لا يتوقّف خطف الأضواء في أيّ بطولة على إحراز اللقب، فالتألّق له أكثر من نافذة تستطيع الفرق الإطلالة منها. وهذا ما فعله نادي هوبس، الذي بدأ كحصان أسود، ووصل إلى مرحلة أصبح فيها ظاهرة في عالم كرة السلة، مع إمكان الوصول إلى أبعد من ذلك هذا الموسم
عبد القادر سعد
فريق هوبس في «فاينال فور» بطولة السلة بعد احتلاله المركز الثالث في الترتيب.
جملة قد يوصف مُطلقها بالجنون فيما لو قيلت قبل أربعة أشهر، إذ لا يمكن أن يحدث هذا مع فريق صعد للمرة الأولى إلى دوري الأضواء، وكان معلوماً للجميع أن موازنته قليلة جداً جداً مقارنةً بباقي الفرق.
لكن هذا حصل، ودخل هوبس إلى المربّع الذهبي من أوسع أبوابه، علماً أنّ هذا الدور سيشهد غياب الحكمة للمرة الأولى.
قد يقول البعض إنّ الوصول إلى المربع الذهبي بعد الصعود إلى الأولى مباشرةً حصل سابقاً مع فريقي نجّار وتبنين. وهذا صحيح. لكنّ الفارق مع هوبس يكمن في الميزانية المتواضعة وأسماء اللاعبين الذين ضمّهم سجلّ الفريق في الاتحاد. فمع انطلاقة الموسم كانت تلك الأسماء مغمورة وغير معروفة. أمّا الآن، فقد اختلفت الحال، وحُفرت أسماؤهم في سجل لعبة كرة السلة الذهبي.
حسين قانصوه (قائد الفريق)، حسين الخطيب، محمد همدر، أمير سعود، ريبال بشارة، أنطوني يمّين، عمر مطرجي، محمد شمص، زياد الناطور، حسن ناصر الدين، وسيم قباقيبي، إضافةً إلى الثنائي الأميركي ريكي كليمنز وويليام بيرد، بقيادة المدرب الألماني بيتر شومرز.
مجموعة من اللاعبين حوّلت فريقها إلى ظاهرة في عالم كرة السلة اللبنانية.
أسئلة كثيرة أثارتها تجربة هوبس، فهل ما حصل صدفة؟ هل يمكن تعميمها؟ هل تستمر في المواسم المقبلة؟ هل هذه الاستراتيجية تجلب الكؤوس إلى الخزائن؟ هل وجود لاعبين سابقين في الإدارة إلزامي للنجاح؟ ما هو السر؟ ما هي التركيبة؟ ومن هو بطل القصة؟
أسئلة كثيرة طرحتها «الأخبار» على أصحاب الإنجاز من إداريين ولاعبين بهدف تحويل الأجوبة إلى تجربة قد تتكرّر في لعبة كرة السلة... وقد لا تتكرر.

الصعود ولكن

يشدّد قانصوه على الوجه اللاطائفي للفريق، «وحين يتغيّر الوضع سأرحل»
حين صعد هوبس إلى الدرجة الأولى، مثّلت الطريقة التي تأهّل بها نقطة سلبية في سجلّ النادي بعد اعتماده على لاعبين مخضرمين كوليد دمياطي وغازي بستاني وإيلي نصر وداني حاموش وربيع صليبي، ما عدّه البعض مضرّاً بمستقبل اللعبة.
هنا تنبّه القيّمون على النادي، وفي طليعتهم الرئيس جاسم قانصوه، وأمين السر غازي بستاني، إلى أنّ المشاركة في الأولى يجب أن تكون مختلفة. «فهي يجب أن تنطلق من تأليف فريق بشكل مقبول يمثّل الأكاديمية التي بنيناها منذ 10 سنوات، ووضعِ خبرتنا ومعلوماتنا أنا وغازي لإنجاح التجربة» يقول رئيس النادي جاسم قانصوه.
ومن هنا كان التحدي، بإنشاء فريق بميزانية قليلة، «رغم أنها كبيرة بالنسبة إلينا» يضيف قانصوه مبتسماً، وهذا ما دفع بالقيمين على النادي إلى دقّ أبواب كثيرة بهدف توفير الميزانية، وطرح فكرة الفريق «كما حلمنا بها وانطلاقاً من رؤيتنا نتيجة لخبرتنا لنرى ما إذا كانت ستنجح، وبالفعل نجحت أكثر ممّا كنا نتوقّع».

