كرّمت «الجامعة اليسوعية» الأسبوع الماضي، رائد المسرح اللبناني الراحل منير أبو دبس (1932 - 2016) في ندوة تخلّلتها شهادات من طلابه في مرحلة ما قبل مسرحية «الطوفان». وأثناء التكريم، تذكّرتُ قصّة روتها لي ميراي معلوف قبل عشر سنوات تقريباً يومَ كنتُ بعد تلميذاً في محترف أبو دبس في الفريكة.

لَحظة تَدَاعِيات مَغمُورَة بالسِّحِر، التَقَتْ فِيها ذَاكِرَة منير أبو دِبِس ومِيراي معلوف، في جَلسَةٍ كُنتُ فيها شاهِداً، تحتَ قَمرِ الفريكة وقَناطر مَدرسةِ المسرحِ الحَديثِ، لِتَسْتَعيدَ حَدَثاً غريباً قد لا يَذْكُره المشْتَرِكونَ فيه.
بعد نَجاحِ مسرحية «الطوفان» في المسرح التجريبي في بيروت، الذي أَسَّسَهُ أبو دبس على إثرَ انفصالِه عن لجنة «مهرجانات بعلبك الدّولية»، دُعِيَت الفرقة إلى تَقدِيمِ الـمَسرحيَّة ضمن مهرجان «برلين العالمي للمسرح».
افتَتَحت ميراي معلوف الحَديث:
- كُنَّا أنا ورضى خوري، جوزيف بو نصار، صبحي أيوب، وميلاد داوود، بِلِبَاسِنا الأسود، وَشَعرنا المرْخِيّ الطَّويل، نتنقَّل كالأشباح في تِلكَ المدينة.
توسَعَتْ دائرة التَّداعيات، فأسقطَ مُنير من ذاكرتِهِ الإشارة الأولى:
-أَتذكرينَ حادثة القِطار في برلين؟
صاحت ميراي:
- يا اللهْ! أَتَذكَّر كيف أَوقَفَ رِجال الأمن القِطار طالِبينَ منّا التَّرجُّل، ثمَّ قادونا إلى التَّحْقِيق؟
واستْطَرَدَتْ موضحَةً لي أنَّ الـمَسرحيَّة تَرافَقتَ زَمَنِيّاً، مع حُدوث عَمَلِيَّة «ميونِخ» الشهيرة التي احتجزَ فيها الفلسطينيون رهائنَ إسرائيليين أثناء دورة الأولمبياد الصَّيفية....
قاطعها منير:
- أتذكرين أثناء التَّحقيق، كيف انحَنَيتِ على حَقِيبَتك، مَدَدْتِ يَدَكِ لِتَتَناوَلي غَرَضاً، فأَثَارت الخوفَ في نَفْسِ الـمُحَقِّقِ الذي وَضَعَ يَدهُ على زِنادِ مُسَدَّسِه ظَنّاً مِنهُ أنَّك تُخرِجينَ قنبلَة! فَصَرَخْتُ بِكِ: «ميراي أسرعي أسرعي...».
ضَحِكَت ميراي: كُنتُ مُرتَبِكَة وعَفويَّة، حينَ أَخْرَجْتُ عُلْبَةَ «مَعْمُول التَّمِر» التي حَمَلتُها معي مِن بيروت إلى ألمانيا، وفَتَحتُها لأُطعِمَ الـمُحَقِّقِين!
ثمَّ انْتَهَى الـ «قْطُوع» بَعدما حَضر مَسؤول المهرجان واصطحبَنا يومَذاك إلى طَوفَانِنا...

* شاعر ومسرحي