«طوفان الأقصى» وتداعياته المحلية والإقليمية والدولية أكّدت لكثيرين «حقيقة مرّة»، وهي أن أحداً، خارج جدران مقارّهم الحزبية، لا يسمع أصواتهم مهما علت ولا تصله أصداء مواقفهم، عندما يكون اللعب «عَ كبير». إذ يتوهّمون حجماً فضفاضاً ويواجهون صعوبة في تقبّل حقيقة أنّ التحولات أكبر منهم ومن لبنان ورئاسته. من بين هؤلاء رئيس حزب الكتائب اللبنانية سامي الجميل. وما يزيد أزمته أنه حين تلوح «فرصة» للاستثمار، يتصدّى لها حليفه اللدود، سمير جعجع، الذي لا يرى في «الحلفاء»، من كتائب و«تغييريين» و«سياديين»، سوى ملحقين بـ«المشروع القواتي».«فتى الكتائب» المسكون - كما «الأمّ الحنون» فرنسا - بالبحث عن دورٍ، يستفزّه التجاهل، ويبدي أمام زواره استياء من تحفّظات حلفاء الداخل والخارج (غير المبالين أساساً بالزواريب اللبنانية في إقليم دخل في طور تشكلٍ جديد) على تشكيل جبهة معارضة واسعة في وجه حزب الله. ويسابق الزمن، علّ الجبهة تبصر النور قبل الدخول الجدي في مرحلة التسويات الكبرى، وإدخال الملف الرئاسي في المفاوضات الأميركية مع حزب الله على قاعدة «المقايضة».
تسعة أشهرٍ مرّت على إطلاق الجميل نداءً لم يلبّه أحد حتى الآن لتشكيل «أوسع جبهة معارضة سياسية غير تقليدية»، يطمح إلى أنّ تضمّ نواباً ووزراء وصحافيين ومؤثّرين وناشطين في مجموعات مدنية من تلاوين طائفية مختلفة. وتنطلق من «نقطة اللاعودة مع حزب الله، والانتقال بمستوى المواجهة معه إلى شكلٍ مختلف تحت عنوان مواجهة وجودية مفتوحة». ففي اعتقاده، هذا الطريق الوحيد «لخلق توازنٍ مع الحزب يغيّر المعادلة الداخلية وتنسحب مفاعيله بالدرجة الأولى على الاستحقاق الرئاسي». وهكذا فقط، توجّه رسالة اعتراض جدّية إلى الخارج حول أداء حزب الله، وتتشكّل مرجعية تحجز لنفسها مكاناً على الطاولة، ويتعيّن على المجتمعين العربي والدولي الراغبين في مساعدة لبنان العودة إليها.
طوال الفترة الماضية، سعى الجميل إلى لمّ شمل «السياديّين» حول «مشروعه السياسي». وينقل أكثر من زائر شكوى رئيس الكتائب من «عدم إبصار الجبهة النور، ومراوحة الاتصالات والتشاور منذ أشهر في مرحلة بلورة فكرة الجبهة وكيفية مأسستها، ومن غياب الحافزية لدى بعض الحلفاء، وعلى رأسهم معظم النواب السُّنة، حاليين وسابقين، سواء ممن خرجوا من تحت عباءة الرئيس سعد الحريري أو ممن يحافظون على علاقة معه». وتنقل المصادر نفسها أنّ «النواب والشخصيات السنّية، رغم تبعثرهم في أكثر من اتجاه، يتحفّظون عن الذهاب بعيداً في مشروعٍ لم تُعلن السعودية مباركتها له أو تدفع باتجاه الانخراط فيه، بمعزلٍ عن بعد بعضهم عن الرياض أو قربهم منها».
صعوبة في اختراق «الجوّ السنّي» واستياء من تجاهل الرياض والدوحة»

لذلك، خلص رئيس الكتائب إلى أنّ مساعيه لـ«كسر حيادية» النواب السنّة غير سهلة في ظل الانكفاء السعودي المعلن عن المشهد السياسي اللبناني. وبات الأمر أكثر صعوبة بعد عملية «طوفان الأقصى» التي أضافت اعتباراً جديداً لدى الشخصيات السنّية، بحسب زوار الجميل، «مرتبطاً بموقف الشارع السني المتفاعل مع المقاومة في فلسطين ولبنان وانخراط جزء من السنّة في العمل العسكري» ضد العدو.
عقدة أخرى تعترض «منشار» الجميّل تتمثل بمعراب التي لا تخفي امتعاضها من محاولات الكتائب قيادة «المعارضة»، وليست في وارد تركه يتصدّى للمشهد في ظرفٍ كهذا. فرغم ارتفاع وتيرة الاتصالات والتنسيق بين الطرفين، إلا أن ذلك لا يعني أن القوات ستكون في جبهة برئاسة الكتائب. يُضاف إلى ذلك تريّث بعض النواب «التغييريين»، المنخرطين مع الكتائب، ضمن تحالف «نواب المعارضة»، من السير في الجبهة ما لم تكن القوات في صلبها وراضيةً عن قيادة الكتائب لها، حرصاً منهم على عدم زعزعة علاقتهم بالقوات. أضف إلى ذلك نأي الحزب التقدمي الاشتراكي بنفسه بعدما بات واضحاً أنّ النائب السابق وليد جنبلاط ليس في صدد الانخراط في جبهة كهذه، ولا يستسيغ حالياً المواجهة مع الحزب.
تجاهل حلفاء الداخل يماثله تجاهل خارجي تامّ أيضاً، إذ يشكو الجميل «من التراجع الملحوظ في تنسيق المملكة مع الكتائب لمصلحة القوات اللبنانية»، فيما تتساءل أوساط الصيفي عن «سبب إيلاء قطر، التي تقدّم نفسها كوسيط على مسافة واحدة من كل الأطراف المعنية بالاستحقاق الرئاسي، الاهتمام الأكبر بالنائب جبران باسيل والثنائي الشيعي، ونعلم عن زيارات حصلت وتحصل في السر إلى الدوحة، بينما يتمّ تجاهل الكتائب الذي يمكنه أن يكون بيضة قبّان، بنوابه الأربعة، وبقدرته على استقطاب قوى وسطية في وجه حزب الله، ولا سيّما أن الحزب عمل منذ انتفاضة 17 تشرين، وفي انتخابات 2022 النيابية، مع قوى وأحزاب ناشئة وشخصيات مدنية وسياسية تحت مظلة واحدة».