خصومه الذين لم يتقبّلوا أن يكون الرئيس مدنياً (عُمّم قبل عامين)، رغم أنّ القانون 449/95 وتعديلاته (تنظيم شؤون الطائفة الإسلامية العلوية في لبنان) لم يكن يفرض هذا الشرط، وكان ينص على أنه إذا كان الرئيس شيخاً فإن نائبه يجب أن يكون مدنياً أو العكس، قبل أن يُعدّل في عام 2019.
تكدّس الطّعون في المجلس الدستوري، وتسجيل المجلس العلوي «رقماً قياسياً» في عدد الاستشارات التي نالها من هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، والضغوط التي مارسها النائبان العلويان السابقان علي درويش ومصطفى حسين، كلها لم تنجح في عزل عصفور وإجراء الانتخابات. خرج درويش وحسين من المجلس النيابي العام الماضي، وبقي عصفور في منصبه... إلى حين العثور على ثغرة قانونية بناءً على جلسةٍ عُقدت خارج مقر المجلس بدعوة من النائبين السابقين عام 2019، بالتوازي مع قرارٍ قضائي، ما أدّى إلى صدور قرارٍ عن الأمانة العامّة لمجلس الوزراء، في آذار الماضي، بإعفاء عصفور من منصبه وتسليم العضو الأكبر سناً الشيخ شعبان حمدان مهام تسيير الأعمال.
الانتخابات أزمة جديدة
هلّل خصوم عصفور للقرار، واعتبروا أن «كابوس» الخلافات الداخليّة التي «جثمت» على المجلس على مدى أكثر من 6 سنوات انتهى إلى غير رجعة، وبدأوا التحضير للانتخابات ولإدخال «دم جديد» إلى المجلس وهيئاته عبر توسيع الهيئات الناخبة، خصوصاً أنّ 19 شيخاً من الهيئة الناخبة من أصل 51 توفوا، إضافة إلى وفاة عضوين في الهيئة الشرعية واستقالة أحد أعضاء الهيئة التنفيذيّة. غير أن الأمور عادت إلى نقطة الصفر بعدما بدأت خلافات من نوع آخر حول آلية اعتماد الهيئة الناخبة لرجال الدين الذين ينتخبون 20 رجل دين إلى الهيئة العامّة.
وتتألّف الهيئة العامّة من 20 رجل دين ينتخبهم رجال دين، و20 من حملة الإجازات الجامعيّة ينتخبهم حملة الإجازات، و20 من نقابات المهن الحرّة ينتخبهم زملاؤهم، إضافة إلى الأعضاء الحكميين كالنواب والوزراء والموظفين من الدرجة الثالثة والمخاتير. وينتخب رجال الدين في الهيئة العامّة الهيئة الشرعيّة، فيما ينتخب المدنيون الهيئة التنفيذيّة، وتنتخب الهيئتان رئيساً للمجلس ونائبه.
اقتراح الاكتفاء بالأعضاء الحاليين في الهيئة الناخبة للمشايخ (38) واجه رفضاً بسبب وفاة عدد كبير من أعضائها. كذلك رُفض اقتراح رئيس «الحزب العربي الديمقراطي» علي رفعت عيد بضمّ كلّ مشايخ الطائفة (نحو 133) بحجة أنه يؤدي إلى «انتفاخٍ غير مبرّر» للهيئة الناخبة، ومخاطر إعطاء صفة المشيخة لأشخاص قد لا يكونون فعلاً من مستحقّيها.