الفكرة بسيطة

ولكن ما هي هذه الرؤية أو الفكرة التي آمن بها قانصوه وبستاني؟
هي بكل بساطة «أن نجاح أيّ فريق يقوم على إبعاد العناصر السلبية، من اختيار اللاعبين والجهاز الفني والكادر الإداري الذين يكوّنون جسماً واحداً. فاللاعب الرقم 12 الموجود على مقعد الاحتياط، الذي لا يلعب ولو دقيقة في البطولة، له أهميته بأهمية اللاعب الأساسي أو الأجنبي نفسها» يوضح قانصوه.
وبعد إبعاد السلبية، يرى رئيس هوبس أن اختيار العناصر «اللي بتلبق مع بعضها مهم، فنحن اخترنا اللاعبين الذين يتمتعون بالروح القتالية. وكل لاعب معروف في الوسط السلّوي، كيف شكله؟ لماذا؟ ماذا يعطي؟ والمهم أن لا يكون هناك منافسات على فترة اللعب التي يحصل عليها، وأن يتقبّل فكرة عدم خوضه المباريات. أضف إلى ذلك اختيارنا مدرباً يميل إلى الأسلوب الدفاعي، الذي هو مهمّ بالنسبة إلى فريق حديث لا يملك النجوم والأموال»، يتابع قانصوه في حديثه عن تجربة فريقه.
ويلاحظ من خلال الحديث وجود دور كبير لبستاني، وهو ما يثير التساؤل عن إلزامية وجود لاعبين سابقين في الإدراة كي يتحقّق النجاح.
جواب قانصوه «لأ، ولكن لا شك أن الخبرة السابقة تؤدّي دوراً دون أن تكون شرطاً للنجاح».
وعن إمكان تعميم التجربة، يرى قانصوه أن المشكلة تكمن في الثقافة الإدارية ووجود مؤسسات تؤهّل كوادر إدارية، وبالتالي فإن المسألة محصورة بالخبرة، وبالنجاح في التوفيق بين الحاجة وسوق اللاعبين والتمويل. «لكن أعتقد أن هذه التجربة لن تتكرّر في لبنان، ولكن في الوقت عينه ليس المطلوب وضع ملايين الدولارات لإنشاء الفرق».
وينطلق قانصوه من تجربة الفريق في بطولة غرب آسيا، يؤكّد أن ما يحصل مع هوبس ليس صدفة، فالمستوى الذي قدّمه اللاعبون أمام أقوى الفرق، كان ممكناً أن يخرج هوبس به ببطاقة تمثيل لبنان في بطولة آسيا، فيما لو كان اللاعبون يتمتعون بخبرة أكثر، أو كان ريكي كليمنز قد وصل إلى المستوى الذي وصل إليه الآن.
ويضيف رئيس هوبس أن الأمين العام المساعد للاتحاد الآسيوي هاغوب خاتجيريان افتخر بأداء فريق هوبس خلال اجتماع روساء الأندية المشاركة، وخصوصاً أن الكلفة المادية متواضعة.
هذه الكلفة التي حيّرت معظم العاملين في الوسط السلّوي، يرى قانصوه أنها قد تصل إلى 200 ألف دولار كحد أقصى مع نهاية الموسم، رغم أن هذا الرقم تقريبي. واللافت وجود عدد من اللاعبين لا يتقاضون رواتب «ومع ذلك تراهم متحمسين أكثر من اللاعبين الأساسيين».

إيمان المموّلين

يتوقع القيمون على النادي ألّا تتجاوز ميزانية العام الحالي 200 ألف دولار
وبالحديث عن التمويل، يشير قانصوه إلى أن كل شخص دعم النادي قام بذلك انطلاقاً من الانتماء إلى فكرة هوبس، والاقتناع بها منذ المشاركة في الفئات العمرية، كالمدير العام لبنك التمويل فؤاد مطرجي، الذي هو والد اللاعب عمر. وهناك أيضاً مروان خير الدين (بنك الموارد) وبنك الجمّال وفادي سعد الدين (شركة بامبا) وهؤلاء أيضاً أصدقاء ومقتنعون بالفكرة. وبناءً على ذلك، سعى الفريق إلى إثبات أحقيته في الإيمان به، والتأسيس لمراحل مقبلة.
ويشدّد قانصوه على أن كل هؤلاء الأصدقاء ما كانوا ليدعموا النادي لولا الوجه اللاطائفي الذي يتمتع به، والذي يقاتل الجميع للمحافظة عليه. فهوبس موجود في انطلياس واختار ملعب مجمع المرّ لكونه يقع في الوسط، وقريباً من جمهور النادي الموجود في جميع المناطق. فالمؤسسات الكبيرة لا يمكن أن تضع أموالها في أماكن تكون لها صبغة طائفية. «نحن لاطائفيّون وسنبقى نرفع هذا الشعار الذي نحن مؤمنون به، وندفع ثمنه في بلد من يرفع فيه مثل هذا الشعار يخرج خالي الوفاض».
ورغم نجاح التجربة قد يسأل البعض هل يمكن أن ينتج منها إحراز لقب البطولة، فيجيب قانصوه إنّ اللقب ليس من أهدافه، وما يسعى إليه هو الصورة المشرّفة للفريق.

