بعد نحو أسبوع على زيارة أجراها وزير المهجرين اللبناني، عصام شرف الدين، إلى دمشق، والتقى خلالها عدداً من المسؤولين السوريين، حطّ وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، رحاله في سوريا وتركيا، في جولة أنهاها أول من أمس. وفي دمشق، التي التقى فيها الرئيس السوري، بشار الأسد، ونظيره فيصل المقداد، ركّز الوزير الأردني على قضية اللاجئين السوريين، في ظلّ الضرر الذي لحق ببلاده طوال السنوات العشر الماضية من جرّائها. وبينما تُعتبر هذه القضية أحد البنود الرئيسة في «المبادرة العربية» للحلّ السياسي في سوريا، أكّد الأسد للصفدي ترحيب دمشق بأيّ مبادرات من شأنها المساهمة في «العودة الآمنة»، والتي تراها بلاده «أولوية»، مشيراً إلى أن الإجراءات التي اتخذتها حكومته «تسهم في توفير البيئة الأفضل» لهم، وفق بيان الرئاسة السورية. ونقل البيان، أيضاً، تشديد الأسد على ضرورة عزل ملفّ اللاجئين عن ساحة الصراع السياسي، بوصفه «مسألة إنسانية وأخلاقية بحتة لا يجوز تسييسها»، وكذلك على أهمية تأهيل البنى التحتية اللازمة من أجل عودة المواطنين إلى منازلهم، وخصوصاً في القرى والمدن التي تعرضت لأضرار كبيرة من جرّاء الحرب، في تذكير مباشر بتعهّدات أممية بتقديم دفع لمشاريع التعافي المبكر، لم تلتزم به المنظمات المعنية بالشكل الكافي.وخلال اللقاء الذي جمعه مع نظيره السوري، نبّه الصفدي إلى أولوية مسألة اللاجئين السوريين بالنسبة إلى بلاده التي تستضيف نحو مليون و200 ألف سوري، 10 في المئة منهم يعيشون في المخيمات، الأمر الذي يسبّب ضغوطاً متزايدة على الاقتصاد، في ظلّ النقص المتزايد في التمويل الذي تحتاجه «مفوضية اللاجئين» لتأمين الاحتياجات الأساسية لهؤلاء. وخلال السنوات الماضية، أعلنت «المفوضية» مراراً عن نقص في التمويل المؤمّن للأردن؛ إذ بلغ 15 في المئة فقط من احتياجات اللاجئين السوريين خلال الربع الأول من العام الحالي، وهي ما ينسحب أيضاً على لبنان، ويفسّر انخراط «المفوضية» في عمل مشترك لتنظيم عودة اللاجئين. وأشار الصفدي، في مؤتمر صحافي مشترك مع المقداد، على أنه ناقش خلال زيارته دمشق، إلى جانب مسألة اللاجئين، مسائل أخرى تتعلّق بتأمين الحدود بين البلدين والحد من عمليات التهريب، بالإضافة إلى وضع جدول أعمال أوّلي لتشكيل لجنة عربية مشتركة تُضاف إلى المبادرة الأردنية التي تعتمد مبدأ (خطوة مقابل خطوة)، بهدف الحدّ من العقوبات الغربية مقابل خطوات محدّدة من دمشق، بما من شأنه توفير التمويل اللازم لعمليات إعادة الإعمار، وبالتالي تسهيل عودة اللاجئين.
زار الصفدي أيضاً تركيا التي تحاول منذ مدّة الانخراط في الخطّة العربية لإعادة اللاجئين


وبعد ساعات قليلة من زيارته سوريا، توجّه الصفدي إلى تركيا، التي تحاول منذ مدّة الانخراط في «المبادرة العربية» لإعادة اللاجئين بينما تستضيف حوالي 3.5 ملايين سوري، في ما يُظهر محاولة أردنية جادّة لتوحيد عمل الدول الأكثر تضرّراً من الحرب السورية، وتشكيل قوة ضاغطة يمكنها تجاوز العقوبات الأميركية والغربية التي تُعيق عمليات تأهيل البنى التحتية. وقال الصفدي، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره التركي حقان فيدان «نحن متفقان على ضرورة العمل بشكل مكثف من أجل حلّ الأزمة ومعالجة تبعاتها الإنسانية والأمنية والسياسية»، مشيراً إلى أن الأردن وتركيا اللذين يعدّان «من أكبر الدول المستضيفة للاجئين السوريين»، معنيّان بـ«تحقيق تقدم في معالجة ملف اللجوء»، داعياً إلى «جهد دولي حقيقي لتشجيع العودة الطوعية والاستثمار في البيئة السياسية والأمنية والحياتية التي تتيح العودة».
وتأتي التحركات اللبنانية – الأردنية – التركية الجديدة قبيل اجتماع مقرّر لمجلس الأمن السوري غداً الجمعة للنظر في قرار المساعدات الإنسانية، والذي انتهت مفاعيله مطلع الشهر الحالي، بينما تدخل المساعدات في الوقت الحالي عبر ثلاثة معابر حدودية من تركيا، بناءً على رخصة قدّمتها دمشق بعد وقوع الزلزال، نتيجة رفض «هيئة تحرير الشام» إدخال مساعدات مرسَلة من الحكومة السورية. وتمّ تمديد الرخصة، التي سمحت بإدخال المساعدات لمدة ثلاثة أشهر، لثلاثة أشهر أخرى، في حين يحصر القرار الأممي المتعلّق بالمساعدات إدخالها عبر منفذ حدودي واحد (معبر باب الهوى)، إلى جانب المساعدات التي يتم تمريرها عبر خطوط التماس (عبر دمشق)، مقابل دعم واضح لمشاريع التعافي المبكر، بما فيها شبكات مياه الشرب والصرف الصحي والطاقة. وعبّرت موسكو، التي خطّت القرار الأممي بصيغته الحالية، عن قلقها من عدم تطبيق مشاريع التعافي بالشكل المطلوب، فضلاً عن مخاوفها المتزايدة إزاء استثمار مجموعات إرهابية، من بينها «تحرير الشام»، ملف المساعدات. وإذ ينبئ ذلك بعودة النقاشات السياسية الحادّة في أروقة مجلس الأمن، قبل التوصل إلى قرار مقبول من جميع الأطراف، تسود ترجيحات بأن يمدَّد العمل بالقرار القائم بعد حصول روسيا على تعهّدات أكثر وضوحاً بدعم مشاريع التعافي، ما لم تطرأ متغيرات أخرى.