من الطبيعي أن تتجه أنظار العالم هذا المساء إلى روما، حيث نهائي دوري أبطال أوروبا بين برشلونة ومانشستر يونايتد، لكن حمّاها أصابت الشباب العربي مبكراً، وأخذت منحىً يتخطى مجرد متابعته مباراة كرة قدم
حسن زين الدين
لا شك في أن أمسية هذه الليلة ستشهد حدثاً استثنائياً، حيث نهائي مسابقة دوري أبطال أوروبا في كرة القدم، المعروفة بالـ«تشامبينز ليغ»، بين الفريقين الأقوى في العالم، برشلونة الإسباني ومانشستر يونايتد الإنكليزي، كما يكفي ذكر اسم البرتغالي كريستيانو رونالدو لاعب «الشياطين الحمر» من جهة، أو الموهبة الأرجنتينية الفذة ليونيل ميسي نجم «البلوغرانا» من الجهة المقابلة، حتى تهتز لهما أركان هذه اللعبة في العالمكل هذا يبدو مفهوماً وطبيعياً، وكما تجري العادة عند الغرب، أو بالأدق عند أصحاب الشأن أنفسهم، فإن حماستهم ستنحصر في الساعتين اللتين تسبقان المباراة، وفي مثلهما حتى انتهاء الاحتفالات. لكن في وطننا العربي، فإن حمّى هذه المباراة بدأت منذ أكثر من أسبوع على المواقع الإلكترونية، وقد أخذت منحى، وإن كان مسلياً ومضحكاً، فإنه لا يخلو من التعصب الأعمى والاستفزازات المتبادلة، بين «معسكري» أنصار فريقين يبتعدان في الجغرافيا عن عالمنا العربي.. أميالاً وأميالاً.
هكذا، لم تعد المسألة تتعلق بمجرد شباب يتابع هوايته المفضلة، بل ثمة انبهار وشغف بعالم هذه اللعبة وبأحلامها الوردية يتخطيان الواقع. عالم، حيث أثمان أقدام اللاعبين فيه تقدر بملايين الدولارت، وحيث الحياة الرغيدة من جهة، والشعور بالنشوة والانتصار من جهة أخرى، يفتقدهما أغلب هذا الشباب في أوطانه. هكذا، أصبح همّ فئة كبيرة من الشباب العربي ينحصر في تحليل من هو الفريق الأقوى مانشستر أم برشلونة، من اللاعب الأفضل ميسي أم رونالدو، وكيف سيكون الطقس وقت المباراة يا ترى؟ ابتهالات يطلقها بعض هؤلاء من أجل شفاء اللاعبين هنري وانييستا ومشاركتهما في المباراة مثلاً، فيما آخرون منهم يتوقعون أن حياتهم ستنقلب رأساً على عقب في حال خسارة فريقهم المفضل!
«الأخبار» رصدت آراء وتفاعلات الشباب العربي من خلال المواقع الرياضية على شبكة الإنترنت، طيلة الأسبوع الذي سبق موعد مباراة الليلة، لتقف عند حقيقة هذه الظاهرة، مع الإشارة إلى أن أعداد المشاركين في هذه المواقع يبلغ ألوفاً.

«ولعانة» في المنتديات

إذاً، انطلقت «الحرب» بين أنصار الفريقين مبكراً عندنا. في موقع « كووورة» الرياضي (kooora.com)، الذي يعدّ الأول في العالم العربي (بحسب تصنيف موقع alexa ) من خلال مواكبته الأحداث العالمية وأخبارها، ثمة منتديات يتيحها الموقع للشباب من أجل النقاشات الرياضية الطابع. هكذا تتعدّد المنتديات بحسب محبي البلد كروياً، كالألماني والإيطالي والإسباني... إلخ. وبالطبع فإن الحماوة تسيطر الآن على المنتديين الإنكليزي، حيث مؤيدو مانشستر يونايتد، والإسباني حيث مؤيدو برشلونة.
في المنتدى الإنكليزي، تطالعك أولاً الخانة المركزية التي يجتمع تحت لوائها مناصرو مانشستر، وتحمل اسم: «صحيفة man utd ، أبطال إنكلترا وأوروبا»، وحملت شعار: «للنهائي نتجهز ورح نهز الاولمبيكو هز»، ويجري فيها تتبّع آخر أخبار الفريق، وأحوال لاعبيه من خلال الصحف العالمية، أولاً بأول، وأسرع من وكالات الأنباء أحياناً، ويعلّق الأعضاء عليها، وقد دخلها حتى اللحظة 50 ألف عضو. وفي الجانب الآخر، في المنتدى الإسباني، هناك « صحيفة برشلونة» وقد حملت شعار: «بالثنائية احتفلنا، رقصنا ودبكنا، والأربعاء مع الثلاثية موعدنا» وقد دخلها 46 ألف عضو.
في خانات الحوارات (بين المنتديين)، يطرح عضو نقاشاً تحت عنوان: «يتوعّدون ونسوا تاريخهم الأسود»، يهاجم فيه فريق مانشستر، فتتوالى عندها الردود بين الطرفين، هنا زميل له يهنئه: « الآن عشاق الإنكليز رح يفقعو»، وآخر يسانده: «فريق فاشل مثل مشجعيه»، فيأتي الرد مدوياً: «ستسقطون من أعلى القمم، وإن غداً لناظره قريب».
في المقلب الآخر، ينبري أحد مشجعي مانشستر متهجّماً على لاعب برشلونة الكاميروني صامويل ايتو، فتتوالى التعليقات الساخطة، فيتدخل أحد «المصلحين» بنقاش تحت عنوان: «كفانا سكوتاً بدأنا نتعدى الحدود»، حيث يدعو مناصري الفريقين إلى ضبط الأعصاب، ومن ضمن ما يقوله: «لم أعد قادراً على السكوت...ألهذه الدرجة أصبحت عقولنا صغيرة؟».
تهدأ بعدها الأمور، فيجدها أحد أعضاء برشلونة فرصة للدخول إلى موقع مانشستر، وطرح حوار بعنوان: «من عاشق البلوغرانا إلى كل محبي المان»، يتمنّى فيها مباراة ممتعة بين الفريقين، فتأتي الردود شاكرة.
لا تلبث الأمور أن تشتعل من جديد، حين يطرح مشجع من مانشستر نقاشاً حول موضوع ترجمه بعنوان: «بلاتيني (رئيس الاتحاد الأوروبي) يتحيز ويعلن مساندته لبرشلونة»، فتقوم الدنيا ولا تقعد، فيما ينبري عضو من برشلونة متهماً كاتب النص بتحوير الترجمة حسب أهوائه.