بستاني: نقوم بواجبنا

أما «الشريك الثاني» في المشروع غازي بستاني فيجيب مبتسماً على سؤال: لماذا وصلتم إلى هنا؟
«لم نكن نتوقع ذلك، فنحن عملنا كما نعرف كيف يكون العمل في كرة السلة. «ركّبنا» فريقاً متجانساً، وكان هدفنا الوصول إلى ما وصلنا إليه، فالتركيبة بين الأجانب والمدرب شومرز واللاعبين، مع وجود مدرب لياقة كروني لطوف أوصلت إلى هذه النتيجة. أمّا بالنسبة إلى العمل الإداري، فنحن نقوم بما يجب أن نقوم به».
وعن إمكان تعميم التجربة واستمرارها، يجيب بستاني «يجب أن تعمّم والفريق لا يحتاج إلى ملايين الدولارات كي ينجح، وسنسعى إلى الاستمرار، علماً بأننا خجلون من اللاعبين لكونهم يقدمون أكثر بكثير مما يحصلون عليه، ونأمل أن نفيهم أتعابهم».

يمّين والـ«PACKAGE» الناجح

الوافد الجديد إلى الفريق من بلوستارز والمقاتل أنطوني يمّين رأى أنّ الـ«PACKAGE» في الفريق متكاملة «فالإدارة عظيمة واللاعبون شباب، وهناك تجانس مع المدرب والأجانب، إضافةً إلى وجود مدرب لياقة بدنية رائع هو روني لطوف، الذي له دور كبير في ما وصلنا إليه».
وعن الفارق عن باقي الفرق، يرى يمّين أن «طغيان عنصر الشباب، وسعي الجميع إلى تقديم كل ما عنده، من أهم عوامل النجاح، لكن من الصعب تعميم هذه التجربة على الفرق الأخرى».

القائد قانصوه

ولا يختلف زميله وقائد الفريق حسين قانصوه، الذي رافق الفريق في مسيرته وغاب عنه سنة واحدة، عن رأي يمين، ويرى أنّ الإعداد المبكر، وشبابية معظم اللاعبين هما سبب التألّق. فكل لاعب لديه ما يبرهنه لنفسه وللمتابعين، وبالتالي، ليبرهن أنّ الروح أقوى من الماديّات، و«وراء كل ذلك إدارة ممتازة من جاسم إلى غازي إلى روني إلى المدرب المساعد باتريك سابا». وعن الفارق عن باقي الفرق يقول قانصوه «العنصر المادي غير مؤثّر، وعلاقة اللاعبين ممتازة داخل الملعب وخارجه، لكن السنة المقبلة ستكون المهمة أصعب للحفاظ على ما وصلنا إليه».


لحظات لا تنسى

يرى رئيس نادي هوبس جاسم قانصوه أنّ أجمل اللحظات التي عاشها خلال البطولة كانت خلال إحدى المباريات، حين شاهد جمهور الفريق من أنطلياس ومن بيروت يجلسون جنباً إلى جنب، والفتيات المحجّبات وغير المحجبات يشجّعن بصوت واحد وبحماسة مشتركة. «وهذا المشهد يعني لي الكثير». أما على الصعيد الفني، فإنّ اللقاء مع الرياضي في إياب الدور الأول، حين فاز هوبس بفارق 21 نقطة كان من أجمل المباريات، إذ «شعرت بأنّ لديّ أسوداً في الملعب يقاتلون بشراسة».
أمّا أسوأ اللحظات، فكانت حين فزنا على الكهرباء رغم أننا كنّا سيّئين، إضافةً إلى «التخبيص» الذي حصل خلال تأليف فريق «الميني باسكت». «إذ تستطيع أن تخطئ قدر ما تشاء مع اللاعبين الكبار، ولكن مع الصغار فالخطأ ممنوع. إذ يمكن أن يكون لاعب ناشئ مشروع نجم كفادي الخطيب أو روني صيقلي، ويمكن أنّ يتحوّل إلى لعبة كرة القدم، ويصرف النظر عن كرة السلة نتيجة خطأ في التعاطي معه».