بعد أشهر من التسليح المستتر، قرّر العرب، أمس، المجاهرة بتقديم السلاح للمعارضة السورية. قد تكون جولة وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، وما صدر عنها من مؤشرات عسكرية، شكلت عاملاً محفزاً للجامعة العربية للإعلان على الملأ أن «للدول العربية الحق في تقديم السلاح للمعارضة السورية، إذا رغبت في ذلك». إعلان يمثّل غطاءً «رسمياً عربياً» لعمليات التسليح. وهو ترافق مع غطاء سياسي للائتلاف السوري المعارض، تمثّل بمنحه مقعد سوريا في الجامعة العربية شرط تشكيله «هيئة تنفيذية».

وقالت مصادر دبلوماسية عربية لـ«الأخبار» إن وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم بن جبر اقترح بند تسليم مقعد سوريا في الجامعة إلى الإئتلاف المعارض، فرد عليه وزير الدولة للشؤون الخارجية العماني يوسف بن علوي بالقول إن هذا الأمر لا يجوز قانوناً. عندها، تدخل الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي لافتاً إلى وجوب أن تكون الجهة التي ستتسلم أي مقعد في الجامعة، دولة قائمة. والدولة، بحسب العربي، «تُبنى على أسس أبرزها الأرض والشعب والسيادة». وأضاف: «صحيح اننا اعترفنا بالائتلاف كمفاوض باسم الشعب السوري، ونعرف أن جزءاً من الأرض السورية تحت سيطرة المعارضة، لكن السيادة بحاجة لهيكلية تعبّر عنها». وهنا دار نقاش قانوني، برز فيه، كالمعتاد، مواقف كل من لبنان والعراق والجزائر، كمعارضين لتسليم الائتلاف السوري مقعد سوريا في الجامعة. وبعد هذا النقاش، بدت علامات التململ على وزير الخارجية القطري، الذي توجه للحاضرين قائلاً: «أنتم تتحدّثون عن ضرورة الالتزام بالقانون، فيما بشار الأسد يخرق كل القوانين يومياً. لماذا لا نخرق القانون لمرة واحدة ونمنح المقعد للائتلاف السوري الآن؟». ثم توجه إلى العربي قائلاً: «لماذا لا تعرضون هذا الأمر على التصويت؟». لكن الاقتراح لم يُعرَض على التصويت، وتم تبني اقتراح نبيل العربي بتأجيل تسليم المعقد السوري للائتلاف المعارض إلى ما بعد تأليف الأخير هيئة تنفيذية تكون بمثابة الحكومة التي تتسلّم مقعد سوريا في الجامعة.
الخطوة التصعيدية العربية، قابلتها دمشق برفض أي مسعى للحل تقوده الجامعة العربية، التي اعتبرتها أداة للسياسة الخليجية. وشددت وزارة الخارجية السورية، في بيان، على أن «جامعة الدول العربية اختارت منذ تدخلها في مسار الأزمة في سوريا أن تكون طرفاً منحازاً لصالح جهات عربية وإقليمية ودولية تستحضر التدخل العسكري الخارجي في الأزمة، وتعرقل أيّ حل سياسي يقوم على الحوار الوطني وتشجع وتمول أطرافاً في المعارضة ومجموعات إرهابية متطرفة تعمل على تأجيج الأزمة من خلال عمليات قتل الأبرياء وتخريب البنى التحتية واستهداف الجيش العربي السوري وقوى الأمن وإشاعة الفوضى وعدم الاستقرار في البلاد».
وأضافت «أن جامعة الدول العربية باتت رهينة الموقف السياسي المنحاز لدول خليجية بعينها (قطر والسعودية)، وبالتالي لا يمكن أن تكون طرفاً يسهم في الوصول إلى حل سياسي حقيقي للأزمة في سورية يقوم على إرادة الغالبية العظمى من أبنائها». وأكدت أن ما صدر عن مجلس الجامعة «يرسخ من جديد الدور القطري الذي يطلق اليوم رصاصة الرحمة على شيء اسمه الجامعة العربية ويؤشر أيضاً إلى أن مشيخات المال والنفط والغاز باتت أدوات التحكم بالعمل العربي المشترك وبالأمن القومي العربي في سبيل حرف البوصلة عن العدو الحقيقي الذي يحتل الأرض وتوجيهها نحو صراع مصطنع وهدام يستهدف وحدة الصف العربي والإسلامي».
