دمشق | مع أنّ البعض يعارض فكرة أن تكون الثروة النفطية السورية سبباً مباشراً لتورط الغرب في الحرب السورية من منطلق محدودية الإنتاج السوري، مقارنة بدول المنطقة، إلا أن من الثابت أن الورقة النفطية كانت إحدى الأدوات الرئيسية التي استخدمها الغرب للضغط على «النظام» بغية إجباره على ترك السلطة.
ومنذ الأسابيع الأولى للحرب، فرضت الدول الغربية عقوبات مباشرة على القطاع النفطي، تطورت تدريجياً لتصل إلى درجة الحصار. هذا فضلاً عن تشجيع المسلحين على مهاجمة المنشآت النفطية وسرقتها وتخريبها، الأمر الذي ترك تأثيراته السلبية العميقة على حياة المواطنين واقتصاد بلادهم. ووفق ما تؤكد بيانات وزارة النفط والثروة المعدنية التي حصلت عليها «الأخبار»، فإن إنتاج البلاد حالياً من النفط لا يتجاوز يومياً نحو 3 آلاف برميل نفط خفيف، في حين أن إنتاج ما قبل الأزمة كان يبلغ نحو 385 ألف برميل. وكذلك الأمر بالنسبة الى الغاز الطبيعي الذي كانت تنتج البلاد منه نحو 21 مليون متر مكعب يومياً، وأصبحت اليوم غير قادرة سوى على إنتاج 8.7 ملايين متر مكعب، بينما توقف إنتاجها من مادة الفوسفات بشكل كامل، مقارنة بنحو 3.5 ملايين طن كانت تنتج سنوياً قبل الأزمة.

من بين سبعة
معامل للغاز، ثمة اليوم معمل واحد فقط قيد الاستثمار



والعبرة ليست فقط بتراجع الإنتاج السوري من النفط والثروات المعدنية إلى مستويات متدنية جداً، وإنما في الخسائر التي لحقت بالمنشآت النفطية والغازية جراء عمليات التخريب والاستنزاف الجائر التي تعرضت له الحقول، وهي وفق مصدر في قطاع النفط خسائر يصعب إحصاؤها حالياً نتيجة استمرار سيطرة مجموعات مسلحة وتنظيمات إرهابية على كثير من هذه الحقول. لكن تكفي الإشارة مثلاً إلى أنه من بين سبعة معامل للغاز النظيف كانت تعمل قبل الأزمة، ثمة اليوم معمل واحد فقط قيد الاستثمار، وآخر خارج سيطرة الحكومة، وخمسة معامل باتت خارج الخدمة، وبعضها تعرض لتدمير واسع كمعمل حيان غرب تدمر، والذي جرى تفجيره من قبل تنظيم «داعش» أثناء سيطرة التنظيم للمرة الثانية على مدينة تدمر ومحيطها.

آمال التعافي

لم تترك أزمة الطاقة الخانقة التي عانتها البلاد، خلال الأسابيع الأولى من العام الحالي، خياراً أمام الحكومة سوى العمل على استعادة سيطرتها تدريجياً على حقول إنتاج النفط والغاز. والبداية مع حقول المنطقة الوسطى التي سيطر عليها «داعش» خلال فترات زمنية متباينة، حيث أطلقت وحدات الجيش حملة واسعة منذ بداية العام الحالي توجت باستعادة مدينة تدمر ومحيطها، وهي مستمرة حتى تحرير حقول المنطقة بالكامل، ومن ثم التوجه نحو محافظة دير الزور حيث حقول النفط الأكثر إنتاجاً في ريف المحافظة.
وبناء على أولوية تحرير حقول النفط والغاز، فقد بنت وزارة النفط توقعاتها حول مستقبل الإنتاج النفطي والغازي لغاية عام 2035، ويلاحظ من البيانات التي حصلت عليها «الأخبار» أن الإنتاج النفطي والغازي يبدأ بالارتفاع تدريجياً بدءاً من العام الحالي، ويستمر كذلك حتى عام 2022 بالنسبة إلى الإنتاج النفطي، وعام 2020 للإنتاج الغازي، حيث يبدأ إنتاج كلتا المادتين بالتراجع تدريجياً، ليستقر عند مستوى 200 ألف برميل نفط يومياً في عام 2032، ونحو 16.6 مليون متر مكعب من الغاز النظيف يومياً في العام نفسه.
وتظهر البيانات المذكورة أن إنتاج سوريا سيصل في نهاية هذا العام إلى نحو 68 ألف برميل نفط يومياً، ليرتفع في العام المقبل ليصل إلى 105 آلاف برميل، وإلى 221 ألف برميل في عام 2019، ثم إلى 263 ألف برميل في عام 2020، وإلى 308 آلاف برميل في عام 2021، وليحقق في عام 2022 أعلى معدل إنتاج وقدره 310 آلاف برميل، أي ما نسبته 80.5% من إجمالي إنتاج البلاد ما قبل الأزمة.
أما بالنسبة إلى الغاز النظيف، فإن التقديرات تشير إلى أن إنتاج البلاد هذا العام سيصل إلى 10.5 ملايين متر مكعب، يرتفع في العام القادم ليصل إلى 15.5 مليون متر مكعب، ثم إلى 23.3 مليون متر مكعب في عام 2019، وليحقق في العام التالي أعلى معدل له 24.8 مليون متر مكعب، بزيادة قدرها 16.6% عن إنتاج ما قبل الأزمة، وهذه زيادة تعود إلى الاكتشافات الجديدة التي تحققت خلال سنوات الأزمة، والتي كان معظمها في المنطقة الوسطى.
وتأسيساً على هذه التقديرات، تتوقع وزارة النفط أن يكون وسطي الإنتاج السوري خلال الفترة الممتدة من عام 2019 ولغاية عام 2035 نحو 265 ألف برميل يومياً من النفط، ونحو 21 مليون متر مكعب من الغاز النظيف يومياً، وهذه كميات من شأنها تحقيق إيرادات تصل إلى نحو 82 مليار دولار خلال الفترة نفسها، أي ما معدله سنوياً نحو 4.8 مليارات دولار، فهل هذه العوائد تشكل سبباً لتدخل كثير من الدول في الشأن السوري؟ أم أن «الكعكة» هي في الاكتشافات المنتظرة التي كثر الحديث عنها، ولا سيما في المياه الإقليمية؟ مع الإشارة إلى أن إعادة تأهيل المنشآت النفطية القائمة وإصلاحها وبناء منشآت جديدة، بدءاً من الحقول إلى خطوط النقل فالمعامل والمصافي، تحتاج إلى مبالغ ضخمة تقدر بنحو 12 مليار دولار.

