لم يكن البلجيكي جان مارك بوسمان ذاك اللاعب الكبير في عالم كرة القدم، لكن اسمه بدأ ينتشر في العالم ابتداء من عام 1990 عندما انتهى عقده مع أر أف سي لياج واراد الانتقال الى دونكيرك الفرنسي. الا انه لم يتمكن من الحصول على حريته عامذاك بسبب عدم قبول لياج العرض المقدّم من قبل دونكيرك، والاسوأ انه جرى تقليص راتبه لانه لم يعد لاعباً اساسياً في الفريق الاول، فما كان منه الا ان اخذ قضيته الى المحكمة الاوروبية في لوكسمبور.
ومن هناك جاء الحكم بعد خمس سنوات، فولد ما عرف بـ «قانون بوسمان» الذي يتيح للاعبين في اوروبا الانتقال الى اي نادٍ يريدون عند انتهاء عقودهم.
وهذا القانون اعطى اللاعبين حرية افتقدوها منذ تحوّل اللعبة الى الاحتراف في اوروبا، لا بل غيّر من معالم كرة القدم الاوروبية، واجبر الاندية على تقديم مجهود مضاعف للاحتفاظ بلاعبيها عند اقناعهم بتجديد عقودهم، فأصبح اللاعبون في موقف اقوى من اي وقت مضى، وباتت لهم كلمة عليا في احيان عديدة، وخصوصاً عند اتخاذهم قرارات حاسمة مثل التمديد او الرحيل.
وهذه القوة ما انفكت تتعاظم وبلغت ذروتها مع ارتفاع المبالغ المدفوعة لقاء الحصول على خدمات هذا اللاعب او ذاك، لكن قوة اللاعبين تحوّلت الى طمع وانانية، وباتت الاندية تحت رحمة مطالبهم، حتى ذهب هؤلاء الى فرض ارقام الرواتب التي يتقاضونها، وتعيين الساعة الصفر للرحيل. وهذه المسألة الاخيرة كانت حاضرة طوال المواسم الماضية، وقد كانت الكلمة الاخيرة فيها لرغبة اللاعبين على حساب الاندية.
الا ان ليفربول وتوتنهام هوتسبر الانكليزيين يفرضان واقعاً جديداً حالياً في سوق الانتقالات عبر لاعبَيهما الاوروغوياني لويس سواريز والويلزي غاريث بايل على التوالي، وذلك عبر فرض قرارهما على الاثنين، في خطوة شجاعة من الناديين اللذين قررا تحدي رغبة نجميهما المطلقين وتنفيذ مصلحتهما قبل اي شيء آخر.
وهنا يمكن التعاطف مع ليفربول خصيصاً، إذ إن ما قدّمه نادي «الحمر» إلى سواريز كان لافتاً، فهو نقله من هولندا حيث لعب مع اياكس امستردام الى ساحة الدوري الانكليزي الممتاز، حيث احتضنه الجمهور وحوله اعلام النادي الى رمز في «أنفيلد رود». كذلك، كان ليفربول داعماً لسواريز في كل المشكلات العنصرية والمسلكية التي وقع فيها، فهو إذ كان على نحو واضح مذنباً في كل ما اقدم عليه، كان النادي الانكليزي الى جانبه مقدّماً كل العون إليه للخروج من كل ازمة، وذلك على قاعدة شعاره الشهير «لن تمشي وحدك ابداً».
الا ان وفاء سواريز لا يبدو مطلقاً لنادٍ اراد ان يحوّله رمزاً على صورة كيفن كيغن والويلزي إيان راش ومايكل أوين وغيرهم، فقرر الخروج لا هرباً من الضغط الاعلامي في انكلترا كما قال بداية، بل الى نادٍ منافس هو ارسنال، ضارباً بعرض الحائط كل انواع الولاء التي اشتهر بها معظم لاعبي ليفربول وعلى رأسهم الكابتن الحالي ستيفن جيرارد، الذي رفض عروضاً من اكبر الاندية الاوروبية طوال مسيرته لابقاء القميص الاحمر ملتصقاً بجسمه.
اما في ما يخصّ بايل، فان لتوتنهام الحق ايضاً في «تعذيبه» قبل تركه للذهاب الى ريال مدريد الاسباني، اذ إن طريقة تصرفه عند حصوله على عرض من النادي الملكي لا تمت بصلة الى الولاء ايضاً تجاه النادي الذي استقدمه صغيراً واستثمر فيه ليصبح افضل لاعبي الدوري الانكليزي. وبايل كان قد اعلن العصيان وانقطع عن التمارين في تصرف غير احترافي، بهدف الضغط على النادي اللندني لتركه.
انه حُكم الاندية، فهي تحاول استعادة سيادتها وهيبتها المفقودة، ونجاح ليفربول وتوتنهام في ابقاء سواريز وبايل ضمن صفوفهما قد يكون مقّدمة لانقلاب الاندية على الثورة القديمة للاعبين عليها.



لا عودة قبل الاعتذار

رأى مدرب ليفربول الايرلندي الشمالي براندن رودجرز أنّ على لويس سواريز الاعتذار إلى زملائه في الفريق وادارة النادي قبل العودة الى التمارين، مؤكداً ان عليه ان يحمي الجماهير، واللاعبين لأنهم يستحقون المزيد.