أعاد الكمين المسلح لموكب رئيس بلدية عرسال علي الحجيري، التوتر بين هذه البلدة والقرى المجاورة، بعد موجة تفاؤل أشاعتها عملية تبادل المخطوف يوسف المقداد مع المخطوفين العراسلة لدى آل المقداد.
فبعد دقائق على التبادل في بلدة رأس بعلبك، تحرك موكب رئيس بلدية عرسال باتجاه اللبوة، ولدى وصوله إلى منطقة تقع بينها وبين بلدة النبي عثمان، اعترضت طريقه، بحسب مصدر أمني، أربع سيارات رباعية الدفع، وشرع من بداخلها في إطلاق النارعلى الموكب، ما أدى إلى مقتل محمد حسن الحجيري المعروف بـ«محمد دخان»،بعد إصابته بطلقين في الصدر والقدم، وإصابة كل من رئيس البلدية علي الحجيري بجرح طفيف في الرأس، وعلي زهوة الفليطي، وأحمد الحجيري المعروف بـ«أبو خالد القطشة» (من فاعليات بلدة عرسال) و حالته بالحرجة.
والمعروف أن أبو خالد ومحمد دخان من وجهاء عرسال وتربطهما علاقات صداقة قوية مع غالبية أهالي البقاع الشمالي، وأنهما من الفاعلين على خط المصالحة في الخلافات والمشاكل التي حصلت خلال الأشهر الماضية بين عرسال وجوارها، بحسب ما أكدت مصادر مقربة منهما لـ«لأخبار».
من جهته،أشار رئيس بلدية عرسال على أن ما تعرض له «كمين مسلح ومات من مات وسلم من سلم»، معتبراً أن المسؤول عن الكمين «هم آل جعفر وآل أمهز كلهم، وبعد دفن محمد الحجيري سنرى ماذا سيحصل». وقال: «إن المسؤولين الذين اتصلوا به طلبوا التهدئة، وإن قائد الجيش (العماد جان قهوجي) شدد على أنهم سيتخذون إجراءات».
وأثارت الحادثة موجة من الغضب في عرسال التي امتلأت شوارعها بالمسلحين الذين أطلقوا النار في الهواء استنكاراً للاعتداء، بعدما ترددت إشاعات عن مقتل الحجيري ونجله والقطشة، وأخرى عن اختطافه من قبل المجموعة التي نفذت الكمين. إلا أن مصادر أمنية أكدت أن الكمين أدى إلى مقتل محمد الحجيري وإصابة البقية بجروح مختلفة واختطاف شخصين سوريين، أحدهما محمد عباس، أحد وجهاء بلدة فليطا السورية، والذي ساهم في الإفراج عن المقداد. وكشفت المصادر الأمنية أن رئيس البلدية نقل بعد الاعتداء «مباشرة إلى بلدته عرسال حيث عولج من إصابته الطفيفة». ومساءً، أطلق آل جعفر أحد المخطوفين وآل أمهز الثاني.
وصدر بيان عن مجموعة أطلقت على نفسها اسم «كتائب الشهداء الأربعة»، أعلنت فيه مسؤوليتها عن الكمين وهو، بحسب البيان، جاء «بعدما صبروا على الدولة وأجهزتها وعلى أهل عرسال تسليم قتلة كل من حمدي كرامة جعفر وحسين علي جعفر وعلي أوغلو وشريف أمهز»، الذين قُتِلوا في كمين في محلة وادي رافق في جرود القاع ـــ رأس بعلبك في16 حزيران الماضي.
