مضى نحو شهرين على أحداث عبرا التي خرج البعض ليقول انها أجهزت على ظاهرة الشيخ احمد الاسير. اليوم يبدو أن الصيداويين لم يستفيقوا بعد من الصدمة. لم يعتد هؤلاء على التعامل مع أحداث كتلك التي حصلت في عبرا.
صحيح انه ليس هناك ود تاريخي بين اهل المدينة والجيش. فالمنتسبون اليه من ابنائها قليلون جدا. والامر تطور بعد اغتيال الشهيد معروف سعد بداية الحرب الاهلية، ثم مع اتهام ضباط من الجيش بالوقوف خلف محاولة اغتيال الراحل مصطفى معروف سعد في العام 1984. لكن المدينة لم تدخل ابداً في مواجهة مع المؤسسة العسكرية.

صفحة لم تطوَ

بعد أسبوعين على الحادثة، ورغم الضرر الذي أصابه، عاود مسجد بلال فتح أبوابه أمام الجميع. إستؤنفت الدروس الدينية اليومية التي كانت تقام فيه. نجحت قلة من أنصار الاسير في لمّ الشمل، وتنظيم الصفوف، كي يستأنف المسجد دوره. حتى أن جيران المسجد أنفسهم فوجئوا بما يحصل، وعمد بعضهم الى توقيع عريضة تطالب السلطات المعنية بمنع أنصار الأسير من قطع الطريق وقت الصلاة، أو منع سكان الحي من ركن سياراتهم قرب المسجد.
لكن ما يجري، ليس بعيداً عن الشيخ نفسه، والذي له طرق للتواصل مع انصاره، وليس فقط عبر الرسائل الصوتية التي يوزعها بين فترة واخرى. ويتحدث مقربون عن «خارطة طريق» وضعها الاسير للانشطة ذات الطابع السياسي والتي تركز على تحرك لاهالي الموقوفين لدى الاجهزة الامنية بتهمة المشاركة في القتال ضد الجيش خلال احداث عبرا. وبحسب مطلعين، فان عدداً غير قليل من انصار الاسير ابتعدوا عن اي نشاط وحتى عن المشاركة في الدروس الدينية او خطبة الجمعة، لكن هناك مجموعة اخرى غير صغيرة، «ستلتزم ما يطلبه الشيخ، وسلسلة الاعتصامات المنوي تنفيذها ستكون الدليل».

المشهد اليوم

نحو 250 شخصاً لبوا دعوة وجهت عبر صفحات الفايسبوك عصر أول من أمس للحضور إلى مسجد بلال عند صلاة المغرب. وبرغم الطوق الأمني الذي فرضه الجيش بكثافة في محيط المسجد ومعظم الطرق الرئيسة المؤدية إليه، واجراءات نسبت الى فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي، نجح هؤلاء في الوصول إلى المسجد بعد شيوع خبر إبقاء مخابرات الجيش على الشيخ عاصم العارفي محتجزا وإطلاق سراح الشيخين علاء الصالح وعثمان حنينة اللذين كانا برفقته.
لكن الاجواء التي هدأت قليلا خلال شهر رمضان، عادت لتتوتر بعد قيام استخبارات الجيش باستدعاء العديد من الأنصار والمحسوبين على الأسير في الأيام الأخيرة، ولكن بوتيرة محدودة، أي شخصين أو ثلاثة على فترات متقطعة. وتشدد المصادر الامنية على ان من يجري توقيفه او يطلب الى التحقيق تكون له علاقة مباشرة او غير مباشرة بالقتال ضد الجيش.
لكن بالنسبة الى انصار الاسير وعائلاتهم، يبدو الامر مختلفا بعض الشيء، ذلك ان جهات سياسية في المدينة لا سيما من النائب بهية الحريري، نقلت اليهم تطمينات بأن هذا الملف سيقفل في أسرع وقت. لدى مراجعتها بالأمر، تؤكد الحريري على مسامع الأهالي أن التوقيفات قضائية بحتة باعتبار أن الملف لا يزال مفتوحا، وليست هناك توقيفات سياسية كيدية.
ويظهر انصار الاسير تخوفا من عنوان «الملف المفتوح» لانهم يرون فيه حجة لمنعهم من معاودة الحضور الى المسجد. ويقول بعض هؤلاء انهم تبلغوا مواقف واضحة من جهات امنية وسياسية بأن لا مجال لاستئناف اي نشاط يمت للاسير بصلة.

المبادرة ام المراجعة؟

ومع الميل الواضح لانصار الاسير للتحرك بسرية تامة، فان الجهات الامنية لا تخفي ترصّدها لهؤلاء، خصوصا انها تواصل البحث عن الاسير وعدد غير قليل من انصاره. وتقول المعلومات ان نقاشا يدور بصوت خافت بين انصار الاسير، يتركز على كيفية التعامل مع المرحلة المقبلة. وان هناك رأياً يدعو للالتزام بتعليمات الشيخ التي تصل علناً او بصورة سرية، والمضي في المواجهة. بينما يدعو آخرون الى التخلي عن فكرة المواجهة السياسية والتخلي نهائياً عن فكرة التسلح والعودة الى النشاط الدعوي. لكن يبدو ان اصحاب الرأي الثاني اقلية، خصوصا ان بعض هؤلاء يحذر من ان التخلي عن «نهج الشيخ» سيدفع بكثيرين الى الذهاب نحو مجموعات متطرفة تتخذ المواجهة المسلحة حصرا وسيلة للتعبير عن رأيها.