واختتمت البيان السوري بالتأكيد أن «مواقف الجامعة وبعض الدويلات العربية لن يثني الحكومة السورية عن الاستمرار في التعاون الإيجابي مع الجهود الدولية البناءة للحل، ولا عن الاستمرار في ممارسة واجبها ودورها الوطني في فرض الأمن».
وكان البيان الختامي لاجتماع الوزراء العرب، الذي عقد في القاهرة أمس، قد قال إن «الدول العربية، بحسب رغبتها، لها الحق في تقديم الدعم العسكري للمعارضة السورية التي تقاتل قوات النظام السوري إذا رغبت في ذلك». وطلب المجلس من الائتلاف الوطني السوري المعارض «تشكيل هيئة تنفيذية لشغل مقعد سوريا في الجامعة العربية ومنظماتها ومجالسها وأجهزتها للمشاركة في القمة العربية في الدوحة في 26 و27 آذار». وقال قرار المجلس إن الائتلاف المعارض سيشغل مقعد سوريا «إلى حين إجراء انتخابات تفضي إلى تشكيل حكومة تتولى مسؤوليات السلطة في سوريا، وذلك تقديراً لتضحيات الشعب السوري والظروف الاستثنائية التي يمر بها».
وأوضح الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي، في مؤتمر صحافي عقب الاجتماع الوزاري، أن كلاً من العراق والجزائر تحفظ على القرار، فيما نأى لبنان بنفسه عنه.
بدوره، رأى وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو، أن «الأزمة السورية مستمرة من دون أفق واضح لحلها؛ فالصراع خلّف عشرات الآلاف من الضحايا الأبرياء وشرد العديد من السوريين»، معتبراً أن «كل ذنب الشعب السوري هو أنه طالب بالحرية والكرامة والاستقلال، فواجه آلة القتل والدمار المنظم من قبل النظام». وأشار عمرو، خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب، إلى أن «مصر دعت منذ انطلاق الثورة السورية إلى عملية سياسية ونقل السلطة بشكل يضمن وحدة التراب السوري، ونحن نعي مخاطر إطالة أمد الصراع في سوريا». وأكد أن «الأزمة تهدد وحدة أراضي سوريا وفرص العيش المشترك بين كافة أبنائها».




ميقاتي مع 14 آذار وقطر ضد... منصور

في موقف مفاجئ ولافت، دعا وزير الخارجية عدنان منصور الجامعة العربية إلى رفع تعليق عضوية سوريا فيها، في خطوة نأى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بالحكومة عنها، وخاصة بعد ما أثارته من انتقادات حادة من «قوى 14 آذار».
وكان منصور قد دعا في كلمة له في اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب في القاهرة، إلى إعادة سوريا إلى الجامعة العربية ورفع تعليق عضويتها فيها.
ولفت إلى أن «الأزمة السورية تؤلمنا جميعاً، حيث نقف أمامها عاجزين عن تحقيق الحل السياسي عبر الحوار؛ إذ نثبت للعالم أننا فشلنا في ذلك، وكل ما نجحنا فيه هو تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، فغرقت سوريا في الدمار والدماء وشهدنا تدفق السلاح من هنا وهناك وكذلك تدفق مجموعات المسلحين من الخارج واجتاحت المنطقة أفكار متطرفة تزرع بذور الفتنة الطائفية، وهي كلها بعيدة عن أصالة وعادات وثقافة شعوبنا وترمي إلى تفتيت نسيج مجتمعنا».
ولفت منصور إلى أن «أعداد النازحين السوريين إلى لبنان فاقت قدراتنا».
وبعد انتهاء كلمته، سلّم منصور رئاسة المجلس لنظيره المصري محمد كامل عمرو.
وردّ رئيس الحكومة القطري حمد بن جاسم على منصور خلال الجلسة، معتبراً أن «القرارات العربية كانت تسعى لحل الأزمة السورية سلمياً ولم تكن لإيجاد بحر من الدماء، و(الرئيس السوري) بشار الأسد هو من أوجد بحراً من الدماء؛ لأنه لم يتعاون معنا لحلّ الأزمة بالحلول السلمية التي حاولنا طرحها بشكل ودي، ونحن لم نستعن بالغرب في هذا الموضوع، وحاولنا حله عربياً وودياً». ورأى أن «الخاسر الوحيد هو شعب سوريا الشقيق».