إلا أن ياسين جعفر، أحد وجهاء العائلة، استنكر في حديث إلى «الأخبار» الحادثة التي «تعرّض لها أبرياء» أمس. وتوجه إلى رئيس بلدية عرسال بالتهنئة بالسلامة، وبالتعزية لكل أهالي عرسال بمقتل محمد الحجيري. واعترض على حديث رئيس البلدية الذي وجه فيه الاتهام وحمّل مسؤولية الحادثة لآل جعفر وآل أمهز «كلهم»، مشدداً على «أن آل جعفر يدركون جيداً هوية قتلة أبنائهم وبالأسماء، وثأرنا لدى هؤلاء لم ولن نتخلى عنه، وليس من عاداتنا قتل الأبرياء، وأبرز دليل أنه بعد مجزرة وادي رافق كان لدينا محتجزون من بلدة عرسال، ولو كنا غوغائيين لقتلناهم، لكننا نفذنا ما تمليه علينا عاداتنا وأطلقناهم، ولا نزال حتى اليوم نعوّل على الجيش والأجهزة الأمنية للوصول إلى حقنا، ونحن حريصون على الوطن ولسنا أصحاب فتنة».
من جهتها، قالت مصادر مقربة من رئيس بلدية عرسال لـ«الأخبار» إن منفذي الكمين «على علاقة وطيدة مع الاستخبارات السورية التي تريد الثأر من بلدة عرسال، لوقوفها إلى جانب الثورة السورية»، فيما قال عراسلة آخرون إن هذه العملية «يجب ألا تحمل أكثر من حجمها، لأن هناك معلومات تؤكد تورط أشخاص من آل جعفر بهذه العملية رداً على مقتل الشبان الأربعة الذين قتلوا على أثر خلافات بينهم وبين مهربين من عرسال».
وفي الوقت نفسه، وزّع بعض الشبان في بلدة المريجات، مسقط رأس شهيد الجيش اللبناني النقيب بيار مشعلاني، حلوى وأطلقوا النار ابتهاجاً بالكمين. فيما شهدت بلدتا مجدل عنجر وسعدنايل اتصالات كثيفة لتهدئة الأجواء، بعد معلومات عن استنفار مسلحين فيهما. وحسب أحد قياديي تيار المستقبل في البقاع الأوسط، فإن قيادة التيار أبلغتهم طلب الرئيس سعد الحريري العمل بكل طاقاتهم لمنع أي محاولة لإقفال الطرقات أو الاحتكاك مع الجيش أو الاصطدام مع أطراف سياسية أخرى، قائلاً: «لا نريد الفتنة، وعلينا أن نكون صمام أمان، مهما أراد الآخرون إشعالها». وكان الحريري قد اتصل بقائد الجيش وبرئيس بلدية عرسال.
إلى ذلك، نفذت وحدات من الجيش انتشاراً كثيفاً على طول الطريق الدولية في البقاع الشمالي وعززت تدابيرها وحواجزها الثابتة والمتحركة في المنطقة في محاولة استباقية لمنع تدهور الوضع الأمني. وليل أمس، دهمت وحدات من الجيش عدداً من منازل عائلة أمهز في اللبوة، ومن بينها منزل شريف أمهز الذي قتل في وادي رافق، ومنزل والده يوسف أمهز الكائنان على الطريق الدولية بين اللبوة والنبي عثمان. ولم يبدِ رئيس بلدية اللبوة رامز أمهز اعتراضاً على دهم الجيش لمنازلهم، لكنه اعترض على ما وصفه بـ«سياسة الكيل بمكيالين من قبل الجيش لجهة إقدام شخص مطلوب على التجول وتسليم مخطوفين لضباط استخبارات في الجيش اللبناني»، وشدد على «أن آل أمهز لا يقتلون الأبرياء، وقتلة أبنائنا معروفون جيداً منا، وعندما نريد قتلهم لن نمسّ أبرياء».
