تشهد سوريا في الشهور الأخيرة ازدياداً لافتاً في جرائم القتل بذريعة الحب، في ما يبدو مؤهلاً للتحوّل إلى ظاهرة. لا شك في أن استسهال القتل بشكل عام، هو أحد مفرزات الحرب. لكن، يبدو أن عوامل أخرى تتضافر معه، لتكون النتيجة تزايد حالات قتل الإناث على وجه الخصوص. من أبرز تلك العوامل، تحول العنف القائم على النوع الاجتماعي، إلى ما يشبه «سلوكاً مبرراً»، فضلاً عن انحسار سلطة القانون، وبقاء التشريعات في كثير من الأحيان مجرد حبر على ورق.قبل فترة وجيزة، أضاء أصدقاء بيسان الشموع وسط مدينة السويداء، في صلاة لروح صديقتهم المقتولة، وهي فتاة لم تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها. كانت بيسان تعيش حياتها الطبيعية، إلى أن اقتحم شاب عمره 19 سنة منزل عائلتها، وفجّر قنبلة يدوية كانت في حوزته، ليقتل نفسه، وتُقتل الفتاة، وتصاب والدتها بجروح خطيرة. مصادر عديدة صنّفت الحادثة وقتها في خانة «جرائم الحب»، وقالت إنّ الشاب كان قد تقدم لخطبة الضحيّة، ورفضته عائلتها. قبلها بأيام قليلة، اقتحم شاب منزل خطيبته السابقة في القرداحة، وفتح النار، ليقتل الفتاة وشقيقتها، ويصيب شقيقها بجروح. وقبل شهر من الحادثتين، قام شاب بالانتحار في محافظة السويداء، بعد أن قتل الفتاة التي أحبها، ولم تقبل الارتباط به.

..وتستمر
يرفض منيف، وهو عم المغدورة بيسان، الروايات التي تم تناقلها بعد مقتل ابنة شقيقه، حول وجود علاقة بين ابنة أخيه، وقاتلها. يقول العم، لـ«الأخبار»، إن «العائلة لا تعرف القاتل، ولا توجد بينه وبين بيسان أي علاقة، ولم يتقدم لخطبتها من قبل». يروي تفاصيل يوم الجريمة، قائلاً إن «القاتل في يوم الحادثة انتظر ذهاب والد بيسان إلى دكانه، وطرق الباب في الموعد المعتاد لقدوم بائع الحليب». ويضيف «فتحت بيسان الباب، وفوجئت بالشاب الذي اقتحم المنزل. وبعد سؤاله عن حاجته، بدأ بالصراخ والقول إنه يريد بيسان، وبعد رفض المغدورة طلبه، قام بتفجير نفسه». يقول منيف إن العائلة «تعتبر أن دم بيسان قربان لمكافحة الجريمة، وانتشار السلاح بين أيدي الشباب في السويداء، وفي كل سوريا. سيبقى دمها في عنق كل من أسهم في انتشار السلاح». يؤكد أن «الحل الذي نريده هو حل مجتمعي، يطاول الجميع. نحن لا نريد ديّة أو ثمناً لدم ابنتنا، كما يعرض الوجهاء علينا». ويضيف «لقد رحلت عائلة الشاب عن القرية، كما رفض ذووه دفنه في مدافن العائلة، ولم يقيموا عزاءً له. نحن نضع القضية أمام المسؤولين والوجهاء، وأصحاب الضمائر، وأصحاب العمامات البيض، على أمل أن تكون ابنتنا آخر ضحية لهذا السلاح العشوائي».
تصل عقوبة من يثبت أنه قَتل عمداً إلى الإعدام


لم تجد أمنيات العم ترجمةً لها على أرض الواقع. فيوم الإثنين الماضي، أقدم شاب على تفجير قنبلة يدوية بنفسه، وبفتاة طلب خطوبتها سابقاً ورفضته عائلتها، ما أدى إلى مقتلهما. ونقلت وسائل إعلام محليّة، عن مصادر في بلدة كفر اللحف (ريف السويداء الغربي)، أن الشاب المدعو حافظ، يبلغ من العمر 23 عاماً، أما المغدورة حنان، فعمرها 22 عاماً، وهي طالبة جامعيّة.