وتعليقاً على دعوة منصور، جدد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، التأكيد «أن الحكومة اللبنانية لا تزال ملتزمة سياسة النأي بالنفس عن الوضع في سوريا، وهو الموقف نفسه الذي اتخذته عند صدور قرار تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية». وأشار «إلى أن هذا القرار لا يزال ساري المفعول انطلاقاً من إعلان بعبدا الذي تم التوافق عليه في خلال مؤتمر الحوار الوطني برئاسة رئيس الجمهورية ميشال سليمان».
«الخليجي» يهدّد لبنان
من جهتها، حذرت دول مجلس التعاون الخليجي، في بيان، لبنان من عدم التزامه «سياسته الرسمية النأي بالنفس حيال سوريا»، داعية اللبنانيين إلى «تفادي كل ما من شأنه تعريض أمن بلدهم واستقراره للخطر».
وأوضح بيان صادر عن المجلس أن الأمين العام للمجلس عبد اللطيف الزياني، التقى رئيس الجمهورية ميشال سليمان في بيروت أول من أمس بتكليف من دول الخليج «ليبلغه قلق مجلس التعاون البالغ من مواقف لبنان الأخيرة وبعض الأطراف اللبنانية من الأوضاع في سوريا التي لا تعكس سياسة النأي بالنفس التي أعلن لبنان التزامه بها». وأشار إلى «أن الزياني الذي التقى سليمان بحضور سفراء الدول الست الأعضاء في المجلس عبّر عن التطلع إلى أن يحافظ لبنان على سياسته المعلنة، وأن يلتزم مواقفه الرسمية؛ لأن المواقف الرسمية لها تأثيرات إقليمية ودولية تنعكس على الأمن والاستقرار في المنطقة».
من جهته، رأى الرئيس سعد الحريري أن دعوة منصور إلى فكّ تجميد عضوية النظام السوري في الجامعة العربية «هي الخلاصة الحقيقية للدور القبيح الذي تقارب من خلاله الحكومة اللبنانية الحوادث الدموية في سوريا».
وسأل في بيان: «أين هي حكومة لبنان من الخطاب الذي ألقاه باسمها وزير الخارجية في اجتماع الجامعة العربية؟ هل نحن أمام وزير يتحدث فعلاً باسم الجمهورية اللبنانية ورئيسها، باسم الحكومة ورئيسها، أم نحن أمام وزير خارجية إيران؟ أو في أحسن تقدير أمام وزير ينفذ أوامر جهة سياسية، تمسك بزمام الأمر الحكومي وتفرض على لبنان، الدولة والمؤسسات والشعب، مواقف لا وظيفة لها سوى الإساءة إلى علاقات لبنان وتعريض المصلحة الوطنية لمخاطر جسيمة؟».
وإذ رفض الحريري هذا الموقف الذي وضعه «في خانة الخضوع لأوامر خارجية فحسب»، دعا من سماها «القوى السياسية المؤتمنة على سلامة لبنان وعلاقاته العربية» إلى «إشهار الرفض الكامل لسياسات الحكومة العشوائية».
ورأى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أنه كان الأجدر بمنصور «أن يأخذ في الاعتبار مشاعر الأكثرية الكبرى من اللبنانيين قبل أن يتخذ موقفاً من الثورة السورية، أو أقلّه أن يحصل على موافقة حكومته قبل أن يطرح إعادة العمل بعضوية النظام السوري في الجامعة العربية في محاولة لإعادة تعويمه وتقديمه على الساحة العربية بعد كل ما حدث في سوريا».
وسأل: «هل يعلم الوزير منصور أنه يعرّض لبنان واللبنانيين لمخاطر جمّة في أمنهم وأرزاقهم، يمكن أن تجرّ لبنان إلى عزلة عربية خانقة وعزلة دولية قاتلة؟».
وكرر الدعوة إلى استقالة الحكومة وسأل «من بقي فيها من أحرار، إلى متى هذا السكوت؟ ألم يحن وقت الاستقالة بعد من هذه الحكومة التي فشلت وفسُدت إلى حدود التهديد بإفساد سمعة لبنان في العالم؟».
ودعت الأمانة العام لقوى 14 آذار أصحاب الصلاحية «لوضع حد لتصرفات منصور واتخاذ التدابير لرفع الغطاء عنه الذي يوظفه خدمة للنظام السوري».