هي ضربة للبرازيل لا هي نعمةٌ لـ«السيليساو». بين العبارتين الأولى والثانية انقسمت الآراء حول غياب نيمار عن منتخب بلاده في كوبا أميركا. هو غياب قسري يضرّ البرازيل عامةً بالتأكيد، لا من الجانب الفني تحديداً بل من جوانب أخرى مرتبطة بعملية استضافة البطولة القارية، وأهمية وجود وجه عالمي مثل نيمار فيها، إذ إن غيابه سيؤثر بلا شك سلباً على الناحية التسويقية ولو أنه من المستبعد جداً أن يدير الجمهور العاشق للكرة في بلاد السامبا ظهره لمنتخب بلاده في هذا الاستحقاق.نقطة الغياب قد تؤثر معنوياً أيضاً على المنتخب الأصفر، أقله بالنسبة إلى الرهبة التي يفرضها وجود نيمار أمام الخصوم، الذين بلا شك يحسبون له ألف حساب، وهو أمر سيختلف في حالة غيابه، ولو أنه معنوياً أيضاً رأى البعض إيجابيات في إصابة نجم باريس سان جيرمان الفرنسي وابتعاده عن منتخبه، كونه أربك الجميع طوال الأيام القريبة الماضية بمسألة اتهامه بالاغتصاب، وهي القضية التي كانت بالتأكيد ستزيد من حجم ضغوط الإعلام حول المعسكر البرازيلي، حيث سيسعى كل الصحافيين «لاصطياد» صاحب القميص الرقم 10 علّهم يحصلون منه على تصريح أو كلمات حصرية بخصوص تلك المشكلة التي وقع فيها.
بطبيعة الحال أصبح غياب نيمار أمراً حتمياً، وبالتالي يذهب الكلام اليوم عن تأثير هذا الأمر على اللاعب نفسه وعلى منتخبه أيضاً. ففي الحالة الأولى لا يخفى أن نيمار كان يسعى بكل ما يملك للعب كوبا أميركا وتعويض خيباته مع البرازيل وموسمه الصعب مع النادي الباريسي، وأيضاً لإسعاد جمهور بلاده ومحو الصورة القاتمة التي أُلصقت به أخيراً، إن كان بسبب تهمة الاغتصاب أو قبلها بسبب سحب شارة القيادة منه على اعتبار أنه لا يستحقها، كونه لم يعكس يوماً صورة القائد الفعلي على أرض الملعب أو خارجه.
غياب نيمار يؤثر سلباً على البطولة أكثر منه على منتخبه


أما في الشق الثاني واستناداً إلى المباراة الوديّة التي فاز فيها «السيليساو» على هوندوراس (7-0)، فقد تبيّن (وبغض النظر عن قوة الخصم)، أن بإمكان البرازيل التعايش مع غياب نيمار، لا بل إن بديله دافيد نيريس الذي برز هذا الموسم مع أياكس أمستردام الهولندي تمكن من ملء الفراغ، وتحرّر على غرار زملائه الآخرين من عبء اللعب حول لاعب واحد، فكان أن توزعت الأهداف بين شاغلي خط المقدمة، أمثال كوتينيو وروبرتو فيرمينو وريتشارليسون، والذين يمكن إضافة غابريال جيسوس إليهم للقول بأن البرازيل تملك بلا شك أقوى خط هجوم في «الكوبا».
ويمكن اعتبار أن غياب نيمار لن يؤثر بشكلٍ كبير على البرازيل استناداً إلى مركز الأخير وطريقة اللعب التي يعتمدها المدرب تيتي. وهنا الحديث عن دور نيمار المرتبط بشغل مركز الجناح أخيراً، وهو المركز الذي يملك فيه تيتي خيارات عدة. أضف أنه لا يعتمد على اللاعب الجناح فقط لشغل طرفي الملعب، بل الواضح أنه في المباريات الأخيرة كانت طريقة اللعب تستند إلى الظهيرين بشكلٍ كبير ومن دون حذر دفاعي مفرط، وذلك كما كان الحال عليه في الماضي البعيد أو أيام كافو وروبرتو كارلوس مثلاً. ولهذا السبب سيكون مطلوباً من القائد الجديد، الظهير الأيمن داني الفيش أن يلعب دور نيمار في بعض الأحيان، والأمر عينه بالنسبة إلى الظهير الأيسر فيليبي لويس الذي يهوى الصعود إلى الأمام ولعب الكرات العرضية أو المشاركة في العمليات الهجومية.
كذلك، هناك نقطة مهمة تتمثل بالسماح للاعبي الوسط القيام بعملية بناء اللعب بدلاً من تسليم الكرة إلى لاعبٍ يهوى أخذ الأمور على عاتقه. لذا يمكن أن يكون آرثر نقطة قوة إضافية من خلال رؤيته الشاملة وحنكته في التمرير، والتي ستحرر لاعباً مثل كوتينيو، والذي سيجد ظهره محمياً بوجود لاعبٍ مثل كاسيميرو خلفه. وسيكون المطلوب من كوتينيو ملء المساحة التي تركها نيمار تماماً كما هو الحال في برشلونة مع إمكانية نجاحٍ أعلى طبعاً بحُكم عدم وجود نجمٍ محوري مثل الأرجنتيني ليونيل ميسي في الفريق.
ببساطة، سيكون كوتينيو «بيضة القبان» ليلعب كما يحلو له ويمارس هواياته التهديفية، وهو الذي يقدّم مع البرازيل مستوى مغايراً عما هو عليه الحال مع «البرسا». لذا فإن الفرصة ستكون متاحة له لنسيان موسمه المخيّب (باعترافه) مع الفريق الكاتالوني، ولعب دور البطل في بلاده بحمل الكأس في نهاية المطاف.
لكن لا يمكن لكوتينيو أن ينجح لوحده، بل إن عملية تعويض نيمار يفترض أن تكون جماعية. وهنا خيار تيتي سيكون حساساً في ما خص انتقاء المهاجم المحوري، حيث سيفاضل بين الهداف جيسوس وصاحب المجهود الكبير فيرمينو، وهي نقطة ستقرر بحسب مقاربة كل مباراة. كما أنه يملك «قاتلاً» آخر حالياً يتمثل بمهاجم إفرتون الإنكليزي ريتشارليسون الذي يمكنه التنقل بين الجناح وقلب الهجوم، ما يعطي خيارات أكبر للمدرب لاختيار لاعبَين منسجمين يمكنهما التفاهم مع كوتينيو وعدم عرقلته في تنفيذ انطلاقاته الهجومية المنفردة أو اختراقاته المباغتة.
دور المجموعات سيكشف إذا ما كانت هذه الحلول أو الطروحات ناجحة، على اعتبار أنه سيشكل فرصة للتجربة في مرحلة ما بعد نيمار. ويفترض ألا تواجه البرازيل معاناة كبيرة، كونها وقعت في مجموعة تضمها إلى جانب بوليفيا وفنزويلا والبيرو. لكن بغض النظر عن الخصوم الأوائل فإن الضغوط لن تغيب، أولاً بسبب استضافة البرازيليين للبطولة وتعطشهم للقب، وثانياً لأن كل الحديث سيكون طوال الفترة المقبلة هو عن مقارنة المنتخب الحالي بـ«منتخب نيمار».