أجواء ضبابية تميل إلى السواد تخيّم على كرة القدم اللبنانية، حيث لا أفق حول مستقبل اللعبة ولا قرار واضحاً حول مصير بطولة الدوري العام لأندية الدرجة الأولى. هذه الأندية التي كانت تعيش غالبيتها في دوامة معاناة مادية باحثةً عن المال في كلّ مكان لسدّ العجز في ميزانياتها ولدفع المستحقات المتوجّبة عليها، في وقتٍ تعرف فيه جيّداً بأنها لا تنتظر مردوداً من نشاطها.اليوم وبعد مرور أكثر من شهر على بدء «الثورة» تعيش الأندية ظروفاً صعبة، إذ حتى الميسورة منها تجد صعوبةً في تأمين السيولة في ظلّ الوضع الاقتصادي - المصرفي الصعب، والذي جعل البلاد في حالة ضياع، وعرقل الدورة المالية والاقتصادية، فتأثّرت المؤسّسات ومنها ما بات يعيش حالة احتضار في الوقت الحالي.
حالة الجمود هذه أثّرت بشكلٍ كبير على القطاع الرياضي، فكانت بطولة لبنان لكرة السلة أولى ضحاياها مع بداية هجرة اللاعبين والمدربين بحثاً عن عقودٍ خارجية، ثم جاء القرار بإلغاء ماراثون بيروت، وهو الحدث الرياضي السنوي الأكبر. أما كرة القدم، فيمكن القول إنها حتى هذه اللحظة لا تزال تتنفّس، آملةً أن تجد الحياة من جديد رغم أن الوضع لن يكون بعد الآن بنفس الصورة التي عرفناها قبل توقّف البطولة.
وهذه المسألة مؤسفة إلى حدٍّ كبير، وخصوصاً بعدما عاد العهد أخيراً متوّجاً بلقب كأس الاتّحاد الآسيوي، حيث كان يتطلّع محبو اللعبة إلى لفت الأنظار أكثر نحو الملاعب الخضراء، وهو أمر أيضاً تطلّعت إليه الأندية علّ الإنجاز الذي كان مرتقباً منذ مواسم طويلة يجذب المستثمرين والرعاة إليها.
العهد نفسه ليس بعيداً عن الواقع الصعب ولو أنه عاد بجائزة مالية مهمّة من خلال فوزه القاري، فبطل لبنان كان قد أوقف التمارين لأقل من أسبوع إفساحاً في المجال أمام منح اللاعبين الراحة المطلوبة، لكن ما إن عاد إليها شرع في إقامة مباراة ودّية أسبوعياً، وذلك في وقتٍ افتقد فيه إلى 7 لاعبين دوليين (مع المنتخب اللبناني، إضافة إلى التحاق السوري أحمد الصالح بمنتخب بلاده). وهذا يعني أن النشاط قائم، الأمر الذي يحتّم دفع الرواتب إلى اللاعبين، وهي المهمّة التي ربما تكون حالياً أصعب من الفوز بكأس الاتّحاد الآسيوي. وبحسب المعلومات تمكّنت الإدارة من تأمين المبلغ الخاص بالرواتب والذي يتراوح بين 75 و80 ألف دولار من خارج المصرف، ومن دون أن تحسم أيّ نسبة من المستحقّات. لكن الأكيد أن الأمور لن تكون سهلة في ما خصّ الرواتب في المرّة المقبلة في ظلّ تحديد المصارف أرقاماً معيّنة للسحب من الحسابات المصرفية، ما قد يجبر الإدارة على الدفع عبر الشيكات أو تؤجّل العملية إلى فترة لاحقة.
