مرّ أكثر من شهرين وأنا متخاصمة مع وجهي، مللت رؤيته كل يوم، أنسى تفاصيله إذ اعتدت على ملامحي، أمارس رياضة الركض لكن جسدي لا يسعفني أحياناً وأتمنى أن أستعير جسداً آخر. تنتابني هذه الرغبة الدائمة بالتغيير، في مجتمع جعل ثبات عاداته وتقاليده قاعدة تبرمج حياتنا. ولكني أحب التغيير، والمجتمع توقف عن الدوران إلّا حول ذاته.كمعظم الفتيات اللواتي تجدن الصالون النسائي مكاناً للتجدد، أو لتغطية «عيوب» لم تعد صالحة، وجدت في الصالون شيئاً آخر. الصالون برج لمراقبة نساء المدينة وفرصة للاستماع إلى قصصهن. وفي صالون نسائي قريب من منزلي قررت أن أحفر «بيرسينغ» في حاجبي. لمحة جديدة في وجهي تنبهني إليه إذا وقفت أمام المرآة. في الصالون النسائي جلست إلى جانب امرأة لا أعرفها. لم أنتزع مجلة من تلك المكدسة أمامي فالمجلات الموجودة في الصالون لا تشبه الجرائد والكتب التي أقرأها، مجلات عن تصفيف الشعر وعن الفنانين والمشاهير، اكتفيت بالتركيز على أحاديثهن التي تمحورت عن زواج فلان، وصبغة شعر فلانة ــ التي لم تناسبها ــ وعن الجارة التي تطلقت بسبب خيانة زوجها.

إنها أخبار الحيّ وسكانه من دونه معرفتهم. في الصالون تبتكر نساء أحاديث على «الموضة»: «حواجبك حلوين ليه بدك تشيليهن»، قالت لي المرأة التي لا أعرفها.
أجبتها بهدوء: «بدي اعمل بيرسينغ ولازم نضف حواجبي منيح قبل ما اعملها»، تكبلت بصمتها. سألت إحدى «زميلات» الصالون باستغراب: «بأيا حاجب بدك تعمليها». لم أكن أعلم أن سؤالها «ملغوم»، ولكني أجبت: «بالشمال، بحب الشمال». دخلت امرأة أخرى على الخط. أخفى المكياج المكثف ملامح وجهها: «انتي حلوة، شو وصلك لهون؟»، تعجَبّت، للحظة بدت أنظارهم تتفحصني، انقطعت أحاديثهم، وحلّ صمت ثقيل.
التفتت الي صاحبة الصالون التي كانت منشغلة بتصفيف شعر احدى الزبونات: «البيرسينغ بالشمال يعني انتي مثلية (طبعاً استعملت مفردة أخرى)». وزعت نظري على الجالسات: «المثلية ليست تهمة وإن كنت فلا علاقة لحاجبي بهويتي الجنسيّة». لا أحد يعلم من أين أتت هذه الأسطورة الخرافية. تصنيف الناس تبعاً لخيارات شخصية. والحقيقة أن معرفة صاحب الأسطورة لن تضيف شيئاً إلى القصة. في بنغلادش، مثلاً، يدل «البيسيرنغ» في الانف على أن المرأة متزوجة. وقبل أن يتحول هذا الثقب الصغير في الوجه إلى موضة تجميلية، كان يستخدم منذ آلاف السنين لمعالجة الآم الرأس، أو لدلالات اجتماعية كالتضامن والتعبير عن الشخصية الثائرة. غير أن المجتمعات اتفقت على وضع الأقراط في الأذنين للنساء، وتأكيد وضعها في أذنين اثنين. ذلك لأن «القرط» الواحد، في أذن واحدة، قد يعني للكثيرين أن صاحبتها أو صاحبها، مثلي أيضاً. اعترضت صاحبة الصالون على «بيرسينغ» في الحاجب متذرعة بأسطورة. والأخيرة، لا تحتاج الى اثبات لأنها موروث غير قابل للنقاش. وكل مجتمع يختار «التابوهات» التي يريد محاربتها ظناً منه أنها «محرمات».
وقفت وأعدت محفظتي إلى ظهري. سحبت سيجارة وما إن وضعتها في فمي، حتى وضعت صاحبة المحل يدها على معصمي: «الله يستر عليكي دخنيها هون مش برا، كرمالك بيحكوا عليكي بالحيّ». ضحكت وقلت لها: «التدخين ممنوع بالأماكن المغلقة». حسناً، هذا سهل. لكن أين أضع الـ«بيرسينغ»، إلى جهة اليمين، أم إلى اليسار؟