100 ألف روبية» هي العلامة الفارقة التي ستميّز معارض السيّارات في الهند قريباً. المبلغ يساوي ألفي دولار، وعلى أساسه تسعّر أرخص سيّارة في العالم. إنّها الـ«NANO» التي تنتجها الشركة الهنديّة «TATA». قبل 15 شهراً كشف عن السيّارة في نيودلهي والطلب عليها الآن يفوق العرض بكثير، كذلك فإنّ «غزوها العالم» يحتمل أن يبدأ في عام 2011
حسن شقراني
قبل أكثر من عام قدّمت الشركة الهنديّة الأكبر في صناعة السيّارات، «TATA»، السيّارة الأرخص في العالم: «NANO». سمّيت «سيارة الفقراء» لأنّ سعرها (الأدنى: ابتداءً من... وقبل ضرائب السير) يساوي 2000 دولار.
أثارت هذه «الآليّة» اهتمام المراقبين في الصناعة والاقتصاد، إضافة إلى المستهلكين حول العالم. لأنّها ستخلق مفهوماً جديداً للسيّارات الصغيرة والمنخفضة الكلفة واستهلاك الوقود، ولأنّها ستمنح شريحة واسعة من المواطنين (في الهند مبدئياً وفي العالم مستقبلاً) إمكان تملّك سيّارة جديدة، ما يحقّق رغبة دغدغت مشاعر الموظّف البسيط في مومباي أو حتّى الأميركي المرهق من الأزمة الماليّة العالميّة ومن الأسعار المرتفعة للوقود الأحفوري.
وخلال الشهر الجاري بدأت الشركة تلقّي الطلبات على سيّارتها الشهيرة التي حطمت الرقم القياسي للـ«Maruti 800» من حيث انخفاض السعر (أقلّ بـ50 في المئة). وهي اعتمدت في ذلك على مبدأ الحصول على اعتماد أوّل من الزبون تقارب قيمته السعر الأساسيّ للسيّارة. فـ«المهتمّ» يستطيع تسديد نحو 1850 دولاراً، وفور التسلم يسدّد المبلغ الباقي. وإذا كان يريد ميزات أكثر في سيّارته، مثل الزجاج الكهربائي والمكيّف الهوائي، يرتفع الثمن إلى نحو 3750 دولاراً.
والسبب في لجوء الشركة إلى هذه الآليّة في البيع يعود إلى أنّ المعمل الأساسي الذي كان مخصّصاً لإنتاج الـ«NANO» في منطقة سينغور في جنوب البنغال، تمّ التخلّي عنه بعد احتجاجات واسعة من المزارعين في ذلك الإقليم الذين يعارضون الشراء «القسري» لأراضيهم.
لكن رئيس الشركة، راتان تاتا، لم يتخلّ عن «الحلم» وتقرّر نقل المعمل إلى منطقة ساناند. لهذا المعمل قدرة إنتاج تبلغ 250 ألف وحدة سنوياً. لكن العمل به لن ينتهي حتّى العام المقبل. لذلك أوصى الرجل السبعيني بتحويل معمل تابع للشركة في منطقة بانتناغار في شمال البلاد لإنتاج السيّارة المثيرة للحماسة.
لكن قدرة هذا المعمل الأخير لا تتعدّى الـ50 ألف سيّارة سنوياً. وفي ظلّ الطلب الكبير الذي يبديه المستهلكون، سيُختار الزبائن الـ100 ألف الأوائل عبر القرعة.
الشركة الهنديّة تعوّل على «سيّارتها اللعبة» لتمويل عمليّاتها التي تعرّضت لنكسة بعد تكبّد خسارة وصلت إلى 52 مليون دولار في عام 2008، إثر تحقيق ربح بلغ 126 مليون دولار في العام السابق.
