بعد مفاوضات طويلة وشاقة، لم تخلو من الضربات العسكرية، توصّل الجانب الروسي إلى اتفاق مع فصيل «جيش الإسلام»، الذي يسيطر على مدينة دوما في الغوطة الشرقية لدمشق. ينص الاتفاق، وفق ما نقل الإعلام السوري الرسمي يوم أمس، على «خروج الإرهابيين من دوما، وتسوية أوضاع المتبقين»، على أن تجري «عودة جميع مؤسسات الدولة وتسليم الإرهابيين أسلحتهم الثقيلة والمتوسطة للدولة». وفيما تركّزت المفاوضات، في الأيام الأخيرة، على وجهة خروج مقاتلي «جيش الإسلام»، فقد تمّ الاتفاق على أن تكون مدينة جرابلس الحدودية في الشمال السوري، وسط «شكوك» تدور حول ما إذا كان اتفاقاً شاملاً، أو مرحلة أولى تستدعي بعدها العودة إلى التفاوض.

قمّة في أنقرة

تستعد العاصمة التركية أنقرة لاستضافة القمة الثلاثية التركية ــ الروسية ــ الإيرانية، للتباحث في الشأن السوري، الأربعاء المقبل، حيث من المتوقع أن يصدر عن القمة بيان يدعو إلى مواصلة وقف إطلاق النار في سوريا، ووحدة أراضيها ووقف الانتهاكات التي تطالها. ووفقاً لمصادر دبلوماسية لوكالة «الأناضول»، فإن موظفين رفيعي المستوى، من الدول الثلاث، سيجتمعون يوم غد، قبيل انعقاد القمة الثلاثية بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، والإيراني حسن روحاني، للعمل على البيان الختامي الذي سيصدر عقب انتهاء القمة. كذلك، أكد مساعد الرئيس الروسي، يوري أوشاكوف، أنَّ القمة الثلاثية المرتقبة لروسيا وتركيا وإيران «ستؤكد دعم سيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها». وقال أوشاكوف للصحافيين: «نتوقع من الزعماء أن يؤكدوا، خلال الاجتماع وفي البيان الختامي، التزامهم بدعم سيادة واستقرار ووحدة أراضي سوريا»

في المرحلة الأولى، كان لخروج مسلّحي «فيلق الرحمن» وفصيل «أحرار الشام»، من جوبر وحرستا، والأجزاء الجنوبية من جيب الغوطة بعد الضربات العسكرية القاسية التي وجّهها لهم الجيش السوري، التأثير الأكبر على المفاوضات التي تدور مع الفصيل الأكبر و«الأغنى»، والأكثر تماسكاً في الغوطة الشرقية. مصدر ميداني مطّلع أكد للـ«الأخبار» أن «إرادة القتال لدى مسلّحي جيش الإسلام منهارة تماماً، إذ إنهم باتوا مقتنعين بأن لا خيار أمامهم سوى التفاوض للخروج من الغوطة بأقل الخسائر... تجربة فيلق الرحمن كانت درساً قاسياً للجميع». أولى بوادر المأزق الصعب الذي يعيشه قياديو «جيش الإسلام»، حالياً، تظهر عبر محاولات حثيثة قام بها المفاوضون عن هذا «الجيش» للوصول إلى اتفاق يقضي ببقائهم في دوما، مع انتشار الشرطة العسكرية الروسية، والاضطلاع بدور محدّد في «إدارة» المنطقة التي يسيطرون عليها بالتنسيق مع الدولة السورية. مطلب «الجيش» هذا نابع من رفض تام للخروج من المنطقة إلى منطقة أخرى، بسبب الخلافات المتجذّرة بينهم وبين الفصائل الأخرى التابعة لـ«جبهة النصرة»، والتي «لا يمكن أن تقبل بوجود عناصر جيش الإسلام في مناطق سيطرتها»، بحسب المصدر الميداني.لم تفلح محاولات «جيش الإسلام». مصادر مطلعة أكّدت للـ«الأخبار» أن «دمشق رفضت بقاء أي فصيل مسلّح في الغوطة الشرقية، إلا في حال تسليم كامل أسلحته وتسوية أوضاع عناصره، بشكل كامل». يعكس هذا الموقف إصراراً لدى دمشق على تنظيف كامل الريف الدمشقي، الشرقي منه والغربي، وبسط سيطرة الدولة عليه بشكل كامل، لما يشكّله من خطورة على العاصمة دمشق. فضلاً عن ذلك، لا يبدو واقعياً قبول القيادة السورية ببقاء المسلّحين في ريف دمشق، بعدما أُنهكوا عسكرياً وباتت خياراتهم محدودة جداً. فلا أحد في دمشق يقبل ببقاء العاصمة وأهلها تحت تهديد القذائف الصاروخية، التي عانوا منها طوال سبع سنوات، ولو كان ذلك احتمالاً ضئيلاً. إذاً، انتهت السبت الماضي عملية إجلاء مقاتلي «فيلق الرحمن» وعائلاتهم من جنوب الغوطة الشرقية، بخروج أكثر من 40 ألف شخص على مدى ثمانية أيام، فيما كان قد جرى قبلها إجلاء أكثر من 4600 شخص من مدينة حرستا.

بدء عملية الإجلاء
اليوم الإثنين، بدأت عملية إجلاء مقاتلين ومدنيين من مدينة دوما، آخر جيب يسيطر عليه المسلّحون في الغوطة الشرقية، بموجب الاتفاق الذي أعلنت روسيا التوصل إليه مع «جيش الاسلام»، في خطوة تمهّد طريق الجيش السوري لاستعادة كامل المنطقة المحيطة بدمشق. حصيلة اليوم الأول، بعد الاتفاق، كانت خروج 20 حافلة من مدينة دوما، تقلُّ 1065 مسلحاً من «جيش الإسلام» وعائلاتهم، عبر ممر مخيم الوافدين، تمهيداً لنقلهم إلى منطقة جرابلس في ريف حلب الشمالي الشرقي.
ولكن لا تزال تفاصيل الاتفاق مبهمة، إذ ثمة حديث عن خلافات داخلية بين قيادات «جيش الإسلام»، وسط تأكيد سوري أن الاتفاق دخل حيّز التنفيذ، وأن ما يقوم به قياديو «جيش الإسلام» لا يعدو كونه «تقاذف اتهامات اعتدناه عند كل هزيمة تلحق بالمسلّحين»، بحسب ما يؤكّده مصدر سوري لـ«الأخبار».
بناءً على ما تقدّم، يبدو واضحاً أن الاتفاق دخل حيّز التنفيذ، رغم مكابرة البعض، إلا أن الحافلات التي تقل مسلّحين من «جيش الإسلام» قد غادرت مدينة دوما فعلاً، بحسب ما أكدته مصادر عديدة، لتبدأ بذلك المرحلة الأولى من إخراج عناصر «الجيش»، على أن تُستكمل تباعاً.