سيُعقد اجتماع الاثنين المقبل بين ممثلين عن أندية الدرجة الأولى والاتحاد اللبناني


وفي الأنصار دُفعت الرواتب، لكن كان هناك حسم لنسبةٍ معيّنة منها وفق اتّفاق جرى بين رئيس النادي واللاعبين إثر اجتماع بدا فيه اللاعبون المحليون والأجانب على استعداد لتحمّل المسؤولية في ظل الوضع القائم. ويبدو النادي الأخضر رافضاً فكرة إلغاء الموسم، ومقتنعاً بفكرة تقديم تضحيات من كلّ الأطراف لإنقاذ الدوري، أي الأندية واللاعبين والاتّحاد. ولهذا السبب يرى الأنصار أن موسمه مستمرّ فهو منع سفر أيّ لاعب تجنّباً لأيّ قرار مفاجئ باستئناف البطولة، إضافةً إلى أن لديه مشاركة آسيوية، وهو يضعها ضمن أهدافه الأولية، والدليل أنه يواصل استعداداته بشكلٍ طبيعي، ويتطلّع للبحث عن معسكرٍ خارجي في حال بقيت الأمور مجمّدة محلياً.
وإلى الخارج كان قد اتّجه النجمة الذي يعسكر حالياً في العاصمة القطرية الدوحة، وهو كان قد قام بتأمين الرواتب للاعبين من دون أيّ حسومات، لكن كسائر أندية المقدّمة التي دفعت الغالي والنفيس وارتبطت بعقودٍ كبيرة مع غالبية لاعبيها، تخشى الإدارة النجماوية ذهاب مجهودها الكبير خلال الصيف سدى وتطير البطولة ومعها الطموحات باستعادة اللقب.
وبعيداً من الثلاثة الكبار، تبدو الأمور مختلفة بين هذا النادي أو ذاك، فآخر ما كان يتمنّاه الصفاء هو دخول البلاد في أزمة مالية، وهو الذي كان يعاني من أزمة أصلاً خضّته في محطات عدة في وقت مبكرٍ من الموسم. ففي الأسبوع الماضي لم يخُض الصفاء أكثر من حصتين تدريبيتين، لتتوقف بعدها التمارين وينتظر اللاعبون والمدربون ما سيحصل، وخصوصاً أولئك الذين لم يتلقّوا رواتبهم قبل انطلاق الحراك المطلبي حيث كانت الإدارة قد دفعت إلى قسمٍ منهم، قبل أن تستحق دفعات القسم الآخر.
ومثل الصفاء عاش السلام زغرتا في الفترة الأخيرة على وقع مصاعب مالية، ليأتي الحراك ويصيب النادي الشمالي في مقتل، وهو الذي يتلقّى دعماً من أحد المصارف وهو كما غيره يصعب عليه تأمين السيولة، فانتظر النادي مبلغاً كبيراً قبل الحراك ولم يصله، وهو يعلم الآن أنه لن يحصل عليه. من هنا، لجأ السلام إلى تخفيف الأعباء المالية، إذ في ظلّ عدم دفعه رواتب اللاعبين المحليين منذ الشهر الماضي، بدأ في ترحيل أجانبه، فكانت البداية مع البرازيلي فينيسيوس كاليماري الذي توصل معه إلى تسوية، وهو الأمر عينه الذي يسعى إليه مع الأجنبيين الآخرين ولو أنه يجد صعوبة في إقناع أحدهما. علماً أن المدرّب العراقي أحمد كاظم كان أول المغادرين بسبب قلقه على عائلته الموجودة معه في لبنان.
والسلام كان من الأندية التي طالبت بإلغاء الدوري خلال الاجتماع مع الاتّحاد، وهو المطلب الذي كان أول من سعى إليه التضامن صور. الأخير كان قد عمل على تأمين رواتب اللاعبين الأجانب بالدرجة الأولى، وسط سعيه لتأمين مستحقّات المحليين أيضاً أو أقله جزء منها، خصوصاً أن تمارين «سفير الجنوب» مستمرة للبقاء في جهوزية تامة، وسط شعوره بأن قرار الإلغاء هو مسألة صعبة إلى حدٍّ كبير.
