بالتوازي مع التصعيد المستمر في هجمات تنظيم «داعش» في منطقة البادية السورية الممتدة إلى «التنف» حيث توجد أكبر قاعدة أميركية غير شرعية على الأراضي السورية، يطرح مجلس النواب الأميركي، اليوم، مشروع قانون عقوبات جديد ضد سوريا يحمل اسم «كبتاغون 2»، وذلك في إطار مضاعفة الضغوط السياسية والاقتصادية على دمشق بذريعة محاربة المخدرات. والمشروع الجديد، والذي أعلن عنه في شهر تموز من العام الماضي، شاركت في صياغته مجموعة من المعارضة السورية الناشئة في الولايات المتحدة، ينخرط فيها أميركيون من أصول سوريّة، وتعمل، بالتعاون مع جهات أميركية، على صياغة البنود القانونية لمشاريع قوانين العقوبات ضد سوريا، بشكل يتوافق مع السياسة الأميركية التصعيدية في الملف السوري، حيث يتلقى هذا التجمع دعماً من أجهزة مختلفة على رأسها وزارة الخارجية.وكتب مسؤول السياسات في «التّحالف الأميركي لأجل سورية»، وهو جزء من المعارضة الناشئة، محمد علاء غانم، عبر منصة «إكس»، منشوراً يفتخر فيه بتقديم المشروع للتصويت. وقال إنه «يسرّ التحالف والمجلس السوري الأميركي أن يعلن أن مجلس النواب الأميركي سيصوت يوم الثلاثاء على مشروع قانون الكبتاغون 2 الذي كنا قد أعلنّا عن طرحه في شهر تمّوز لعام 2023 برعاية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وإجازة لجنة العلاقات الخارجية له في تشرين الثاني 2023 بالإجماع (44 مؤيّد- 0 معترض)!». وتابع غانم أن مشروع القانون الجديد المتمّم لقانون الكبتاغون الأوّل الذي أجيز نهاية عام 2022، يهدف إلى «منحِ الحكومة الأميركية صلاحيات جديدة وموسّعة»، موضحاً أنه يتضمن مزيداً من الضغوط على الحكومة السورية و«حزب الله» اللبناني، اللذين زعم وجود شبكات تابعة لهما.
على أن نص القانون الجديد الذي يأتي بعد نحو عام ونصف عام على إقرار النسخة الأولى منه، لا يحتوي بشكله العام أي إضافات كبيرة على القانون السابق الذي يتضمن «وضع إستراتيجية مكتوبة لتعطيل وتفكيك إنتاج المخدرات والإتجار بها»، باستثناء جانبه الدعائي الذي تجلى في وضع قائمة بأسماء مسؤولين سوريين يزعم ارتباطهم بهذا الملف. إذ يطلب فرض عقوبات جديدة على هؤلاء، تتضمن «مصادرة الممتلكات أو الأموال في حال كانت موجودة في الولايات المتحدة، أو تدخل إليها، أو تقع في حيازة أو سيطرة شخص أميركي، ومنع منح تأشيرات أو التقدم بطلب الدخول إلى الولايات المتحدة، وإلغاء أي طلبات جاري معالجتها»، علماً أن هذه الشخصيات مدرجة في قوائم عقوبات سابقة، ما يعني أن هذا البند يرتبط بشكل أساسي بعوامل تسويقية للنشاط السياسي الأميركي التصعيدي في الملف السوري.
