هل صحيح أن الطريق بات مفتوحاً للتمديد لقائد الجيش الحالي العماد جوزف عون؟الهمس في الأوساط السياسية يشير الى أن هذا الخيار يحظى بنِصاب سياسي داخلي شبه مكتمِل، ويشار الى أن حزب الله الذي لم يعط موقفاً قد لا يمانع، ما يبقي التيار الوطني الحر الفريق الوحيد المعارض.
وعلى عكس التعامل مع الفراغ الذي طاول مناصب أساسية في الدولة، أبرزها حاكمية مصرف لبنان، يتصرف الداخل والخارج مع قيادة الجيش كأنها معركة حياة أو موت، إذ سجّل التدخل الخارجي في هذا الملف سقفاً عالياً، وتجنّد دول إقليمية وغربية كل إمكاناتها للتمديد، ربطاً بالتطورات الأخيرة في غزة وما يتصل بها من تطورات على حدود لبنان مع فلسطين المحتلة. وكثفت اللجنة الخماسية، التي تضمّ فرنسا ومصر وقطر والولايات المتحدة والسعودية، حراكها في الأيام الأخيرة دعماً لعون، بالتزامن مع استنفار داخلي بلغَ ذروته مع موقف البطريركية المارونية. إذ لا يفوّت البطريرك بشارة الراعي مناسبة من دون أن يهاجم المعترضين على خيار التمديد، علماً أن القانون واضح في إشارته إلى أن التمديد ليس خياراً، بل إن عدم الاتفاق على بديل يفرض أن يحلّ الأعلى رتبة مكانه بالإنابة كما حصل في موقعَي المديرية العامة للأمن العام (اللواء إلياس البيسري)، وحاكمية مصرف لبنان (النائب الأول للحاكم وسيم منصوري).
نادراً ما كانت القوى السياسية ترضخ لفكرة تسلّم الموظف الأعلى رتبة مكان المسؤولين الذين انتهت ولايتهم، وخصوصاً في مناصب الفئة الأولى، باعتبار أن المركز حكر على طائفة، والمساس به من المحرّمات، علماً أن هذا الحل منصوص عليه في القوانين المرعية الإجراء، ويضمن استمرارية عمل الأجهزة والمؤسسات العسكرية والأمنية والقضائية، على أن تعيّن الحكومة بالأصالة في كلّ موقعٍ بعد انتخاب رئيسٍ للجمهورية وتشكيل حكومةٍ عتيدة. وبسبب الفراغ الرئاسي والاعتراض المسيحي على إجراء تعيينات في ظل عدم وجود رئيس للجمهورية، يصبح خيار تعيين بدلاء من الموظفين الذين سيتقاعدون قريباً شبه مستحيل، إلا أن ذلك لا يشكل خطراً على المؤسسات إذا ما سارت الأمور وفق القانون، فيكون السيناريو على الشكل التالي:
بعدَ تقاعد قائد الجيش العماد جوزف عون (ماروني، 64 عاماً) في 10 كانون الثاني 2024 يحل محلّه بالإنابة الأعلى رتبة في المجلس العسكري (عضو متفرّغ) اللواء الركن بيار صعب (كاثوليكي).
وبعد تقاعد النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات (سنّي، 68 عاماً) في 20 كانون الثاني 2024، يحلّ محلّه بالإنابة القاضي الأعلى درجة بين قضاة النيابة العامة التمييزية المدّعي العام المالي القاضي علي إبراهيم (شيعي).
وبعد تقاعد المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان (سنّي، 64 عاماً) في 8 آذار 2024، يحلّ محلّه الأعلى رتبة في مجلس القيادة (من المعيّنين بمرسوم) وهو قائد جهاز أمن السفارات العميد موسى كرنيب (شيعي).
تطبيق القانون لملء الشواغر سيكون كسراً كبيراً لهالة «المؤسسة المنتمية إلى طائفة محدّدة»


هذا السيناريو، في حال تحقّقه، وخصوصاً بعد ما جرى في موقعَي المدير العام للأمن العام وحاكم مصرف لبنان، سيكون كسراً كبيراً لهالة «المؤسسة المنتمية لطائفة محدّدة حصراً». إلا أن الطوائف امتنعت حتّى اليوم عن تطبيق الدستور واتفاق الطائف، ولا سيّما المادّة 95، وتحديداً الفقرة الأخيرة منها التي نصّت على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في وظائف الفئة الأولى وعن «المداورة فيها دون تخصيص أيّة وظيفة لأيّة طائفة مع التقيّد بمبدأَي الاختصاص والكفاءة».
خلط الأوراق الحاصل في المنطقة ولبنان، جعلَ ملف الشغور في المؤسسات أكثر تعقيداً، ربطاً بموقع قيادة الجيش. وكل المعلومات تؤكد الدعم الذي يحظى به عون حالياً والضغط الكبير الذي تتعرض له القوى السياسية للقبول بالتمديد له، الأمر الذي يجعل السيناريو المذكور بعيد المنال، وخصوصاً أن الطوائف الأخرى استنفرت للحفاظ على «مواقعها». ويترجم هذا الاستنفار من خلال اقتراحات القوانين التي تقدمت بها كتل نيابية للتمديد لكل قادة الأجهزة، ومنها اقتراح القانون الذي قدّمه النائبان في كتلة «اللقاء الديموقراطي» بلال عبد الله وهادي أبو الحسن، الرامي إلى تأجيل تسريح وتمديد سنّ التقاعد لمديرين عامين وضباط عاملين في الجيش والقوى الأمنية، واقتراح القانون الذي تقدم به تكتل «الاعتدال الوطني» وكتلة «لبنان الجديد» وبعض النواب المستقلين، بمادة وحيدة ترمي إلى تمديد سنّ تقاعد قادة الأجهزة الأمنية، العسكريين منهم، ممن يمارسون مهامهم بالأصالة أو بالوكالة أو بالإنابة، ويحملون رتبة عماد أو لواء.