وإذ كان لاعبو شباب الساحل قد حصلوا على سِلفٍ من رواتبهم حيث تعمل الإدارة الآن على تأمين الدفعات كاملةً بعد فتح أبواب المصارف، حصل لاعبو الإخاء الأهلي عاليه على مستحقاتهم قبل يومٍ من بداية الحراك. لكنّ الأكيد أن الأمور مختلفة حالياً، فالأوضاع الأمنية الطارئة حول الجبل وعدم تمكّن مجموعة من اللاعبين الذين يقطنون في مناطق بعيدة من الوصول إلى بحمدون، فرضت تقليص عدد الحصص التدريبية.
ورغم الجوّ المشحون والصعوبات المذكورة، لا يزال وضع الساحل والاخاء أفضل من شباب البرج الذي أوقف تمارينه وسط توجّه لترحيل أجانبه ومدربه الجديد الصربي دراغان يوفانوفيتش، علماً أنه بعكس جاره البرج الذي أمّن الرواتب، لم يتمكّن الوافد الجديد إلى دوري الأضواء من دفعها طوال شهرين.
وخطوة ترحيل الأجانب كان قد بدأها الشباب الغازية قبل أن يوقف تمارينه منذ حوالى أسبوعين، فكان قد استغنى عن الغاني ارنست بارفو ويحضّر لترحيل الأجنبيين الآخرين في الفريق الذي لا يبدو مؤكداً حتى أنه سيكون حاضراً لإكمال المشوار في حال استؤنفت البطولة، وذلك بسبب الوضع المالي الصعب جداً الذي يعاني منه أصلاً.



الأندية والاتّحاد يبحثان عن حلول


علمت «الأخبار» أن اجتماعاً سيعقد يوم الاثنين المقبل في الساعة الثانية بعد الظهر بين ممثلين عن أندية الدرجة الأولى والاتحاد اللبناني لكرة القدم، وذلك للبحث في المقترحات والحلول الكفيلة بتجاوز الأزمة الناتجة عن توقف النشاط الكروي.
وكان أمين سر نادي الشباب الغازية علي حسون قد حضّر مشروع اقتراح للمرحلة المقبلة حظي، على حدّ قوله، بموافقة 7 أندية أخرى، قبل أن يرسله إلى الاتحاد الذي بادر إلى الطلب من الأندية الحضور يوم الاثنين لمواصلة البحث في ما بدأه الطرفان في الاجتماع الأول بينهما.
والمشروع المقترح (في حال سمحت الظروف الاقتصادية والأمنية)، الذي يحتاج إلى جمعية عمومية استثنائية لإقراره، لا تطالب من خلاله الأندية بالموافقة على إلغاء البطولة، بعدما تردّد أن قسماً كبيراً منها يريد خروج الاتّحاد بهذا القرار، بل هي ذهبت إلى اقتراح اقتصار بطولتَي الدرجتين الأولى والثانية على مرحلة الذهاب فقط. كذلك اقترحت إلغاء الهبوط واعتماد «الفاينال فور» للدرجتين.
وتطرّق المقترح لبطولة الدرجة الثالثة لناحية إقامتها من مرحلة واحدة على ملاعب محايدة واعتماد قانون الهبوط والصعود كما هو معتمد في النظام الفني للبطولة. أما في ما خصّ بطولات الفئات العمرية، فقد اقترحت إقامة تصفيات من مرحلة واحدة على ملاعب محايدة أيضاً.
أمّا في ما خصّ الموسم المقبل فتتمحور فكرة الأندية على اعتماد 14 فريقاً في الدرجة الأولى، على أن يهبط 3 منها في الموسمين المقبلَين.
كما تطلب الأندية من الاتّحاد تحمل نفقات أجور الملاعب والحكام أو العمل على التواصل مع البلديات والملاعب المعتمدة لإعفاء الأندية من أجور الملاعب لموسمٍ واحد، إضافةً إلى طلب مساعدة الاتّحاد كوسيط بين إدارات الأندية واللاعبين لإجراء تسويات في ما خصّ عقود اللاعبين المحليين والأجانب.