قانون «كبتاغون 2» لا يحتوي على أي إضافات كبيرة على نسخته السابقة


ويأتي التصعيد السياسي والاقتصادي من بوابة محاربة المخدرات، ضمن مسار أميركي تحاول واشنطن شقّه بشكل معاكس للمسار العربي الذي تم رسمه بالتعاون مع دمشق، في إطار «المبادرة العربية». والجدير ذكره، هنا، أن هذه الأخيرة تتضمن، إلى جانب التصدي لشبكات المخدرات التي استثمرت الفراغ الأمني وخروج مناطق عدة عن سيطرة الحكومة السورية لزيادة نشاطها، العمل على تنشيط عمليات إعادة التأهيل للبنى التحتية في إطار برنامج «التعافي المبكر» الأممي، وفتح الباب أمام إعادة النازحين واللاجئين السوريين في دول الجوار إلى بلادهم، وهو ما لا تريده واشنطن التي تصرّ على أن خطوة مثل هذه لا يمكن أن تتم «من دون ثمن سياسي».
كذلك، تحاول الولايات المتحدة، عبر ملف المخدرات، إضفاء شرعية بشكل أو بآخر على وجودها غير الشرعي في سوريا، وبشكل خاص في الجنوب السوري، حيث توجد قاعدة «التنف»، عند المثلث الحدودي مع العراق والأردن، والتي يتدرب فيها مسلحون من مشارب مختلفة تحت مسمى «جيش سوريا الحرة». وفي المقابل، تؤكد دمشق وموسكو أن النشاط الأميركي في هذه القاعدة مرتبط بنشاط الفصائل «الإرهابية»، وعلى رأسها تنظيم «داعش»، الذي كثّف بشكل ملحوظ من هجماته في مناطق البادية السورية ذات الطبيعة الجغرافية الواسعة والمعقدة، في وقت تعمل فيه القوات السورية والروسية على استهداف مواقع تمركزه جواً، وتنفذ تشكيلات عسكرية سوريّة عمليات تمشيط دورية لتأمين المناطق التي ينتشر فيها براً. وفي هذا السياق، كان «المركز الروسي للمصالحة» في مطار حميميم، قد أعلن أن القوات الجوية الروسية دمّرت قاعدتين تابعتين لـ«جيش سوريا الحرة» تقعان في مناطق جبلية نائية في البادية، عقب مغادرة المسلحين منطقة التنف. وقال نائب رئيس المركز، اللواء يوري بوبوف، إن «ضربات جوية روسية دمّرت قاعدتين لمسلحين متشددين غادروا منطقة التنف ولجأوا إلى مناطق يصعب الوصول إليها في سلسلة جبال العمور في بادية حمص وسلسلة جبال البشري في بادية دير الزور». أيضاً، ذكرت مصادر ميدانية سوريّة أن سلاح الجو السوري نفذ سلسلة استهدافات في منطقة البادية لمواقع تمركز المسلحين، بالإضافة إلى طرق إمدادهم، لافتةً إلى أن طائرات الاستطلاع السورية والروسيّة تعمل على تحديث بنك الأهداف تبعاً لتحركات المسلحين.
أما في مناطق خفض التصعيد، شمال غربي البلاد، فتتابع قوات الجيش السوري رصد تحركات الفصائل «الجهادية» التي حاولت خلال المدة الماضية إشعال خطوط التماس، عبر تنفيذ سلسلة هجمات «انغماسية» متتالية. ويأتي ذلك بالتوازي مع استمرار الأزمة الداخلية التي يعيشها «أبو محمد الجولاني»، زعيم «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة – فرع تنظيم القاعدة السابق في سوريا)، والذي أعلنت الفصائل «الجهادية» التي تنشط على خطوط التماس تأييدها له في صراعه الداخلي مع منافسيه. وفيما ربطت مصادر معارضة، تحدّثت إلى «الأخبار»، هجمات هذه الفصائل بمحاولة «رجل القاعدة السابق» إعادة ترتيب بيته الداخلي عبر لفت الأنظار إلى جبهات أخرى، غير أن هذه الهجمات أسهمت في زيادة الضغوط عليه بعد فشلها، ونجاح الجيش السوري في القضاء على معظم المسلحين الذين نفذوها، وعلى مسلحين آخرين حاولوا مؤازرتهم، فضلاً عن القبض على أحدهم.