لم يكن أكثر المتفائلين في العام 2009 يتوقع أن تفوز قطر بشرف استضافة مونديال 2022 لكرة القدم، وذلك نظراً إلى موقعها وحجمها وتاريخها الرياضي، إلا أن ما كان حلماً، تحقق عام 2010 بعد أن تفوّق ملف الدوحة على ملفات كل من اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا والولايات المتحدة الأميركية. كلام كثير قيل عن ملف قطر المونديالي، منه ما هو صحيح، ومنه ما يصب في خانة صراع النفوذ بينها وبين الكثير من دول الجوار، وتحديداً الخليجيّة، والتي لطالما رأت بقطر دولة صغيرة تأخذ أكبر من حجمها في أكثر من قضية وملف. فازت قطر مستفيدة من استثمارات وضعتها في الإعلام منذ بداية الألفيّة، وبعدها استثمارات رياضيّة محليّة وخارجية أعطتها حضوراً عالمياً، كانت تحتاج من دونه لسنوات طويلة لتصل إلى ما هي عليه اليوم من حضور، بخاصة أن علاقاتها مع بعض جيرانها تتصف دائماً بالتوتر. صحيح أن الإعلام استخدم مرات عدة لأهداف سياسيّة واضحة، وكذلك الاستثمارات الرياضية في أوروبا وغيرها من الدول، إلا أن ما أرادته الدولة التي تعتمد على الغاز حققته من خلال فوزها بحق استضافة أول مونديال عربي، وأول مونديال في الشرق الأوسط، وهي اليوم لا شك تتطلع لاستضافة بطولات أخرى بعد نجاح بطولة العرب التي حققت لقبها العام الماضي، وفوزها بحق استضافة كأس آسيا 2023. تجد قطر نفسها اليوم في موقع تتفوق فيه على جاراتها الخليجيات، لذلك أنفقت على مدى 12 عاماً 220 مليار دولار لتظهر بأفضل صورة ممكنة خلال للمونديال. وفي وقت ذهبت حوالي 8 مليارات على الملاعب التي ستستضيف المنافسات، صرف القسم الأكبر على البنى التحتية في المدن، بخاصة العاصمة الدوحة، إضافة إلى شبكة المترو في العاصمة، وبين المدن والمناطق.
صُرفت حوالي 8 مليارات دولار على الملاعب و210 على البنى التحتية

هذه الأرقام الكبيرة تُظهر الإمكانات التي احتاجتها قطر لاستضافة العرس العالمي، كون هذا الإنفاق يتجاوز ضعف ما تم إنفاقه على جميع النسخ المونديالية. وأنفقت الدول 44 ملياراً على آخر 7 نسخ لكأس العالم. ولم تصرف روسيا على مونديال 2018 سوى حوالي 14 ملياراً، بينما كان إنفاق البرازيل عام 2014 حوالي 12 ملياراً فقط، مقابل 4 مليارات لجنوب أفريقيا عام 2010، و3 مليارات لألمانيا في 2006 وحوالي 7 مليارات لكوريا الجنوبية واليابان في 2002. إذاً فارق تجاوز الـ200 مليار دولار عن آخر نسخة، يُظهر أولاً حاجة قطر إلى تطوير بناها التحتية، ومن ثمة رغبتها باستضافة نسخة مميزة من المونديال الذي يقام للمرة الأولى في الشتاء، وذلك بسبب الظروف المناخية الحارة صيفاً في الخليج.


وتتوقع الحكومة القطرية أن تشهد هذه البطولة توافد ما بين مليون و200 ألف ومليون و700 ألف مشجع في قطر. ومن المنتظر بحسب توقعات شركة الأبحاث الاقتصادية البريطانية «كابيتال إيكونوميكس»، وبعض الأرقام الرسمية التي تم نشرها، أن تبلغ عائدات القطاع السياحي القطري من البطولة العالمية حوالي 7 مليارات ونصف المليار دولار. وهذا الإنفاق على السياحة تتوقع الدوحة أن يصل إلى ما نسبته 1.5% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. هذا وتوقع صندوق النقد الدولي ووكالة بلومبيرغ أن الاقتصاد القطري سيربح عشرات المليارات، بخاصة وأن الاستثمارات الأجنبية سترتفع خلال الفترة المقبلة، ليصل النمو الاقتصادي إلى 4.4%.

الملاعب
منافسات كأس العالم تستضيفها قطر بين 20 تشرين الثاني الجاري و18 كانون الأول المقبل على 8 ملاعب بنيت خصيصاً للمونديال الشتوي، وهي ملاعب: البيت (يستضيف افتتاح البطولة) وخليفة الدولي، ولوسيل (يستضيف المباراة النهائية)، والجنوب، والمدينة التعليمية، وأحمد بن علي، والثمامة، و974.

هذه الملاعب لن تصمد جميعها بعد المونديال، إذ ستقوم الدولة المضيفة بفك بعضها وتقديمها كهبات ومساعدات للدول التي تحتاج إلى مساعدات في بنيتها التحتية الرياضية. وإعادة تفكيك هذه الملاعب، أو أجزاء من مدرجاتها العلوية ـ على غرار ما حصل في أولمبياد لندن وكأس الأمم الأوروبية ـ على أن تعطى لدول في أفريقيا وغيرها من دول العالم. وسيكون استاد 974 أول ملعب قابل للتفكيك بالكامل في تاريخ المونديال، إذ أنه يُبنى باستخدام حاويات الشحن البحري ليسهل فكّها واستخدامها لأغراض أخرى بعد إسدال الستار على منافسات البطولة، علماً أنه يتسع لـ40 ألف متفرج.
واستمدت الدولة المضيفة تصاميم هذه الملاعب من التراث العربي القديم، بخاصة ملعب البيت الذي بني على شكل الخيمة العربية ويستضيف الافتتاح، وملعب الثمامة المستوحى من شكل الطاقية العربية التي تُلبس تحت العقال العربي المشهور في الخليج.
إذاً هي بطولة منتظرة ومن المتوقع أن تبني عليها قطر لاستضافة البطولة الآسيوية العام المقبل، والبدء بالتفكير بالألعاب الأولمبية.