اعتراض على إقصاء اللجنة الانتخابيّة لأسماء مشايخ حائزين على إجازات في الشريعة الإسلاميّة


هكذا، بدأت «كرة الثلج تكبر» قبل أن تعود الأجنحة المُتصارعة إلى القوانين والأعراف المتّبعة في المجلس عبر تأليف لجنة انتخابيّة من 15 شخصاً (8 مشايخ و7 مدنيين) يختارون المشايخ المفترض ضمّهم إلى الهيئة الناخبة. ولكن سُرعان ما فاقمت اللجنة الخلافات «لعدم وجود معايير واضحة لاعتماد المشايخ، إذ لا توجد كليّات تُدرّس المذهب العلوي كما هي حال المذاهب الأُخرى، ويحصل المشايخ العلويون على إجازاتهم في الشريعة الإسلاميّة من الحوزات والجامعات الشيعيّة أو كليّات الشريعة والجامعات السنيّة». وبعدما أعدّت اللجنة الانتخابيّة لائحة بـ 99 شيخاً، اصطدمت باعتراضٍ قُدّم من قبل 33 شيخاً إلى الهيئة الشرعيّة بسبب إقصائهم عن اللائحة رغم حصولهم على إجازات في الشريعة، ووجود تعميم صادر عن الشيخ أسد عاصي بتعميم 13 منهم. كذلك اعترض هؤلاء على ضمّ مشايخ غير حائزين إجازات في الشريعة. أخذت الهيئة الشرعية بالاعتراض، فضمّت 5 مشايخ من المعترضين واستبعدت آخرين ليرسو الرقم على 75 رجل دين. غير أن ذلك لم ينه الأزمة، مع إصرار 22 شيخاً على ضمّهم جميعاً، رافضين «بدع» إدخال أبناء عائلات المشايخ ضمن الهيئة الناخبة، ما يُسهم في إعادة خطاب الطبقيّة والأحقاد ضمن «الطائفة»، على حد تعبير أحد المشايخ المعترضين أحمد عاصي.
ويؤكّد المعترضون أنهم «لن يقفوا مكتوفي الأيدي إزاء الغبن الذي يتعرّضون له، والطريقة الفرعونيّة التي يُقارب فيها المعنيون ملف الانتخابات»، لافتين إلى أنّهم بدأوا بإصدار بيانٍ عالي اللهجة، ويدرسون الخطوات التصعيديّة المقبلة التي تبدأ باللافتات في أحياء جبل محسن وعكّار لتصل إلى مؤتمر صحافي «تُسمّى فيها الأمور بأسمائها».
والأشياء بأسمائها، بالنسبة إليهم، هي تحميل النائب حيدر ناصر مسؤوليّة ما يجري، بحسب عاصي، وكذلك السفير السوري السابق علي عبد الكريم علي «الذي يُتابع الملف من منصبه في وزارة الخارجيّة ويقف خلف ناصر». ويتهم هؤلاء ناصر بأنه يعمل على «إقصاء المشايخ الذين يرفضون الرضوخ لطلباته وطلبات السفير علي، للاستئثار بالمجلس». ولذلك، سيناشد المشايخ المعترضون في المؤتمر الصحافي الرئيس بشّار الأسد «الذي نواليه لضبط الرغبات الشخصيّة لعلي، بعدما أكّد لنا المسؤولون السوريون الذين تمّت مراجعتهم أن القيادة السوريّة غير معنيّة بما يجري داخل المجلس وستتعامل مع الرئيس المنتخب أياً تكن هويّته».

ناصر: «عيب»
هذه الاتهامات ينفيها ناصر مؤكّداً أنّه «معنيّ بصفتي عضواً حكمياً في الهيئة التنفيذية، ولطالما ناديت بضرورة إجراء الانتخابات بعد تعطيل الانتخابات على مدى سنوات من أجل إدخال دم جديد إلى المجلس. لذلك، سعيت مع المعنيين إلى إجراء الانتخابات في أسرع وقت ممكن ولو بطريقة غير مثالية للقيام بالتعديلات المطلوبة للقوانين التي تنظم عمل المجلس تمهيداً لإجراء انتخابات مبكرة». وأكّد «أنني لم أتدخّل يوماً في أسماء المشايخ الذين تم اختيارهم ولا حتّى في الهيئة الشرعيّة»، موضحاً أنّ أبناء عائلات المشايخ الذين تم إدراج أسمائهم في الهيئة هم «من حاملي الشهادات العلمية العُليا وإجازات في الشريعة، ما يضيف قيمة معنويّة إلى المجلس بعيداً عن المحاصصات. والهدف كان أن تضع اللجنة الانتخابيّة الأسماء لغربلتها في الهيئة الشرعيّة، وهو ما حصل». وعن تدخّل السفير علي في الملف، قال حيدر إن «زجّ أسماء المسؤولين السوريين في هذا الملف مُعيب، خصوصاً أنهم لا يتدخّلون لا من قريب ولا من بعيد في هذا الأمر باعتباره شأناً داخلياً للعلويين اللبنانيين».