الاستهلاك إلى ارتفاع أيضاً

مقابل «تعافي» الإنتاج النفطي الوطني، فإن معدلات الاستهلاك المحلي ستشهد هي الأخرى زيادة ملحوظة بدءاً من العام الحالي أيضاً، لكن يلاحظ أن البلاد ستحتاج إلى ثماني سنوات قبل أن يعود استهلاكها من المشتقات النفطية إلى ما كان عليه قبل الأزمة، فمثلاً وبحسب التقديرات الأخيرة فإن استهلاك البلاد من مادة المازوت سيرتفع من 1.9 مليون متر مكعب هذا العام إلى 2.3 مليون متر مكعب في العام المقبل، ثم سيقفز سنوياً بمعدل وسطي قدره 500 ألف متر مكعب ليصل في عام 2025 إلى 6.5 ملايين متر مكعب، وهو حجم الاستهلاك المتحقق في عام 2010. كذلك الأمر بالنسبة الى مادة الفيول الضرورية لقطاعي الصناعة والكهرباء، فالاستهلاك المحلي من هذه المادة يتوقع له أن يرتفع من 1.8 مليون طن في العام الماضي إلى 3.3 ملايين طن هذا العام، ويواصل الارتفاع ليصل في عام 2025 إلى الكمية المستهلكة في سنوات ما قبل الأزمة والبالغة نحو 5.1 ملايين طن سنوياً.
زيادة الاستهلاك تفرضها عدة متغيرات سيكون لازماً على الحكومة السورية التعامل معها بطريقة مختلفة عن السابق، فكثير من السكان لم يستطيعوا خلال السنوات السابقة الحصول على احتياجاتهم الضرورية من المشتقات النفطية، سواء لأغراض التدفئة أو الزراعة أو الصناعة. كما أن عودة النازحين والمصالحات الجارية ستزيد من معدلات استهلاك المشتقات النفطية، هذا إضافة إلى أن اهتمام الحكومة بزيادة حجم الإنتاج المحلي لتلبية احتياجات السوق المحلية وتخفيض فاتورة المستوردات سيتطلب دون شك زيادة ليست بالقليلة في استهلاك المشتقات النفطية.




واقع إنتاج النفط

توقّف إنتاج سوريا من النفط الخفيف منذ النصف الثاني لعام 2012، فيما توقّف إنتاج النفط الثقيل اعتباراً من الشهر الثالث من عام 2013 نتيجة للتخريب الذي طال منظومة النقل.
بالتوازي، انخفضت معدلات إنتاج الغاز بدءاً من النصف الثاني لعام 2012. كذلك، تقع حقول النفط والغاز ومحطات النقل والتحويل في محافظة الحسكة حالياً، تحت سيطرة «وحدات حماية الشعب» الكردية، وعلى رأسها حقول الجبسة وكوكب ومعمل غاز الجبسة. وبدورها، تخضع حقول النفط والغاز في دير الزور والبوكمال والرشيد، وعلى رأسها حقل عمر النفطي، لسيطرة تنظيم «داعش». فيما يتقاسم الأخير السيطرة على حقول ومحطات ومعامل الغاز في المنطقة الوسطى.