كما اشترت الشركة خلال العام الماضي ماركتي «Jaguar» و«Land Rover» من الشركة الأميركيّة «Ford»، مقابل 2.4 مليار دولار. وحتّى عام 2012 تستحقّ عليها ديون وسندات بقيمة 915 مليون دولار. وفي ظلّ تراجع المبيعات حول العالم (وهي حال جميع شركات السيّارات) خفضت وكالتا التصنيف الائتماني «Moody’s» و«Standard & Poor’s» تقويم الشركة الهنديّة.
وإلى جانب التحديّات الموضوعيّة التي تفرضها الأزمة الاقتصاديّة على مبيعات «TATA» في كل الفئات، هناك صعوبات قد تواجه «NANO» في المستقبل أبرزها:
1 ـــــ السيّارة لن تكون مربحة إلّا عند بيع 350 ألف وحدة سنوياً، وفقاً لما ينقله موقع «Bloomberg» عن المحلّل جاتين شاولا الذي تحدّث في إحدى مقالاته عن «تأثير الـNANO». وإذا واجه المعمل الجديد في ساناند مشاكل في الإنتاج، فإنّ الجدوى لن تكون موجودة في المدى المتوسّط.
2 ـــــ تعدّ السيّارة «صديقة للبيئة» وفقاً لمعدّل استهلاكها للوقود الذي يبلغ نحو 472 كيلومتراً لكلّ 20 ليتراً (تنكة)، أي أقلّ بـ25 في المئة من معدّل الاستهلاك المسجّل في السيّارات الأخرى. لكن مع الطلب الهائل والسعر الرخيص يتوقّع أن تغزو سيّارات «NANO» أو مثيلاتها الطرقات، ما قد يثير التحفّظات على معدّلات الاستهلاك وضرورة اللجوء إلى مصادر أخرى لمدّها بالطاقة، عوضاً عن محرّك الإسطوانتين الذي يعمل بالوقود طبعاً.
3 ـــــ حتّى قبل سيرها على الطرقات وتحوّلها إلى «صرعة تنقّل الفقراء»، تواجه تحفة «TATA» المنافسة. فقد أعلنت شركة «TOYOTA» اليابانيّة عن نموذج أوّلي يضاهي مميّزات الـ«NANO». كذلك اتّحدت شركة «NISSAN» مع أكبر شركة هنديّة لصناعة الدرّاجات الناريّة، «BAJAJ»، لإنتاج سيّارة بسعر 2500 دولار.
وعلى أيّ حال يطمح راتان تاتا إلى تحويل سيناريو «غزو الـNANO» إلى حقيقة مع توقّع بيع مليوني وحدة خلال السنوات العشر المقبلة. إذ إنّ التصدير إلى الولايات المتّحدة وأوروبا يرجّح أن يبدأ في عام 2011.
طموح منطقي، وإن كان يعني رفاهيّة الفقراء على حساب المعايير البيئيّة. ألا يحقّ للفقير جزء من «التلويث» بعدما استأثر الغني بحصّة الأسد منذ الثورة الصناعيّة؟


مُنِع في لبنان

لدى سؤالها عن إمكان استيراد سيّارة «NANO» في المستقبل، تقول المسؤولة في شركة «SIDIA»، الوكيل الحصري لاستيراد سيّارات «TATA» في لبنان، كريستين داغر لـ«الأخبار»، إنّ «قراراً صدر في الفترة الأخيرة يمنع استيراد سيّارات TATA لمعايير تتعلّق بالوزن»، وخصوصاً أنّ «TATA» مشهورة حتّى الآن بالحدّ الأدنى بإنتاج الشاحنات الصغيرة (Pick-up’s). لكن مصدراً في وزارة الاقتصاد أوضح أن لا علاقة لهذا القرار بالسيّارة الشهيرة. على أيّ حال، إنّ الاستيراد إلى لبنان لن يبدأ قبل 4 سنوات على الأقلّ بعد «إشباع» الأسواق الخارجيّة المستهدفة.