في خضم مشكلات الرياضة اللبنانية ومتاهاتها التي لا تنتهي. يبدو، على الأقل على المستوى الإعلامي، الالتفات نادراً لفئة رياضية مهمشة، لعلها تستأهل إضاءة عليها أكثر من رياضتنا برمّتها... إنهم المعوّقون...ولكن
حسن زين الدين
كان ذلك في عام 1989، حين فقد بلال الصبّوري (38 عاماً) جزءاً من ساقه خلال عمله الجهادي في صفوف المقاومة الإسلامية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. حينذاك، انفجر لغم ببلال أدّى إلى بتر في ساقه من تحت الركبة. ما بعد تلك اللحظة ليس كما قبلها. فبلال أصبح يعاني إعاقة في جسده. ترتسم ابتسامة على محيّاه عند سؤاله إن كان ثمة تغيّر طرأ على حياته بعد الحادثة، ويجيب بثقة: «ثمة 3 احتمالات في العمل المقاوم تضعها دائماً في الحسبان، وهي إما الأسر وإما الإصابة وإما الاستشهاد». تدرك أمام كلمات بلال تلك، الممتلئة بالعزيمة، أنك لست بحاجة إلى سؤاله إن كان قد وجد صعوبة في دخول عالم الرياضة رغم إعاقته، «بعد إصابتي بفترة قصيرة، كنت أتوجه من الضاحية الجنوبية إلى المنارة على دراجة هوائية، هناك كنت أسبح، ثم أعود» يقول بلال. هكذا بدأت علاقته بالرياضة، كان ثمة تحدٍ مع ذاته» ومحاولة لتغيير نظرة الآخرين المشفقة إلى المعوّق» يشدد بلال، ويضيف بحماسة: «المعوّق يتمتع بكفاءة كالآخرين، حتى إنه يتفوّق عليهم في بعض المجالات». ولدى سؤالنا له عن الألقاب التي حققها، يبتسم بلال ويناور في إجابته ممازحاً: « أنا بسبح منيح، بس يا خيّي بتعرف صعوبات الحياة. أنا بشتغل بالأعمال الحرفية للمؤسسة، وعندي أوتوكار لتوصيل التلاميذ، وعندي 5 ولاد، والرياضة بدها راحة ووقت»، ثم يضيف: «إسأل علي، بيفيدك أكتر»...

مثابرة وألقاب

...إذاً، هو علي نور الدين (31 عاماً)، زميل بلال في النادي. عام 1994 تعرّض علي لإصابة جرّاء استهدافه من قبل العدو، ما أدى إلى بتر في ساقه من فوق الركبة.
في أحد الأندية الرياضية للعامة، حيث كان علي ينتظر مدرباً اتحادياً سيجري له للتوّ اختباراً من أجل تمثيل لبنان في بطولة عالمية في بلجيكا هذا الصيف، يتحدث الشاب عن أهمية الرياضة في حياته، فيقول: «عوّضتني كثيراً عمّا فقدت، وساعدتني على رفع ثقتي بنفسي إزاء الآخرين»، هذا على المستوى النفسي. أما طبياً، فيلفت علي إلى «أن الرياضة أساسية في حياة المعوّق أكثر من غيره، فمن دونها يتعرّض لاختلال في جسمه، إضافة إلى التكلّس والديسك».
ليس بغريب أن يصبح علي من أهم السبّاحين في رياضة المعوّقين في لبنان، إذ «كنت أتدرّب وحيداً لمسافة 3000 متر» يقول علي، الذي حقق إنجازاً في مستهل مشاركاته، حين عاد من البطولة العربية في الأردن عام 2000 محمّلاً بثلاث ميداليات برونزية للبنان. «الإرادة والتحدي مهمان في رياضتنا»، ويضيف باعتزاز، هكذا «تفوّقت في إحدى البطولات المحلية على أشخاص لا يعانون إعاقة في مسابقة الـ200 متر».
ثمة عزيمة وإصرار تلحظهما في عيني علي، لكنهما لا يخفيان مرارة يشعر بها الشاب في داخله من خلال قوله: «يا ريت لو كان في دعم (غير النادي) وكمّلت متل ما بلّشت عام 2000، كنت يمكن وصلت لبعيد.. لبعيد».

نادي الجريح الرياضي

في مكتبه في بيت الجريح، يجلس رئيس النادي محمد قانصو على مرمى حجر من المقر السابق للمؤسسة والنادي الذي دمّر في عدوان تموز 2006. «جمعية نادي الجريح الرياضي انطلقت عام 2002 من رحم مؤسسة الجريح التي تُعنى بمساعدة الجرحى والمعوّقين في لبنان، وخصوصاً جرحى المقاومة الإسلامية»، وعن السبب؟ يجيب قانصو «الرياضة ضرورة في حياة المعوّق، فهي تمدّه بالحافز المعنوي، وتجعله إنساناً فاعلاً في المجتمع».
في نادي الجريح، وهو عضو في الاتحاد اللبناني لرياضة المعوّقين، ثمة رياضتان تمارسان هما السباحة وكرة الطاولة، بحيث يبلغ عدد الرياضيين فيهما 24 لاعباً متخصصاً، كما أنه بصدد التوسّع نحو رياضتين هما الرماية والقوس والنشاب. وتشارك فرق النادي في البطولات المحلية والخارجية، إضافة إلى استضافتها مهرجانات رياضية، كيوم الجريح ومهرجان المقاومة والتحرير.
ما هي المشكلات التي تواجهكم في هذه الرياضة؟ يتنهّد قانصو ويقول: «غياب دعم الدولة لهذا القطاع الرياضي المهم الذي يعمل، مشكوراً، وفق ميزانية الاتحاد، التي توفّر من اشتراكات الأندية، «لافتاً إلى «وجوب توفير ميزانية خاصة لاتحادنا، لأن بمقدوره رفع اسم لبنان خارجاً، عكس الرياضات الأخرى، كما فعل البطل اللبناني إدوار معلوف الذي حقق ميدالية برونزية للبنان في البارالمبيك في بكين».
كذلك يوجّه قانصو الدعوة للشركات والمؤسسات لدعم هذه الرياضة، مقترحاً أن يصار إلى إعفاء هذه الشركات من بعض الضرائب، ومذكّراً بقانون المعوّقين الذي يعفي المؤسسات التي تشغّل معوّقين (3 من أصل 100عامل) من نسبة من الضرائب.


بلال يتقبّل الخسارة وعلي «بياخدها جدّ»

كان بلال (إلى اليسار) وعلي في فترة سابقة يترددان إلى شاطئ المنارة حيث يسبحان لساعات، «وكنا نكتسب تجربة وخبرة من سبّاحين لهم باعهم هناك». يقرّ بلال بأنه لم يستطع أن يتفوّق على زميله، ثم يستدرك «مبلا مرة واحدة»، فيرد علي: «أيمتا، ما تصدقوا»، عندها يضحك بلال قائلاً: «أنا بتقبّل لخسارة بس علي بياخدا جدّ».