الفوضى تربة خصبة
تقول المحامية الناشطة في مجال حقوق المرأة، مها العلي، إن «القانون السوري كان حاسماً في موضوع عقوبة القتل. تصل عقوبة من يقتل قصداً من دون سابق تخطيط، بحسب المادة 533 من قانون العقوبات العام، إلى الأشغال الشاقة لعشرين عاماً. أما من يثبت أنه قتل عمداً فتصل عقوبته الى الإعدام، بحسب المادة 535». وعن تجريم حمل السلاح، تقول العلي لـ«الأخبار» إن «المشرّع لاحظ أن جريمة حمل السلاح من الجرائم الخطيرة على المجتمع، وخاصة بين فئة الشباب، فصدر عام 2001 المرسوم التشريعي الرقم 51، الذي نظّم حمل السلاح، وكيفية الحصول عليه، ومتى يتم منح رخصة حمله». وتضيف «وضع القانون شروطاً قاسية لحصول الأفراد على الرخصة. وهذا كله يدل على أن جرائم القتل المتزايدة ليست بسبب تهاون التشريعات».
ترى العلي «وجوب البحث في الجوانب الاجتماعية، وسلوكيات الإعلام لذي يلعب دوراً في تكوين شخصية الطفل والمراهق، علاوة على الحرب وما أفرزته من انتشار السلاح». وتضيف «كنا نشهد جرائم قتل قبل العام 2011، وهذا طبيعي ضمن المجتمعات، فلا يوجد مجتمع خال من الجريمة. لكن النسبة ارتفعت في ظل الحرب، وهذه إحدى نتائج الأزمات، إذ تزداد الفوضى، وترتفع معدلات الجريمة». تلفت العلي إلى أن «الشاب الذي يبلغ من العمر 20 عاماً حالياً (قاتل بيسان مثلاً)، كان طفلاً عمره عشر سنوات في بداية الأزمة. لقد عايش وسمع عن الكثير من الجرائم والأحداث في العشر سنوات التي تكوّنت فيها شخصيته».

اقتل... وانجُ؟
يرى شادي صعب، المنسّق العام لمنظمة «توليب»، أن «ارتفاع نسبة جرائم قتل النساء بشكل عام، أحد مفرزات الحرب، وانتشار السلاح العشوائي بين شرائح المجتمع، وسهولة الوصول إليه واقتنائه». تختص «توليب» بدعم المرأة والطفل، وهي واحدة من منظمات المجتمع المدني في السويداء. أطلقت المنظمة مبادرة قانونية تطوعية، تقدم الاستشارات القانونية المجانية في قضايا الأحوال الشخصية، وقضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي، كما تتكفل بتقديم خدمات الدفاع عن النساء المعنفات بشكل مجاني أمام المحاكم.
يقول صعب، لـ«الأخبار»، إن «تفشي ظاهرة العنف بشكل عام في المجتمع، وبشكل خاص ضد النساء والفتيات، بات سمة عامة، في ظل تراجع دور المؤسسة القضائية، وتزايد إحساس الجناة بسهولة إفلاتهم من العقاب». ويضيف «هناك دور أيضاً للظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها السكان، والضغوط النفسية المصاحبة لها، فضلاً عن دور أساسي لهيمنة الثقافة الذكورية في المجتمع، والمدعومة بمنظومة عادات وتقاليد تكرس العنف ضد المرأة، وقوانين وتشريعات وطنية تمييزية تجاه النساء، ما يجعلهن الحلقة الأضعف في المعادلة». يؤكد صعب، أن «السياق المجتمعي الحاضن للعنف، والمكرس للثقافة الذكورية، بيئة خصبة لانتشار جرائم قتل النساء، وجميع أشكال العنف ضدهنّ، وسط مجتمعات غير مستقرة».