شربل كريم
جميل ان ترى احد معلّقي او محللي القنوات العربية الرياضية المتخصصة يقف على ارضية ملعب معيّن لنقل احداث مباراة في احدى بطولات كرة القدم الاوروبية، اذ ان للامر خصوصية مميّزة تعطي المشاهد نظرة طيّبة عن صورة القناة ومدى تفوّقها في سعيها الدؤوب لاحتلال المركز الرقم واحد على شاشات المتابعين.
ربما كانت فكرة المشهد المذكور بعيدة الى حدّ ما عن التصوّر ضمن عالمنا العربي في الماضي البعيد على الاقل، اذ كنا نكتفي بابداء الاعجاب بما يُقدم عليه الاوروبيون من صولات وجولات ومقابلات وجهاً لوجه مع نجوم اللعبة الشعبية الاولى في العالم، من دون ان تكون للقنوات الناطقة باللغة العربية القدرة على مجاراة سرعة الارتقاء الاعلامي الذي يعدّ جزءاً اساسياً في نقل تطور اللعبة الى ابعادٍ غير محدودة. الا ان الامور اضحت مغايرة اليوم وفرضت المنافسة الاقليمية بين القنوات العربية الرياضية نفسها لتفرز مشهداً مماثلاً لما يدور في الاجواء الاعلامية عالمياً وسط سعي كل من هذه القنوات الى جمع باقةٍ من الحقوق الحصرية يمكنها جذب اكبر عددٍ ممكن من المشاهدين.
ولا يخفى ان المنافسة المذكورة انعكست ايجاباً لتروي عطش عشاق اللعبة الذين اصبح بامكانهم متابعة البطولات المختلفة والتمتع بتحليلات نجوم اوروبيين سابقين على وجه الخصوص. اضف تحسين صورة الاعلام العربي الذي اعتنق في مكانٍ ما الطريقة الاوروبية المميّزة في تقديم الحدث ونقله بأبهى حلّةٍ وبأدق التفاصيل. كما لا يخفى ان الوضع مختلف لبنانياً حيث تعيش القنوات المحلية حالة فراغ رياضي، حيث لا توجد فسحة حقيقية للبرامج الرياضية البعيدة عن التقاليد الروتينية، والدليل هجرة الزملاء العارفين بجوانب الكرة العالمية الى القنوات الفضائية المتخصصة لشغل دورٍ اساسي ضمن دورة برامجها، والمثال الزميل حسين ياسين الذي يقف اليوم محاوراً بتميّز الدولي الايطالي السابق تشيزاري مالديني وغيره من نجوم الـ«سيري آ» الحاليين عبر شاشة الجزيرة الرياضية، فيما يستمر السعي بحسب الزميل والأخ الكبير ناجي شربل لاستقطاب العقول الرياضية اللبنانية اصحاب القلم المميّز بالدرجة الاولى والحضور التلفزيوني بدرجةٍ اقل لاستلام دفة الاقسام الرياضية في عددٍ من المطبوعات والقنوات المتوقع اطلاقها قريباً، وهذا ما لمسه حقيقةً في زيارته الاخيرة الى احدى الدول النفطية الخليجية.
ويبدو المشهد الاعلامي العربي في الوقت الحالي اشبه بمباريات الـ«دربي» وبميزانيات الفرق الكبرى، وذلك من حيث المنافسة النارية بين الاطراف والامكانات المادية الكبيرة الموضوعة بتصرّف القيّمين لتأكيد الحضور القوي والابقاء على مسافة متفوّقة من الآخرين. وقد انسحبت هذه المنافسة الاعلامية والسباق باتجاه المراتب الاولى الى وكالات الانباء العالمية بشقها العربي رياضياً، والتي تعتبر المصدر الاول والمغذي الفعلي لوسائل الاعلام المختلفة من حيث نقل المعلومات المكتوبة، وقد برز هذا الامر جليّاً بالفكرة العصرية التي اطلقها رئيس القسم الرياضي في وكالة الصحافة الفرنسية «أ ف ب» زياد رعد، وهي انشاء خدمةٍ مختصة بالرياضة الميكانيكية التي تأخذ حالياً حيّزاً واسع النطاق في عالمنا العربي. ومما لا شك فيه ان هذه الفكرة غير المسبوقة تفتح آفاقاً اعلامياً اوسع وتضع الاعلام العربي المكتوب في خانة موازية ومنافسة للاعلام الدولي الذي اشتهر بتخصصه، وتقرّب المسافات حيث يبدو العالم يوماً بعد يوم «قرية صغيرة» في عصر التكنولوجيا.