صراع أبناء البيت

لا تنحصر الاستفزازات بين مناصري برشلونة ومانشستر فحسب، إذ إن مناصري ريال مدريد، في المنتدى الإسباني، لم يعلنوا تضامنهم مع «ابن العم» برشلونة ضد «الغريب»، بل وجدوها فرصة للانقضاض على الغريم الأزلي، وخصوصاً بعد خسارة فريقهم المذلة أمامه 6-2 في الدوري المحلي. هكذا مثلاً، يطرح أحد أعضاء برشلونة نقاشاً مستفزّاً بعنوان: «بصراحة إن فاز برشلونة بالتشامبينز ليغ، فأكثر من سيحزن هم مشجعو ريال مدريد»، فيأتي الرد سريعاً من أحد مشجعي ريال: «أمر طبيعي، مشجعو الريال مستعدون لتشجيع أي فريق في العالم يواجه البرسا»، فيتدخل أحدهم: «جمهور ريال حاقد على برشلونة وميسي منذ زمن». وتشتد المداخلات على هذا المنوال، الأمر الذي يستدعي تدخلاً عاجلاً لأحد الأعضاء بطرح يحمل عنوان «حملة للمصالحة بين جماهير برشلونة وريال مدريد»، فيلقى استحساناً من البعض، فيما يرى أحدهم: «مستحيل، نحن مشجعي الريال لن نضع يدنا بيد مشجعي برشلونة»، ويعلنها آخر من برشلونة صريحة: «لا للمصالحة».

استهداف ميسي

لكثرة استحواذ النجم ليونيل ميسي على عقول مشجعي برشلونة، لم يعد أحد الأعضاء يحتمل الموقف، هكذا طرح مداخلة بعنوان: «صرعتو مخّنا بميسي يا برشلونة»، ثارت ثائرة البرشلونيين عندها، ليبادره أحدهم: «موضوعك تافه مثلك أخي»، ويسانده آخر: «ههههه (ضحكة).. اشرب ماء وارتاح، بس لا تجيك انفلونزا ميسي». حتى إن حاول الجنس اللطيف أن يتدخل لترطيب الأجواء، فسيلقى الرد ذاته. هكذا مثلاً طرحت إحداهن قصيدة إعجاب بميسي، فجاءها رد حازم: «ستندمين لأنكِ شجعتِ ذلك الطفل».

الصورة مشابهة

بالانتقال إلى موقع رياضي عربي آخر (sport4ever.com )، تبدو الصورة مشابهة، وإن كان عدد الأعضاء يبدو أقل. هكذا مثلاً في خانة الكرة الأوروبية، يطرح أحد أعضاء مانشستر حواراً بعنوان: «الإنكليز ودوري الأبطال: تاريخ حافل وعشق متبادل»، حيث يشرح بالتفصيل والتحليل تفوق الأندية الإنكليزية في هذه البطولة، فيلقى عندها إشادة زميله: «لا صوت يعلو على صوت الإنكليز في هذه الفترة».
أما أحد مناصري برشلونة، فيطرح نقاشاً بعنوان: «سنعيد ذكريات باريس في روما فانتظرونا»، حيث يعبّر كاتب النص فيه عن مشاعره تجاه الحدث، ومن ضمن ما يكتب: «الله كم انتظر هذه المباراة بفارغ الصبر، كم حلمنا بهذه المباراة، سوف تكون لحظة جنونية...إلخ».
كلمات «شاعرية» يعجز عضو آخر عن وصف مدى إعجابه بها، فيكتفي بالقول: «إما اللحظات الأخيرة في حياتي (الخسارة)، أو اللحظة التي أولد فيها مجدداً (الفوز)»!
إذاً، هو هوس بعالم اللعبة بات يتخطى حدود المعقول، وإن أخذ منحى مضحكاً ومسلياً. أو هو بالأدق، هروب من واقع اجتماعي يعيشه هذا الشباب، الذي لم يعد يجد سوى هذه الكرة متنفّسا لكل الاحتقان الذي يحيط به. ما يطرح علامات استفهام عن أولويات فئة كبيرة من شبابنا حالياً، وإلى أي مدى وصل تفاعلها مع قضاياها الأساسية!


مقارنةفي الموقع الإلكتروني لمجلة «ليكيب» الرياضية الفرنسية الشهيرة، على سبيل المثال، خانة تدعو المتصفّحين إلى بعث رسائل يعبّرون فيها عن آرائهم حيال المباراة، و «المشاركات الأفضل ستُنشر في الموقع».