عدّل البنك الدولي توقّعاته لنموّ الاقتصاد الكوني خلال العام الجاري سلباً، مشيراً إلى أنّ الأوضاع ستكون أسوأ في بلدان الناشئة مع نسبة نموّ تبلغ 1.2 في المئة. واللافت هو أنّ صياغة التقديرات الجديدة تناقض تلك التي أصدرها صندوق النقد الدولي قبل شهر تقريباً، والتي أظهرت تحسّناً في ترجيحات عام 2010
رغم بعض إشارات التحسّن التي تظهر في قطاعات مختلفة في بلدان عديدة من الأقاليم الناشئة وتلك الصناعيّة، لا يبدو أنّ البنك الدولي سيكون أكثر تفاؤلاً. ففي ترجيحاته التي نشرها أمس، قال البنك إنّ الاقتصاد العالمي سينكمش بنسبة 2.9 في المئة خلال العام الجاري، بعدما كان يتوقّع سابقاً أنّ نسبة النموّ السلبي ستكون 1.7 في المئة فقط.
وبحسب تقرير البنك المعنون «التنمية والتمويل في العالم 2009: خطّ تعاف كوني»، ارتفعت حدّة الركود العالمي بسبب استمرار الجمود في التجارة الدوليّة والاستثمارات الخاصّة. وحتّى لو عاد النموّ في النصف الثاني من العام الجاري، وهو أمر متوقّع، إلّا أنّ الوتيرة ستكون أقلّ مما كان يمكن توقّعه أساساًوهكذا يكون البنك قدّر رفع حدّة تشاؤمه بالنسبة إلى الاقتصاد الكوني، وخصوصاً أنّ توقّعاته لنموّ في العام المقبل تراجعت أيضاً. فهو يقول الآن إنّ نسبة النموّ حينها ستكون 2 في المئة عوضاً عن 2.3 في المئة وفقاً لتوقّعات آذار الماضي. وهذه الترجيحات هي أسوأ مما تحدّث عنه صندوق النقد الدولي. فالأخير قال في آخر تعديل لتوقّعاته إنّ النموّ في العام المقبل سيكون 2.4 في المئة، بعدما كانت التوقّعات السابقة عند 1.9 في المئة فقط. وحافظ على توقّع تقلص بنسبة 1.3 في المئة في عام 2009.
وحذّر البنك الدولي من أنّ البلدان الفقيرة والناشئة ستبقى متأخّرة في الانتعاش النسبي الذي سيحمله النصف الثاني من العام الجاري، مقارنة بما يتحقّق في البلدان الصناعيّة، ما يستدعي إجراءات «جريئة».
وفي التفاصيل، فإنّ نسبة النموّ الاقتصادي في البلدان الناشئة ستكون، وفقاً للتقرير، 1.2 في المئة فقط انخفاضاً من 2.1 في المئة بحسب التوقّعات السابقة. وستكون بلدان أوروبا الشرقيّة وآسيا الوسطى الأكثر تأثّراً في هذه المجموعة. فمعدّل الانكماش الاقتصادي في هذه المنطقة سيبلغ 4.7 في المئة انخفاضاً من 2 في المئة كانت متوقّعة في آذار الماضي. واللافت أنّه من دون الصين والهند، فإنّ اقتصادات البلدان الناشئة ستتقلّص بنسبة 1.6 في المئة على أساس معدّل.
وفي العام المقبل، سيبلغ معدّل نمو اقتصادات المجموعة الناشئة 4.4 في المئة، بحسب البنك، وتتراجع تلك النسبة إلى 2.5 في المئة فقط إذا استثنيت الصين والهند.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الاقتصاد الصيني يُتوقّع أن ينمو بنسبة 7.2 في المئة خلال العام الجاري، و7.7 في المئة في عام 2010، فيما يسجّل الاقتصاد الهندي نسبة نموّ تبلغ 5.1 في المئة و8 في المئة على التوالي.
وتحدّث التقرير عن أنّ الآفاق «الخطيرة» لتلك البلدان الناشئة سببها تراجع تدفّق الرساميل إلى 363 مليار دولار في العام الجاري مقارنة بـ1.2 مليار دولار في عام 2007، ما يثير «تداعيات ماكرو اقتصاديّة مقلقة». وفي الوقت نفسه، فإنّ التجارة الدوليّة قد تتراجع بنسبة 9.7 بعدما كانت نسبة الانخفاض في ترجيحات آذار الماضي 6.1 في المئة.
ومن المعروف أنّ البلدان الناشئة تعتمد كثيراً على الرساميل الوافدة والصادرات من أجل تحفيز اقتصاداتها. والصين على سبيل المثال تركّز حالياً على تحفيز الطلب الداخلي من أجل تعويض تراجع حجم التجارة الدوليّة، وهي بالتالي تخصّص جزءاً كبيراً من خطة الإنعاش الاقتصادي التي تبلغ قيمتها 586 مليار دولار من أجل حثّ المواطنين على الإنفاق الاستهلاكي.
أمّا في مجموعة البلدان الصناعيّة، يتوقّع تقرير البنك الدولي أن يتقلّص اقتصاد الولايات المتّحدة، الأكبر عالمياً، بنسبة 3 في المئة، بعدما كانت التوقّعات السابقة 2.4 في المئة فقط. وفي اليابان، ستكون نسبة الانكماش 6.8 في المئة مقارنة بـ5.3 في المئة في السابق، كما ستشهد منطقة اليورو، التي تضمّ 16 بلداً، انكماشاًَ بنسبة 4.5 في المئة انخفاضاً من نسبة تقلّص بلغت 2.7 في المئة في التوقّعات السابقة.
وعموماً، يشير البنك إلى أنّ «معدّل البطالة إلى ارتفاع ومعدّلات الفقر ستزيد في البلدان النامية، ما سيؤدّي إلى نشوء ظروف متدهورة بالنسبة إلى فقراء العالم». إذاً، فهو يؤكّد تحذيراتها التي تفيد بأنّ الأزمة ستؤذي الفقراء في الدرجة الأولى، حيث ستحتاج البلدان الناشئة والفقيرة إلى أكثر من 500 مليار دولار لاحتواء تداعيات الركود العالمي، وفقاً للأرقام التي طرحها مدير البنك الدولي روبرت زوليك، في الفصل الأوّل من العام الجاري.
كذلك هناك خطر آخر موجود، وهو سعي البلدان منفردة إلى التحفيز الاقتصادي لمواجهة الركود، «فأيّ بلد يتصرّف منفرداً، حتّى الولايات المتّحدة، يجب منطقيّاً أن يخشى من أن يؤدّي ارتفاع ديونه إلى تراجع ثقة المموّلين بماليّته العامّة وسحب تمويلهم».
(الأخبار)


مخاطر نزوليّة

شدّد كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، أوليفييه بلانشار، على أنّ زيادة الصادرات أمر مطلوب لتحقيق انتعاش مستدام في الولايات المتحدة، وهذا ربما يتطلّب تعديلاً في قيمة الدولار. وقال، وفقاً لما نقلته «رويترز»، إنّه «بالنسبة إلى الولايات المتحدة، ما من شك في أن انتعاشاً قادراً على الصمود يجب أن يتحقّق من خلال زيادة كبيرة في الصادرات، وهو أمر ليس من السهل القيام به. قد يتطلّب هذا تعديلات كبيرة في قيمة الدولار»، مستبعداً أن يكون الانتعاش الاقتصادي العالمي قوياً للغاية، مشيراً إلى وجود «مخاطر نزولية واضحة».