لو نظر أي مؤيد لقوى الثامن من آذار أو المقاومة إلى الخلف، إلى الأعوام الممتدة من سنة 2005 وحتى اليوم، وأجرى القليل من المراجعة السياسية للمراحل التي مرّ بها الصراع في لبنان، لهاله ما سيتذكره، ومدى التآكل والفشل الذي منيت به قوى الثامن من آذار التي يفترض أنها تحتضن المقاومة في لبنان.
يوم الثامن من آذار عام 2005 اجتمع كل المؤيدين لسوريا في اعتصام ضخم في الوسط التجاري، حُشد له من كل لبنان، تحت هاجس عدم ترك الجيش السوري يغادر لبنان مذلاً، وعدم السماح بتسجيل نقطة سياسية ضد سوريا. إلا أن تجمع 8 آذار أدى إلى أوسع استنفار شعبي وسياسي مؤيد لقوى 14 منه، فكانت النتيجة عكسية، وأُطيحت الحكومة المناصرة لسوريا في لبنان، وخرج الجيش السوري من البلاد وخلفه صور حشود 14 آذار، لا لافتات «شكراً سوريا». بعد استقالة حكومة عمر كرامي في 28 شباط عام 2005، كُلِّف نجيب ميقاتي رئاسة الحكومة الانتخابية، وهنا مرت المحكمة الدولية للمرة الأولى تحت جناح الحكومة الانتخابية حينها.
وتحت هاجس الانتخابات من ناحية، وحفظ وحدة البلاد بالقدر الأدنى الممكن، خلق التحالف الرباعي. حينها كانت قوى 14 آذار تعمل على ضرب ميشال عون الآتي قوياً إلى البلاد، والذي يمكن أن يسحب الشارع المسيحي إلى جانبه، وقد يصل إلى التحكم بكامل تحالف 14 آذار إذا لم يوضع حد له، فتحالفت قوى 14 آذار وقوى الثامن منه انتخابياً، فربح عون ما ربح، وانتهت انتخابات صيف 2005 بانفراط التحالف الرباعي لمصلحة قوى 14 آذار التي ضمنت الأغلبية في البرلمان، من دون حتى أن تشكر حلفاءها الانتخابيين في قوى 8 آذار.
كسبت قوى 14 آذار البرلمان، إلا أنها لم تتمكن من الحكم، وذهب البلد إلى طاولة الحوار، التي عملياً ثبّتت مبدأ المحكمة الدولية وطرحت سلاح المقاومة بنداً للنقاش.
في تلك المرحلة، وفي صيف عام 2006 وقعت الحرب على لبنان، فتحولت الحكومة اللبنانية إلى «حكومة مقاومة»، وراحت تتآمر على المقاومة في وقت واحد، أي إنها كانت محمية بغطاء قوى 8 آذار وتعمل على إطاحتها وإطاحة المقاومة في آن واحد.
بعيد الحرب انسحب ممثلو الطائفة الشيعية من الحكومة، وعُدّت غير دستورية، وفي تلك المرحلة من الانسحاب كُرِّست المحكمة الدولية، ومن دون توقيع رئيس الجمهورية إميل لحود، فعمدت قوى 8 آذار إلى إقامة اعتصام دائم أمام السرايا، كان يفترض به أن يحاصر السرايا، إلا أن التدخلات السياسية أدت إلى عزل الاعتصام أسفل السرايا الحكومية وتحويله إلى منطقة مغلقة مقابل منطقة السرايا.
لم يرفّ جفن لرئيس الحكومة حينها فؤاد السنيورة، بل أرخى بكل ثقله على الدولة اللبنانية، فانتقل للسكن في السرايا واشترى ما اشترى من مقتنيات على حساب المالية العامة، بينما كانت البلاد تغلي مذهبياً، وتنفجر بين الحين والآخر، كما حصل في الجامعة العربية يوم 25 كانون الثاني عام 2007، حيث وقعت أعمال شغب وإطلاق نار على الجيش اللبناني، وحينها انشق البلد تماماً وانفصلت الحياة في الضاحية عن بيروت وباتت بعض المناطق في بيروت محرمة على مواطنين شيعة.
في أيار من عام 2007 اشتعلت معركة مخيم نهر البارد، وبينما كان طرح قوى 8 آذار يقضي بحل سياسي وأمني وقضائي، واعتبار المخيم خطاً أحمر، دُمِّر المخيم تدميراً منهجياً على مدى ثلاثة أشهر، وصولاً إلى جرف المخيم القديم بالكامل بعد نهاية المعارك.
في السابع من أيار 2008 انفجر الصراع مسلحاً، بعد طول كمون، وبدل العملية الجراحية والموضعية الاستباقية، وقع العديد من الضحايا المدنيين، ومن الطرفين بشكل فوضوي، لم يكن محسوباً بدقة، وأدت المفاوضات في الدوحة إلى تكريس مواقع قوى 14 آذار السياسية بعد هزيمتها العسكرية، وتعيين رئيس للجمهورية بدل انتخابه، وضُرب اتفاق الطائف بالعمق، وهو كان آخر ما يحكم العلاقة بين الطوائف اللبنانية. وحينها أيضاً بدأت الخسارة الواسعة للتأييد الجماهيري العربي الذي سبق أن حصدته المقاومة في حرب تموز .
عاد فؤاد السنيورة للحكم بعد مجيء رئيس جديد للبلاد، وبدأت مرحلة الإعداد للانتخابات، وكانت قوى 8 آذار تقرأ في الإحصاءات فوزها، وتشاهد على الأرض خسارتها، وبقيت الأكثرية النيابية لقوى 14 آذار .
وصل هذه المرة سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة، وطالبت قوى 8 آذار بحصتها في السلطة التنفيذية، وحين عادت وخلعت الحريري عن كرسي الرئاسة الثالثة لم تتمكن من ملء الفراغ برجل من حلفائها.
لم يكن موقع قوى 14 آذار بأفضل حال، بل كانت كلما حصلت على مكتسب تخسر مقابله آخر. وفعل التآكل الداخلي فعله في الطرفين، إلا أن حال التشنج الداخلي وعدم القدرة على المحاججة السياسية باتت تضع جمهور كل طرف في حالة من التحجر، التي لن توصل إلى أي خير.