وفي سياق متصل، استقبلت بلدة مقنة على وقع أزيز العيارات النارية ونثر الأرز، يوسف المقداد الذي اختطف منذ عشرة أيام في عرسال. وقال إنه نقل إلى المعرة داخل الأراضي السورية ومن ثم إلى سهل رنكوس. وبدا على يوسف الإعياء والتعب. وكان أهله قد تلقّوا وعداً بإطلاقه ليل السبت ـــ الأحد، ونقل فجر أمس إلى منزل رئيس بلدية عرسال. وأكد يوسف أنه تعرض للضرب بداية، لكن تدخل شخص يدعى النقيب «أبو بكر» حال دون تكرار ذلك، وأضاف إن المجموعة الخاطفة «من ذوي اللحى الطويلة»، ووجّهوا له أسئلة عن علاقته بحزب الله. وأشار إلى أن هدفهم كان واضحاً وهو «خلق فتنة بين بلدة عرسال والقرى المجاورة لها»، فقد سمعهم في إحدى الليالي يقولون «خلّيهم يقاتلوا بعضن».
من جهته، أكد رئيس بلدية عرسال «ضرورة وضع حد لعمليات الخطف وعدم تغطية الزعران لأن كل المنطقة متضررة»، داعياً الدولة إلى أخذ دورها في هذا الشأن.
بدوره، شدد دمّر المقداد باسم العائلة على «أن الفتنة دفنت اليوم» وأكد «أن التعايش مقدس وخط أحمر».
مساعي فاعليات عرسال لإطلاق المقداد بدت واضحة. وفي هذا السياق، قطع هؤلاء جميع الطرقات الجردية المؤدية إلى البلدات السورية، وصولاً إلى خطف أهالي عرسال أحد المقربين من الخاطفين من بلدة المعرّة للضغط عليهم ، ودفع الشيخ محمد عباس أحد وجهاء بلدة فليطا السورية 25 ألف دولار أميركي للخاطفين من أجل الإفراج عن المقداد. في مقابل ذلك، أطلق آل المقداد المخطوفين العشرة لديهم وتسلمهم ذووهم ووجهاء من عرسال وبلدتي المعرة ورنكوس السوريتين.
وليس بعيداً عن الأحداث التي تشهدها المنطقة، خطفت مجموعة سورية مسلحة ثلاثة لبنانيين من عين القرقوز في جرود بلدة بريتال (6 كلم داخل الأراضي اللبنانية) وهم علي عباس اسماعيل وشقيقه حسن وابن عمتهما السوري علي عدنان الذي أصيب خلال الخطف، فيما تمكن إبراهيم حكمت اسماعيل من الفرار في اتجاه جرود البلدة. اتصالات مكثفة ووساطات بين بريتال والقرى السورية المجاورة تسارعت وتيرتها منعاً لتفاقم الأمور، وقد أثمرت وعداً بإطلاق الشبان الثلاثة ليل السبت ـــ الأحد الماضي، إلا أن ذلك لم يتحقق.

حزام للتفجير في وجه الجيش

من جهة ثانية، أوقف عناصر حاجز للجيش في وادي حميّد في عرسال عصر الخميس الفائت، ثلاثة مسلحين دخلوا الأراضي اللبنانية من الجانب السوري، باتجاه بلدة عرسال. وتبين بحسب مسؤول أمني أن اثنين منهم فلسطينيان ويحمل أحدهما الجنسية الأوروبية، والثالث الجنسية السورية. ورجحت مصادر أمنية أن «أحدهم كان ينوي تفجير نفسه بحزام»، لكن عناصر الجيش تمكنوا من توقيفهم وضبطوا معهم أسلحة وحزاماً ناسفاً معداً للتفجير، وعدداً من القنابل اليدوية والصواعق. وأول من أمس أيضاً، شهر شخصان يستقلان دراجة نارية مسدساً حربياً باتجاه عنصر على حاجز الجيش في وادي حميّد أيضاً، وحاولا الفرار. وبادر أفراد الحاجز إلى إطلاق النار عليهما، ما أدى إلى إصابة حامل المسدس بجروح غير خطرة، وتبيّن أنه سوري، فيما تمكن الشخص الآخر من الفرار على الدراجة.