بعد أن طال انتظار السوريين لتحرّك حكومي على خطّ الأزمة الاقتصادية، تمخّضت الجلسة الاستثنائية التي عقدها مجلس الشعب لمناقشة الوضع الاقتصادي، عن تشكيل لجنة مشتركة تضمّ أعضاء من المجلس والحكومة لإعداد حزمة متكاملة من المقترحات تستهدف النهوض بالواقع الاقتصادي والمعيشي. وبالنظر إلى أن اللجان التي شُكّلت سابقاً لم تسفر عن أيّ نتائج، وطغى على عملها الروتين والبيروقراطية، خلّف القرار الجديد موجة إحباط واسعة في أوساط السوريين الذين كانوا ينتظرون قرارات أكثر فاعلية، وخصوصاً في ظلّ الظروف الاستثنائية المتمثّلة في تدهور سعر صرف الليرة مقابل الدولار، وانعدام القدرة الشرائية، والعطالة الاقتصادية والسياسية التي تشهدها البلاد. لكن سرعان ما خمدت تلك الآمال، ولا سيما مع عدم بثّ الجلسة على الهواء مباشرة، وتحويلها إلى جلسة «سرّية»، باستثناء ما يَصدر عنها من تقرير قصير بثّه التلفزيون الرسمي، وبإشراف حكومي. على أن المفارقة هي أن النواب المستقلين في المجلس سجّلوا سابقة منذ إقرار دستور 2012، بدعوة حوالي 25 منهم إلى استجواب الحكومة، من خلال مذكّرة أعلن عنها النائب وائل ملحم. وبحسب القوانين والأنظمة، فإن باستطاعة هؤلاء تحقيق الاستجواب، إلّا أن إجراء حجب الثقة الذي طرحه جزءٌ واسع من السوريين، غير ممكن من دون مشاركة نواب «حزب البعث» الذين يمثّلون الأغلبية المُطلقة في البرلمان، وتمثّلهم هذه الحكومة حزبياً. وتنصّ المادة 217 من النظام الداخلي على أن حجب الثقة عن الحكومة أو أحد وزرائها يكون بالأغلبية المطلقة، بينما يشكّل المستقلّون أقلّ من ثلث أعضاء البرلمان.
وبينما اعتبر النائب المستقل، خالد الشرعبي، أن الحكومة تقف عاجزة، ودعا إلى استجوابها وحجب الثقة عنها، وصف ملحم الجلسة بأنها عادية وليست استثنائية، مشيراً، خلال مداخلته التي سبقت انسحابه، إلى أن «الشعب ينتظر إجراءً عملياً من مجلس الشعب». وعلى مقلب الموالاة، اتّهم النائب «البعثي» عن محافظة الحسكة، محمد الفلاج، الحكومة، بالتخلّف عن أداء واجبها، واقترح مساءلتها، وهو الأمر عينه الذي طالبت به النائبة عن حزب «البعث»، جويدة ثلجة، التي دعت إلى استقالة الحكومة، وطالبت بترشيدها واختصارها ببعض الوزارات لتكون حكومة إنقاذ اقتصادي. وفي الاتجاه نفسه، رأى محمد أبو القاسم، رئيس حزب «التضامن»، في حديث إلى «الأخبار»، أن الحلّ هو باستقالة الحكومة والبرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة يتبعها تشكيل حكومة وحدة وطنية لا تقوم على أساس الأغلبية الحزبية، وتشارك فيها مختلف الأحزاب والمستقلون والمجتمع المدني، لتضع خريطة طريق الخروج من الأزمة. أمّا النائب «البعثي»، سمير إسماعيل، فاقترح إلغاء الحواجز والمعابر التي تملأ الطرقات الرئيسة بين المناطق والمدن ،وتأخذ من شاحنات نقل البضائع ضرائب وأتاوات، معتبراً أن «الكُلف الزائدة المدفوعة لهذه الحواجز ستُضاف على أسعار المواد لأن التاجر لا يخسر». ودعا النائب المستقل، عامر حموي، وهو رئيس غرفة تجارة حلب، بدوره، إلى «الحدّ من عمل الضابطة الجمركية، وإصدار إعفاءات مالية خاصة بالمدن الصناعية، وتسهيل الدولرة المنظَّمة، وتسهيل عمليات الإيداع والسحب من البنوك ونقل الأموال والمعادن الثمينة، وتسهيل المرور وتوفير الطاقة».
شكّلت دعوة نواب مستقلين إلى استجواب الحكومة سابقة منذ إقرار الدستور عام 2012


في المقابل، لم يكُن لدى الحكومة ما تستطيع طمأنة السوريين به؛ ولذا، لم يتضمّن بيان رئيس الوزراء، حسين عرنوس، الذي أدلى به خلال الجلسة، على استطالته، أيّ وعد بتحسن في سعر صرف الليرة السورية أو الاقتصاد الوطني الذي قال إنه يعاني من وجود «اقتصاد الظل»، مشيراً إلى وجود فجوة تمويلية واسعة بين الحاجة إلى القطع الأجنبي لتلبية احتياجات البلد وبين الكميات المحدودة المتاحة تحت تصرّف «البنك المركزي». كذلك، كرر عرنوس، خلال مداخلته، مفردات من مثل شحّ الموارد، ووضع البلاد، وتراكم الاختلالات، والمخاطر على الاقتصاد الوطني، بالإضافة إلى تكاليف سياسة الدعم التي قال إنها تنعكس ضُعْفاً في قدرة الدولة، وهو تصريح قُرئ كمؤشّر إلى نية رفع المزيد من الدعم. وتحدث رئيس الوزراء عن ضرورة «اتخاذ قرارات جريئة ومسؤولة وعقلانية تضمَن توفير مقوّمات الحفاظ على القرار الوطني الحر المستقل»، مؤكّداً في الوقت نفسه أن معالجة المشكلات لن تتم خلال وقت زمني قصير، مُذكّراً بالحصار والحرب الغربية على البلاد وبالبعد الوطني لخيارات الحكومة، بحسب تعبيره.