يبدو أن مدينة معرّة النعمان الاستراتيجية، قد ضربت موعداً مع معركة كبرى. وما لم تكن الكواليس السياسية في موسكو قد أسّست لتغيير في خريطة التفاهمات، وتحديث للتوافقات بشأن الطريق الدولي M5، فإنّ المعركة الآتية قد تكون واحدة من أعنف المعارك التي شهدها الميدان السوري، منذ «معركة الكلّيات» الشهيرة في حلب، قبل ثلاث سنوات. وأعلنت أنقرة أمس إرسال وفد إلى موسكو، للحديث عن إدلب، بتزامن لافت مع زيارة مبرمجة مسبقاً لوزير الخارجية السوري وليد المعلم، إلى العاصمة الروسية. ومن المسلَّم به أن ملف إدلب قد حضر على طاولة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ونظيره السوري، علاوة على ملفات أخرى سياسية وميدانية واقتصادية. ونقلت وسائل إعلام روسية عن لافروف، تأكيده أهمية «عودة سيطرة دمشق على جميع الأراضي السورية». ويبدو جليّاً أن أنقرة تسعى لتهيئة مناخات تفاوض أمام وفدها إلى موسكو، تتيح له الحصول على مكتسبات منشودة، ليس بالضرورة أن ترتبط بإدلب بشكل مباشر. وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في كلمة له، إن «الوفد سيزور موسكو لبحث الوضع في إدلب»، وإن «أنقرة ستتخذ الخطوات التالية شمالي سوريا بناءً على نتائج الزيارة». وفيما يواصل الجيش السوري تقدّمه السوري في ريف إدلب الجنوبي، والجنوبي الشرقي بسرعة لافتة، توحي المعلومات المتوافرة بأنّ «أمر عمليّات» موحّداً قد وُجّه لمختلف المجموعات المسلّحة، للاستعداد لـ«معركة مصيرية» في معرّة النعمان (ريف إدلب الجنوبي، وتبعد 45 كم عن مدينة إدلب). وليس من الواضح ما إذا كانت أنقرة قد قرّرت بالفعل مقاربة معارك إدلب بطريقة مختلفة، أو أنها تستعدّ للتصعيد عبر «خطة طوارئ»، إذا عاد وفدها من موسكو من دون «ثمن مناسب». وعلمت «الأخبار» أنّ جهود التفاوض للوصول إلى تسوية سلمية بشأن المدينة باتت أقرب إلى الانهيار، مع سلوكها منحىً سلبيّاً منذ ليل الأحد ــــ الإثنين. الأمر الذي أكّده الوسيط، عمر رحمون، الذي قال لـ«الأخبار» إنّ «المفاوضات كانت جارية لتاريخ البارحة (الأحد)، ثم جاءني رد سلبي جداً. أتوقع أنه لن يحصل اتفاق، وستكون معركة طاحنة». وكان رحمون قد تحدث قبل ذلك عن جهود وساطة يقوم بها، للوصول إلى اتفاق بين الجيش السوري، وبين عدد من القوى في معرة النعمان. رحمون، الذي سبق له أن لعب دوراً فاعلاً في اتفاق «شرق حلب» (راجع الأخبار 16 كانون الأول 2016)، أوضح أنّ الرد السلبي «جاء من قبل المعارضة». ولدى سؤاله عن الجهات التي كان التفاوض قائماً معها، قال: «التفاوض كان قائماً مع شخصيات لها وزنها في المعرة، ولها حضورها عند جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وعند الفيلق (فيلق الشام)». وأوضح أنّ تعثر المفاوضات لا يمكن ردّه إلى أسباب ملموسة، بل هو «مجرّد تعطيل»، كما تحدث عن مؤشرات على أنّ التعثر نابعٌ من «رغبة تركيّة».
في المقابل، نفت مصادر سوريّة معارضة وجود «مفاوضات حول معرّة النعمان أو غيرها». وأكد مصدر ميداني من «الجبهة الوطنية للتحرير» أنّ «هذا الكلام جزء من الحرب النفسيّة، المعارك دائرة، والميدان هو الحكم». وعزا المصدر التهاوي المطّرد للمجموعات المسلحة، إلى «عاملين أساسيين (هما): عنصر المفاجأة، وتواطؤ (أبو محمد) الجولاني، وجماعته (تحرير الشام)». وأضاف أن «الأمور في طريقها إلى التغيّر، وهناك غرف عمليات طور التشكيل، وخطط عسكرية عاجلة ستدخل حيّز التنفيذ قريباً». وتزامن هذا الكلام، مع معلومات عن تحشيدات تقوم بها مجموعات مسلّحة عدّة. فضلاً عن حملة نشاط إعلامي لعدد من قادتها، بدأها قائد «ألوية صقور الشام» أبو عيسى الشيخ (أحمد عيسى الشيخ)، وهو أيضاً «نائب قائد الجبهة الوطنية للتحرير»، وهي واحدة من أشدّ المجموعات ارتباطاً بأنقرة. ودعا الشيخ «قادة الفصائل إلى النزول إلى ساحات الحرب في إدلب»، كما دعا إلى «التعويل على السلاح وحده».
وُجّه «أمر عمليّات» موحّد للمسلّحين للاستعداد لـ«معركة مصيرية»


بدوره، علّق مصدر عسكري سوري بارز، بالقول إنّ «الجيش السوري هو أفضل من يفهم لغة الميدان، وخير من يعرف كيف يخطّ السطور الأخيرة فيه». وقال المصدر لـ«الأخبار» إنّ «وتيرة العمليات متسارعة، وتهاوي الإرهابيين نتيجة حتمية على كل الجبهات». المصدر لم ينفِ احتمال فتح محاور أخرى للعمليات، وأشار في الوقت نفسه إلى أن «في جعبة الجيش الكثير من الخطط والاحتمالات، والجبهات ستكشفها تباعاً». يرى المصدر أن تشبيه معركة معرة النعمان المحتملة، بـ«معركة الكلّيات» غير وارد، ويقول إن «ظروف اليوم مختلفة كثيرة عما كانت عليه في حلب، ولن يكون في وسع الإرهابيين الصمود طويلاً». وحتى مساء أمس، تمكن الجيش من السيطرة على بلدة جرجناز (قرابة 10 كم شرقي معرة)، بالتزامن مع تقدمه على محاور موازية تصلح منطلقاً نحو معرة النعمان من الجهة الشمالية الشرقية. وتشكّل المدينة الاستراتيجية محطة مهمة على الطريق الدولي M5، وستتيح سيطرة الجيش عليها الانتقالَ إلى مرحلة السيطرة على مدينة سراقب (ريف إدلب الشمالي، تبعد قرابة 50 كم عن حلب) التي ستكون آخر النقاط المهمة الخارجة عن سيطرة دمشق، على الطريق الدولي.